د. جميل الدويهي
إخجلْ قليلاً، واحترمْ مَن ماتوا
فمِن المصائب تعجز الكلماتُ…
شعبٌ يجوعُ إلى الرغيفِ وأنتمُ
تتبجّحون، وتشمخُ الهاماتُ…
أكلوا الترابَ، وأطعموا أطفالهم…
وهم الكبارُ، وأنتمُ النكِراتُ…
يا مستبدّون، اسكتُوا لو مرّةً
من بعدما نزلت بنا الويلاتُ
لبنان ليس مغارةً مفتوحةً
كي تنهبوا ما تحملُ العرباتُ
كي تلبسوا أنتم حريراً ناعماً
والناس في أثوابهم طعَناتُ
كي ترقصوا مثل الدمى… كي تضحكوا
فلكم لكم… تتكدّس الثرواتُ
ولكم بأمر الله شعبٌ صابرٌ
يبكي، ولكنْ ما له أصواتُ
فالناس ينتحرون، لكنْ أنتمُ
لا تشعرون، كانّكم آلاتُ
لم يبق بيتٌ واقفاً في عهدكم
فمن العواصف طارت الشرفاتُ…
من أيّ نوعٍ أنتمُ؟ هل لعنةٌ
حلّت بنا، وتوالت الضرباتُ؟
لا تشبعون كما الجرادُ، فكلّما
طلع الصباحُ، توالدتْ صَفقاتُ
وتدمّرت بيروتُ من إهمالكم،
ودمُ الضحايا عندنا إثباتُ
قتلى وجرحى في الطريق نعدّهم
فمن الجنائز فرّت الساحاتُ
هل تسمعونَ، أم القصور بعيدةٌ؟
هل تستفيقُ ضمائرٌ أموات؟
أم لا يبالي سيّد متعجرفٌ
لو مات من خدّامه عشراتُ؟
بل همّه الكرسيُّ، ليس لغيره
يهتمُّ، مهما اشتدّت الأزماتُ…
فالكهرباء من التراث… وشمعةٌ
تكفي لكي تتنزّلَ الآياتُ
وإذا القُمامة حاصرت أحياءنا
فبفضلها تتزيّنُ الطرقاتُ!
وإذا صرخنا قطّبوا أفواهنا
وإذا كتبنا، اسودّت الصفحاتُ…
عصرٌ عجيبٌ، قاحلٌ عشنا به
وتحكّمت فينا العُزَى واللاتُ
يا أيّها الوطن العظيم، ألا انتفضْ
واكتبْ هنا: قد عاشت الثوراتُ
فمِن القبور يقومُ شعبٌ ماردٌ
وعلى الجروحِ ترفرفُ الراياتُ.
_______
(*) مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني ٤ اب ٢٠٢٠.