تحقيق فاطمه عيسى
عند عبورك آخر القرى التابعة لقضاء بنت جبيل أي بلدة رامية الحدودية، يدفعك فضولك دخولها، فتصل الى قرية بل جنة مجهولة تسمى “الصالحاني”، قرية بعيدة عن المدنية تعبق فيها روائح التاريخ الجميل. هناك تستطيع التظلل بفيء أشجارها المعمرة وتحتمي بعماراتها القديمة التي تحكي قصص الصمود في وجه الغزوات والاحتلال، فترتوي بعذب نهر عسلها، وتخطف المناظر الخضراء أنظارك ويتوقف بك الزمن للحظة وتنسى حياة المدينة المثقلة بالزحمة والضغوط.
الصالحاني قرية صغيرة تابعة لقضاء بنت جبيل، تتميز بموقعها الجغرافي وتراثها الجميل، فبيوتها لا تزال حجرية قديمة، كل شيء فيها أثري، أما أشجارها فمعمرة حرجية كثيفة، كل ذلك يشير الى أنها كانت قرية عامرة مأهولة مفعمة بالحياة. تحتوي على ينابيع مهمة منها نبع العسل وعين التينة والتنور.
تقع بلدة الصالحاني إلى الغرب من بلدة دبل، وإلى الشمال من بلدة رامية، وإلى الشرق من بلدة شيحين وجبل باسيل، ويحدها من الشمال وادي زبقين. وهي تبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة كيلومترا واحدا.
يؤكد المؤرخ محمد بسام أن “الصالحاني قرية أشبه بمزرعة، تعود تسميتها الى رجل مؤمن أطلق عليه اسم محمد الصالحاني، يقطنها المئات وليس اكثر، يعتاشون من الزراعة وتربية المواشي نظرا لكونها تمتلك تربة خصبة حمراء صالحة للزراعة، إلى أن كان الحدث المفصلي والسبب المباشر في هجرة اهل الصالحاني وتفرقهم منها الى اللاعودة، اذ قام البدو والعرب المجاورون لها بغارات واعتداءات بعد مقتل احدهم على احد مفارق الصالحاني، وتهديدهم بقتل أهلها، فما كان منهم الا ان نزحوا منها الى قرى عدة منها رامية الملاصقة لها، وهناك عائلات اليوم تقطن في عدلون”.
أضاف: “بعد ذلك ومع انتداب لبنان من قبل الفرنسيين، قام الجنرال بيتشكوف، المستشار الفرنسي لقضاء الجنوب، بإهداء جزء كبير من أراضي الصالحاني الى احد الرجالات المؤيدة للفرنسيين ويدعى رزق الله نور من عين ابل”.
آخر سكان القرية الجميلة رجل وزوجته من آل الحلس كانا يقطنان وحدهما فيها الى حين الاجتياح الإسرائيلي للبنان ، فاستشهدا بعد أن اتخذ العدو القرية أحد مواقعه العسكرية نظرا لأهميتها الاستراتيجية.
وبحسب مختار بلدة رامية المجاورة محمد عيسى ، “تعود ملكية معظم الأراضي في الصالحاني الى أهالي رامية، الذين يستغلون معظمها في الزراعة. وتسعى بلدية رامية جاهدة للمحافظة على الإرث التاريخي لها، ومحاولة ترميم البيوت الحجرية وجامع البلدة وتعبيد الطريق اليها بالتعاون مع متطوعين وأياد بيضاء، لتصبح القرية مقصدا للسياح من كل لبنان من جهة، ووجهة للسكان المجاورين وبخاصة سكان الساحل لزيارتها والتنزه والتمتع بجمالها من جهة أخرى”.
أضاف: “يعمل سكان بلدة رامية على إعادة إحياء الصالحاني عبر تخطيط بعضهم لمشاريع فردية سياحية كإقامة متنزهات ومطاعم لجعلها منارة الجنوب، وذلك لابراز روعة هذا المكان ودعوة اللبنانيين للتعرف عليه”.
الصالحاني القرية اليتيمة والمجهولة تحتاج اليوم للفتة ونهضة عمرانية، تعيد اليها ما مضى من عزها، باعتبارها معلما سياحيا لا يقل أهمية عن المعالم الأخرى في لبنان، ذات تاريخ حافل، وتراث محفور في ذاكرة وطن.
***
(*) الوكالة الوطنية للإعلام