كورونا وانفجار المرفأ والأسعار الخيالية قضت على مظاهر العيد في مرجعيون

 

تحقيق ألين سمعان

حزين يطل العيد هذه السنة على لبنان في ظل ظروف استثنائية تجمع بين أزمات متتالية أثقلت كاهل اللبنانيين من أزمة مالية واقتصادية ومعيشية صعبة الى أزمات سياسية آخرها عدم تأليف حكومة الى مأساة انفجار مرفأ بيروت وما نتج عنه من جروح غير ملتئمة في قلوب كل اللبنانيين، الى أزمة صحية بتفشي فيروس كورونا المستجد الذي زاد الامور سوءا وغصة وقهرا.

العيد هذه السنة ليس ككل عيد، اذ غابت عنه مظاهر الاحتفالات والزينة في معظم المناطق والشوارع والمدارس والمنازل وحتى في الكنائس، وان وجدت فقد جاءت خجولة. ما من مظاهر توحي بالتحضير لعيد ميلاد يسوع المسيح رغم انه لطالما اعتبره المسيحيون والمسلمون على حد سواء من أجمل أعياد السنة لما يحمل من معاني روحية سامية من محبة وسلام وتسامح وفرح وعطاء، بالاضافة الى الفرح الذي يضفيه تحضيرات العيد المميزة من تزيين شجرة العيد بالكرات الملونة اللامعة والاضواء ومجسمات “بابا نويل” تملأ واجهات المحال في كل مكان وتكتظ الشوارع والاسواق بالمتسوقين.

‎جرت العادة في مثل هذا الوقت من السنةأان تبدأ الأسر قبل ايام بالتحضير لاستقبال المخلص بشراء الالعاب والهدايا والملابس الجديدة للصغار والكبار، وتحضير المأكولات الشهية والحلويات، ولكن هذه الصورة التي عهدها اللبنانيون لم تعد موجودة الا في ذكرياتهم. ‎فالوضع الاقتصادي المتأزم والغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أفرغ جيوبهم وأفرغ بالتالي الاسواق والمحال من زائريها وزبائنها، ومظاهر الفرح باتت اقل بكثير، إما بسبب الحزن على فقدان عزيز بجائحة كورونا او بسبب الانفجار الذي هز وسط العاصمة بيروت في 4 آب المنصرم وتسبب بقتل اكثر من 200 شخص وجرح المئات، وإما بسبب الفقر المدقع الذي أنهك اللبنانيين وانعكس سلبا على نفسيتهم وحياتهم اليومية.

وحال ابناء بلدات قضاء مرجعيون ليس أفضل من ابناء بلدهم، فهذا القضاء الممتد على الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة الذي يضم جميع الطوائف من مسيحيين ومسلميين ودروز والذي هو مثال للعيش المشترك، يعاني الامرين من الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة جوا وبرا ومن ندرة فرص العمل والوضع الاقتصادي المهترىء وانتشار وباء كورونا بين اهله رمى بثقله على نمط الحياة الذي كانوا يعيشونه سابقا. فأجواء الميلاد هذه السنة في قرى وبلدات مرجعيون غابت عنها الزينة الميلادية المعتادة التي كانت تزين شوارعها واحياءها وساحاتها العامة وحتى كنائسها التي ستفرغ جزئيا من المؤمنين منعا للإكتظاظ في الكنائس والمساهمة في نشر الوباء، وستغيب ايضا الريسيتالات وحفلات الاطفال والمعارض والنشاطات الميلادية المختلفة كما وانهم لن يتمكنوا من تبادل المعايدات والزيارات والتهاني في ظل التزام التباعد الاجتماعي.

‎كما يواجه أصحاب المحال على مختلف انواعها صعوبات وتحديات كبيرة للصمود في وجه هذه الازمات من ارتفاع سعر صرف الدولار الى تراجع القدرة الشرائية لدى المستهلك، والاقفال الموقت المتكرر بسبب التعبئة العامة.

نادر

يقول روبير نادر صاحب أحد المجمعات التجارية في جديدة مرجعيون ان “الازمة بدأت منذ عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تبعتها حرب تموز عام 2006 وبدأت الامور تتدهور تدريجا لتصل إلى القعر هذه السنة المشؤومة لما شهدت من مشاكل وازمات متتالية اعدمت القدرة الشرائية للتاجر والمستهلك على السواء. ومع اقتراب الاعياد الناس تشتري الضروري جدا ولم تعد تسأل عن النوعية بقدر سؤالها عن السعر، فالثياب باتت من الكماليات من بعد أن كانت من أولويات السيدة اللبنانية التي لطالما كانت رائدة من رواد الموضة العالمية ومثال الاناقة للسيدة العربية”.

أضاف: “أما بالنسبة إلى الألعاب، فالطلب عليها خجول وتراجعت نسبة المبيعات عن العام الماضي بحدود الـ 40% بينما تراجعت عن الاعوام الماضية بنسبة 70-80%. كيف باستطاعتنا الاستمرار والمستهلك يقبض راتبه على سعر صرف الدولار بـ 1500 ويشتري كل حاجياته بسعر صرف 9 آلاف ليرة، هذا الامر غير منطقي بتاتا”.

التيار

ويقول جان التيار صاحب محل للالبسة النسائية في جديدة مرجعيون أن “الوضع صعب جدا. نحاول الاستمرار بعملنا الذي افتتحناه منذ قرابة الـ 32 عاما وواجهنا ضغوطا كثيرة ولكن هذه السنة كانت الاصعب. تكبدنا هذا الصيف خسائر فادحة ونحن اليوم نحاول جاهدين الصمود في وجه الصعوبات الكثيرة، آملين تبدل الاحوال في السنة المقبلة وايجاد حل يخفف من وطأة الضغوط المالية والحياتية على اللبنانيين”.

ولدى سؤلنا عن سعر زهرة “نجمة الميلاد” في محل لبيع الازهار والشتول في القليعة قالت لنا صاحبة المحل ان سعر هذه الزهرة يتراوح هذا العام بين الـ25,000 والـ30,000 بينما كان سعرها العام الماضي 8000 ل.ل . وهي الاكثر مبيعا في شهر عيد الميلاد المبارك لكونها لا تزهر الا في هذا الشهر ولطالما اعتبرت رمزا للعيد المجيد ‎وهدية مناسبة لكل بيت. لكن الاقبال عليها هذه السنة ضئيل جدا ليس لارتفاع سعرها فحسب بل للحزن المخيم على البلدة جراء فقدان ثلاثة اشخاص من مواطنيها بجائحة كورونا وشاب في انفجار بيروت. أما بالنسبة إلى زينة الميلاد والشجر فلم نشتر أي بضاعة جديدة بل ما زلنا نحاول ان نبيع الموجود بأسعار مقبولة الى حد ما”.

حداد

وعن تأثير الازمة الاقتصادية قالت نبيهة حداد صاحبة محل لللبياضات والالبسة في برج الملوك: “تراجعت نسبة مبيعاتنا 95% مقارنة بالاعوام السابقة، فالضيقة المالية وغلاء الاسعار وفيروس كورونا قضوا على المحال التجاربة، فلا صاحب المحل لديه القدرة على الشراء وتكديس البضائع في محله ولا المستهلك قادر على شراء كل حاجاته”.

أضافت: “اعتدنا شراء الالبسة الولادية وبيعها بكثرة في مثل هذا الشهر من السنة لان فرحة العيد عند الاولاد لا تكتمل الا بشراء الثياب الجديدة، ولكن هذا العام مختلف. فالارتفاع الجنوني في الاسعار منعنا من تجديد بضاعتنا والطلب عليها ضئيل جدا، فمعظم الناس سوف يقضون الاعياد في منازلهم”.

وسط كل هذا، يكبر قهر أهل مرجعيون لعدم قدرتهم على ممارسة تفاصيل العيد البسيطة، كشراء الالعاب والثياب للاولاد والمأكولات والحلويات التي اعتادوا ان تملأ موائدهم ليلة العيد. لا شك ان عيد الميلاد يبقى عيدا روحيا ودينيا، نجدد فيه إيماننا ورجاءنا بالرب يسوع الذي تجسد من أجل فدائنا. وقيم هذا العيد المجيد هي الاهم فما علينا سوى الرجاء في هذه العيد المجيد أن تزول هذه الغمامة السوداء عن سماء لبنان واللبنانيين أجمعين.

***

(*) الوكالة الوطنية للاعلام 

اترك رد