بقلم: المونسينيور كميل مبارك
من أقاصي الأرض أتى، كما قال، من حيث تُزهِر الكنيسة في مسَاكب الفقرِ وتُثمرُ أدعية عمرها مئات السنين، في الأرجنتين، الأرض التي تمتدُّ من جليد القطب الجنوبي إلى دفءِ مدار الجدي قرب خطّ الاستواء، وكأنها تمثّل حراك الإيمان في قلبِ كلّ من يتساءل أمام عظمة الحقائق عما تكون وكيف تكون ولماذا تكون، وينزل المؤمن في ملامسة الشكّ إلى جليد القُطب، ويرتفعُ بحرارة الإيمان إلى وَهجِ شمس الاستواء.
من أقاصي الأرض أتى به الرّوح القدُس الذي شغل قلوب مختاريه، وفي مدة من الزمن لم تتجاوز الساعات. إنها علامات الأزمنة التي لو أحسنّا قراءتها لعرفنا إرادة الله. وقرأنا حمامة المدخنة تبشيرًا قبل الإعلان الرسمي. وقرأنا فرح المحتشدين في باحة مار بطرس، وفي أيديهم آلاف المسابح، وعلى ألسنتهم أنغامٌ تصل الأرض بالسماء. وقرأنا آلاف وسائل الإعلام تروحُ وتجيء حول من سيأتي به الروح، وقرأنا أصواتَ الأجراس في العالم كله تقول: ها هوذا ها هوذا. وقرأنا ابتسامات الناس وضحكاتهم التي تنمّ عن الرضى التام. وقرأنا اختيار اسم فرنسيس الأول رجعة إلى فرنسيس القديس يسمع صوتَ المسيح يقول: “فرانشيسكو رمّم الكنيسة”. وقرأنا صورة الحبر الأعظم الجديد يوم كان كاردينالا يأكل مع تعساء الأرض في مراكز موائد المحبة، رسالة إلى هؤلاء تذكّرهم بكلام قرأه السيّد المسيح يوم اعتلى منبر الهيكل: “مسحني الله وأرسلني لأبشّر البؤساء بزوال شدّتهم والمقهورين برفع قهرهم عنهم والمأسورين بقُرب فرَجهم”.
كل هذه العلامات دلائل على ما ستكونه الكنيسة في عهد بابا الفقراء الذي أتى بعد بندكتوس بابا الإيمان ويوحنا بولس بابا الشباب.وأطلّ فرنسيس الأول من على شرفة الفاتيكان بابتسامةٍ أسرت ناظريه وأفرحت محبيه ونادت قلوب الذين أداروا ظهورهم للكنيسة ردحاً من الزمن، ليعودوا ويقولوا تعالوا لننظر علّنا نجد ما كنا نبحث عنه. وتذكروا كلام الرعاة يوم بشّرهم الملاك: سيروا بنا إلى بيت لحم. وتذكّروا كلام المسيح للَّذين سألاه: “أين تقيم؟” فقال: “تعاليا وانظرا”.
وصلّى فرنسيس الأوّل وطلب من آلاف المحتشدين أن يصلّوا لأجله طالبين إلى الله أن يُعينه في خدمتِه، مقرًّا بضعف الإنسان معترفًا بقوّة الروح مجدِّدًا وجه الأرض. وكان ما كان وسكتت كلُّ الأصوات التي كانت قبل ساعات تتكهّن عن البابا الآتي. كما سكتت كلُّ الادّعاءات المزوّرة حول استقالة البابا بندكتوس. وكأن الروح الذي عمل في تسريع انتخاب فرنسيس الأول أراد أن يضرب ألف عصفورٍ بحجرٍ واحد.