كثير من اللحظات الضائعة لا يعرف بها الوقت. يتأبّط لحظاته ويمشي. حقيبته مثقوبة، تتساقط لحظات على الرصيف، يسرقها العابرون، يكرهها موعد القطار. القطار تأخّر عن المجيء فلماذا لا يسامحه مَن ينتظرون اللحظة المناسبة؟
والنهر يمشي، يحاول الأطفال أن يمسكوه في اللحظة. يفرُّ النهر. يغنّي وهو يركض، على عزف التشيلّو. لكنّ التشيلّو من غير ماء. يعطش. يتناول اللحظة. يعصرها. تفرُّ اللحظة أيضاً ويبقى العطش.
أنا في اللحظة أريد أن أعيش، أكتب حياتي على دفتر، لكي لا تضيع. يأتي سارق ما. يأخذها من أمامي دفعة واحدة. أتشاجر معه. يتدخّل عازف التشيلو. يريدنا أن نهدأ قبل أن تجفّ البحيرة من مائها في اللحظة. عادة لا تعرف اللحظات أنّها تأخذ كلّ شيء ولا أحد يأخذها. يعلّبها الصاغةُ في آلات تدور وتدور. ينام جميع القدّيسين. ينام حرّاس الهيكل وتبقى اللحظات تنهمر كالشتاء، فمَن يقفل النوافذ قبل أن تدخل العاصفة إلى البيت، وتحمل سريراً، خزانة، مقعداً؟
تحمل الرياح العاتية في اللحظة جبلاً من مكانه، تطرحه في المحيط.
وقفتُ أمام اللحظة عارياً، ضربتُها بقبضتي. تناثرتْ في كلِّ مكان. كانت تلك لحظتي. ومن تلك اللحظة لا رياح تقهرني. لا رعد يخيفني. أنا الرعب الذي يرعب الانتظار.
***
*(من كتاب “حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان – نثر أو شعر”)
*مشروع “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني