ثلاثية (الذاكرة.. الألم.. الغفران)..

 

كثيرة هي الاعتبارات التي تساهم في تحديد مسار شروع حياة أي واحد منا، إلا أن وجود أبوين مدركين لمتطلبات الحياة، يحملان قدراً مناسباً من الفهم والخبرة والحرص على مستقبل أبنائهم مع مراعاتهم لخصوصية تطلعاتهم وخصائصهم الفردية، هو الاعتبار الأهم الذي يمكن أن يساهم (بفاعلية) في تحجيم مسارات الشطط ونكسات الطريق، ويمكن أن يتحقق هذا النتاج حتى بوجود احدهما، او احد المقربين تحت اي عنوان يسمح له بممارسة التوجيه، وهذا لا يعني أن وجودهما العلة التامة لضبط المسيرة، وفقدانهما مستوجب حتماً للانحراف، بل هناك أمور أخرى يمكن أن تؤدي بديلاً لهذا الدور مثل الخصائص الفردية والتوفيق الإلهي وأسباب خفية من الصعب تحديد منابعها.

( The last movie star)

آخر نجم سينمائي، يطرح سيرة ذاتية تمثل في صورتها الكلية مثالاً مكرراً لخطيئة الانجرار خلف الشهرة، والزهد بالقضايا الحقيقية، ثم بعد ان تدور عجلة الزمان بعيداً، حيث تتراكم العثرات، ويأخذ استحقاق الزمن مأخذه، تستعيد الذاكرة مرارة الفوت في ظل مقوسة (الألم والمغفرة).

النجم (فيك إدواردز) الذي يصفه البعض بأنه (آخر أسطورة حية)، والذي غير اسمه، وترك مدينته وزوجته وابنته، وذاب في حياة هوليود ومحطاتها، وبعد ان اوصلته دورة الزمان الى مرحلة الافلاس مالياً والعجز صحياً، يتلقى دعوة من مهرجان في مدينة محاذية لديارهم القديمة تحت اسم جائزة انجاز الحياة، حيث تضمن الدعوة اشارة إلى ان هذه الجائزة منحت لبعض المشاهير قبله، وتعدد بعض الاسماء،  وبعد جدل كبير مع احد اصدقائه وتردد، يقرر القبول والسفر إلى هناك، وهو يحمل صورة وردية عن المهرجان وخدماته، تتبدد هذه الصورة من لحظة استقباله في المطار من قبل (ليلي) الشابة اخت منظم المهرجان والمخصصة لمرافقته، فهي مراهقة مجنونة تقريباً بملابس شبه عارية وسيارة قديمة وسلوك جنوني، فهي مجبرة على القيام بهذه المهمة، ومنشغلة بحبيب سافل عالقة معه.

بعد ان تتوالى الصدمات، حيث يظهر ان المهرجان تجمع شبابي متواضع لشباب يحبون الفن ويجمعون من مصروفهم بشكل سنوي لاقامته في نادي بسيط، تتزايد الشجارات من قبل فيك الذي يتحدث بفجاجة ولغة مباشرة مع الجميع.

يقرر فيك تغيير وجهته ويستثمر وجود ليلي الذي يقنعها في ان تأخذه بعيداً إلى مدينته نوكسفيل، وهناك تتغير دراما كل شيء، ففيك يعلن بأنه جاء للوداع الاخير، ولتقديم اعترافه بكل اخطائه ومسيرته، ويتغير مسار علاقته مع ليلي بشكل تام.

يزور ملعب كرة القدم التي كان نجماً فيها، ويتذكر لحظة تسجيله لهدف فوز فريق مدينته على تكساس، حيث تكور عليه الفريق الخصم وكسر ركبته وانهى حياته الرياضية، ثم يشير إلى ان أي نجومية لا تعادل نجومية الكرة، وهكذا يذهب إلى البيت الذي ولد فيه ويسترجع ذكريات والدته، والمعبد الذي عمد فيه، ثم يذهب إلى المكان الذي التقى فيه الزوجة الاولى كلودي، ويصف ضياع خاتمه في النهر ويستبدله بخاتم من حشائش البحر، ويعترف لليلي بانه اغرم آلاف المرات، وتزوج خمسة زيجات، ولكن حبه الحقيقي واحد.

آخر الذكريات كانت في زيارة كلودي المتواجدة في مصحة بعد ان اصابها الزهايمر، وفقدت ذاكرتها تماماً، حيث يعترف امامها بأنه (علق في الخيارات الخاطئة والاشخاص الخطأ والحياة الخاطئة)، ويتحدث عن سببه في انتحار ابنته الوحيدة غريسي وهكذا تطول قائمة الذاكرة.

بعد احداث مفعمة بدراما الحب والمشاعر واستعادة حوادث الزمان، وبين طيات الالم، يعود ليدرك لحظة منحه الجائزة، ويخبرهم بمشاعر فياضة شكره لهم واعتذاره عن ازدرائه لمهرجانهم الجميل، ويفصح عن ان هذا المهرجان ساعده في طرح السؤال الذي لطالما هرب من اجابته، وهو (ما الذي انجزته في حياتي؟).

تمثل هذه الدراما الممزوجة بالاثارة والاحساس المرهف والحكمة التي تظهر في الكثير من الحوارات، صورة لمرثية حيرة الذاكرة بين الالم والغفران، وكثيراً ما يتغلب الالم ليستفرد بالذات، حيث يبقى سمة النهايات التي تأتي بعد العديد من الخيارات الخاطئة.

ان صوتاً تقرره هذه الحكاية بامتياز يتلخص في : (لنتذكر ولنتألم ولنتعلم ولنحاول أن نتلمس الصفح والغفران بقدر استعدادنا لتقديمه تجاه الآخرين، ولندرك ان الزهد بالقضايا الحقيقية مهما كانت صغيرة سيعقب ندماً عظيماً، فلا شيء مهما كانت ألوانه براقة وزاهية ومناغمة لرغباتنا يستحق ان نفوت فرصة الوجود حيث الحقائق الحقة والخيارات التي التي تطلبنا بدون رتوش واضافات بل لمجرد اننا نحن..).

اترك رد