تحقيق اميمة شمس الدين
ما من قطاع في لبنان لم يتأثر بالازمات المتتالية التي حلت في البلد، بدءا من انتشار الفساد وارتفاع سعر الدولار وحجز أموال المودعين وأزمة كورونا وصولا الى انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي الذي دمر نصف العاصمة.
قطاع المقاولات من اكثر القطاعات التي تأثرت بهذه الازمات لا سيما انه قطاع حيوي ودوره كبير في اعادة تأهيل البنى التحتية والاعمار، وخصوصا اعمار بيروت بعد انفجار المرفأ. وفيما يجهد نقيب مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية المهندس مارون الحلو الى تطبيق ما يسمى “الإنكفاء الاستراتيجي” مع “خطة صمود” في انتظار تحسن الظروف وتطورها نحو الأفضل، تبقى النقابة منكبة على تنفيذ خطة الصمود التي رسمتها لقطاع المقاولات من أجل إبقائه على قيد الحياة، بما فيها معالجة مشاكل الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.
وأكد النقيب الحلو أن “المهم اليوم وبسرعة تأليف حكومة جديدة ومنتجة ومتضامنة بين أعضائها لتطبيق الإصلاحات المطلوبة من الجهات الدولية”.
وقال: “لا شك أن سنة 2020 كانت إستثنائية وغير عادية في ما واجهناه من أحداث كارثية في لبنان، بدءا من الأزمة المالية والإقتصادية التي استجدت بعد 18 تشرين الاول 2019، وما رافقها من تدابير وتعاميم قاسية وغير مألوفة من قبل المصارف وحجز ودائع المواطنين، وتدني القيمة الشرائية للنقد الوطني فضلا عن تردي وضع الدولة المالي والنقدي… كل ذلك كان نتيجة عدم وجود إدارة حكومية فاعلة لإنقاذ البلد بكل قطاعاته الإقتصادية والإنتاجية من الإنهيار، حيث شهدنا إقفال العديد من المؤسسات والشركات، ما رفع نسبة العاطلين عن العمل الى أكثر من 50 في المئة، وزيادة نسبة الفقر الى أكثر من 60 في المئة”.
اضاف: “هذه الأزمات الإقتصادية والمالية المتلاحقة التي يشهدها لبنان لم تأت من عبث، لأنها نتيجة الفساد المتراكم في الإدارات والمؤسسات، حيث أوصل الوضع العام الى الإنهيار، فيما لا تلوح في الأفق أي بوادر حلحلة كي تستعيد القطاعات الإقتصادية نشاطها وعافيتها”.
وأكد ان “هذا الواقع الصعب والمؤلم إنعكس بشكل ملموس على قطاع المقاولات، ولهذا أطلقت عدة صرخات للمسؤولين للعمل على إنقاذه، خصوصا وأن تأثير التدابير القاسية والاستثنائية من قبل المصارف فضلا عن تردي وضع الدولة المالي والنقدي وعدم تسديد مستحقاتنا جعلنا في قلب الإنهيار. فنحن اليوم نخوض معركة وجود لتأمين إستمرارية شركاتنا ومؤسساتنا ولن نقبل بإقفالها وتشريد العاملين فيها، لأننا جزء لا يتجزأ من القوة الاقتصادية، ولقد سجلت هذه المهنة السامية خلال عشرات السنين العديد من النجاحات في لبنان والدول العربية وأفريقيا..، وقد قمنا بمعالجة عدد من الملفات القديمة إنما من دون إخراجها إلى العلن، من أجل تأمين ديمومة عمل أصحابها، لكن هناك ملفات أخرى تتطلب سياسة عامة كموضوع سعر الصرف حيث لا قدرة اليوم على الالتزام بأي مشروع من دون تأمين آلية دفع الأتعاب والتكاليف وبأي عملة ووفق أي سعر صرف… الأمر يكمن ضمن إطار مسؤولية الحكومة، التي للأسف لا الحكومة الحالية تصرف الأعمال، ولا الحكومة الجديدة أبصرت النور حتى الآن، ولهذا فإن الوضع يزداد صعوبة وتعقيدا”.
وتابع: “الى ذلك، ان إقفال البلد كما في كل دول العالم عدة أشهر بسبب إنتشار فيروس كورونا جعل الأمور تسير من سيء الى أسوأ، لكن المهم الآن أننا وصلنا مع نهاية هذا العام إلى طرح عدة لقاحات ضد فيروس كورونا نأمل معها أن نجتاز هذه المرحلة الموجعة التي أفقدتنا الكثير”.
وعن الدور الذي قامت به النقابة للمساعدة في التخفيف من نتائج كارثة انفجار المرفأ، وما تم انجازه حتى الان، قال النقيب الحلو: “إن كان النصف الأول من العام 2020 قد حمل الكثير من الهموم للقطاعات الإقتصادية، فإن النصف الثاني كان الأسوأ ، حيث حلت فيه كارثة إنفجار المرفأ الذي دمر قسما من تاريخ بيروت إن على صعيد النسيج الإجتماعي أو في المباني التراثية. وقد طال التدمير أحياء بكاملها في مناطق المدور، الكرنتينا، البدوي، مار مخايل، الرميل، الجميزة، كما امتدت تداعياته إلى الأشرفية وبرج حمود والباشورة وزقاق البلاط، وسائر أحياء المدينة، مخلفة وراءها أكثر من 200 قتيل وجرح الآلاف وتضرر الاف المنازل ومئات المؤسسات والمحال التجارية وتهجير عشرات الآلاف من السكان”.
وأشار الى انه “منذ اللحظة الأولى للكارثة وقفت نقابة المقاولين بكامل جهوزيتها الى جانب كافة أجهزة الدولة والسلطات الرسمية والهيئات المدنية للملمة ذيول الكارثة، بالتعاون مع بلدية بيروت والهيئة العليا للاغاثة والنقابات والجيش اللبناني، حيث قمنا بمسح شامل للأضرار وتحديد الأبنية الآيلة إلى السقوط، بالإضافة إلى مسح الأبنية التراثية القديمة. كما وضعنا آلياتنا بتصرف هيئات الإغاثة والأجهزة الرسمية والبلديات لرفع الركام في شوارع بيروت وسائر المناطق المنكوبة، وباشرنا سريعا بأعمال التدعيم للمباني الأكثر تضررا لتفادي ما قد يسبب كوارث جديدة”.
واكد نقيب المقاولين أن “المطلوب من الدولة لدعم قطاع المقاولات والهندسة وحماية شركاته ومؤسساته من الانهيار، العمل على منع إفلاسه، لأن تأثير الإنهيار إذا حصل لا سمح الله سينسحب على جميع القطاعات المتصلة به، وكذلك سيرتد على المجتمع وقطاعات الخدمات والتعليم والنقل، وسنشهد بسبب ذلك المزيد من الجوع والألم والهجرة للطاقات ولليد العاملة الماهرة والمتخصصة، لهذا، وللتخفيف من أعباء هذه الأزمة أجدد التذكير بمطالبنا ومن أبرزها:
– استصدار قرار من الحكومة يعتبر ما حصل بعد 18 تشرين الاول 2019، “قوة قاهرة “Force Majeure” مع كل ما يستتبع ذلك من تمديد للمهل ودراسة تعديل العقود إن من ناحية زيادة الاسعار أو التعويض على الخسائر.
ـ الإسراع بفسخ العقود المتعثرة وفقا لطلب المتعهدين والاستشاريين وتصفيتها وفقا للأصول، حتى لا تتراكم الخسائر على الطرفين.
– دراسة المشاريع التي يلزم استكمالها نظرا لأهميتها وأولوياتها وإعادة التوازن للعقود من حيث دفع المستحقات بالدولار وليس بالليرة اللبنانية وزيادة الأسعار بشكل عادل .
– وقف تلزيم مشاريع جديدة ممولة محليا قبل حل مشكلة المشاريع العالقة وعدم إطلاق مناقصات ممولة أجنبيا حتى معاودة إعطاء كفالات من المصارف”.
وأوضح “ان إعادة فرز المشاريع الملزمة التي يجري تنفيذها من حيث أهميتها وجدواها والأخذ بعين الإعتبار القوة القاهرة التي أدت الى خلل في توازن العقود يساعد على قرارات الفسخ، أو المتابعة مع التعويض، وذلك حسب توفر الأموال وبرمجتها زمنيا”.
وعن خطة النقابة لحل الازمة التي يعاني منها القطاع ومساهمتها في حل الازمة الاقتصادية التي تواجههم، قال الحلو: “نعمل في النقابة على تطبيق ما يسمى بـ “الإنكفاء الإستراتيجي” مع “خطة صمود” في انتظار تحسن الظروف وتطورها نحو الأفضل… وذلك بالتوازي مع معالجة الملفات العالقة منذ زمن مع الإدارات المعنية، وقد حققنا خطوات متقدمة في طريق الحل عبر علاقات واتصالات ثنائية مع المعنيين، ونجحنا في التوصل إلى نسب مقبولة من الحلول، ولو لم نحصل على كامل مطالبنا، إنما فتحنا أمامنا دربا تمكننا من خرق الجمود القائم. مع العلم أن النقابة لا تزال منكبة على تنفيذ خطة الصمود التي رسمتها لقطاع المقاولات من أجل إبقائه على قيد الحياة، بما فيها معالجة مشاكل الشركات الكبرى لمساعدتها على تصغير حجمها كي تؤمن استمراريتها لفترة أطول إلى حين إستعادة البلد لعافيته والنهوض من جديد”.
أما عن صغار المتعهدين، فكشف عن إشراكهم في عمليات الترميم للمناطق المتضررة من انفجار 4 آب، “إذ عمدت نقابة المقاولين إلى توزيعهم، كل بحسب خبرته، على الأشغال المطلوبة لإتمام مهام الترميم على الصعد كافة، خصوصا عندما أطلقت الأونيسكو مشاريع تدعيم الأبنية المتضررة، إلى جانب تحرك بلدية بيروت في هذا الإطار”.
واكد الحلو انه “من المهم اليوم وبسرعة تأليف حكومة جديدة ومنتجة ومتضامنة بين أعضائها، وتضم أشخاصا لديهم الكفاءة والخبرة ونظافة الكف وتكون بعيدة عن النزاعات السياسية التي تعطل فاعليتها، مع العلم أن تشكيل الحكومة يبقى المدخل لأي حل للمشاكل المتعددة الجوانب التي تواجهنا، وتحقيق ذلك ليس عملية سحرية لأنها تحتاج مدة من الزمن، كي يتم التحضير للحلول وتطبيق الإصلاحات المطلوبة من الجهات الدولية”.
***