“الميغزيت”(Megxit) هو آخر المصطلحات التي تطل على العالم من الجزر البريطانية، من ابتكار الإنكليز مطلع كانون الثاني/يناير 2020. المصطلح مركب من كلمة “ميغ” نسبة إلى دوقة ساسكس “ميغان” وكلمة “أكزيت” exit التي تعني في اللغة الإنكليزية “خروج”. وتم ابتكار هذا التركيب على منوال مصطلح “البريكست” الذي يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويشير “الميغزيت” إلى قرار دوق ودوقة ساسكس، الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل، التخلي عن مهامهما الملكية والاستغناء عن الدعم المالي البريطاني ومغادرة المملكة المتحدة.
كان ذلك في يوم الأربعاء 8 كانون الثاني/يناير الجاري عندما أعلنا في تصريح مشترك عبر حسابهما في الانستغرام، تناقلته وسائل الإعلام البريطانية والعالمية، قرارهما الانسحاب من العائلة الملكية والسعي لتحقيق الاستقلال المالي وإطلاق جمعية خيرية جديدة. قالا: “نعتزم التنازل عن مهامنا كعضوين بارزين في العائلة الملكية، والعمل على تحقيق الاستقلال الذاتي، مع الاستمرار في دعم صاحبة الجلالة الملكة دعما كاملا.”
القرار المباغت أرسل موجات صدمة في كامل أنحاء بريطانيا والعالم، وما فتئ إلى يومنا هذا يتصدر واجهات الصحف البريطانية والعالمية وأبرز عناوين قنوات الأخبار التلفزيونية والمحطات الإذاعية، فضلا عن الشارع البريطاني وسوشيال ميديا حيث لقي المنشور ما يقارب مليوني إعجاب في الانستغرام فقط.
الحرب الأهلية
ميغان وهاري لم يستشيرا أحدا في العائلة الملكية البريطانية قبل إصدار التصريح. فكان لهذا القرار المفاجئ تأثير عميق في العائلة الملكية التي غمرها الاستياء والحزن وخيّمت في كنفها أجواء متوترة شبيهة ببوادر الحرب الأهلية. فقد تلقى والد هاري الأمير شارل وشقيقه ويليام الخبر بغيظ، في حين لم تخفِ جدته الملكة شعورها بالحزن لهذا القرار الصادم. وها هي الملكة لأول مرة تدعو إلى إجراء محادثات استثنائية لحل الأزمة. إنها الأزمة المعقدة التي تتطلب لقاءات ومشاورات بحثا عن تسوية ترضي الطرفين. فلم يخطئ البريطانيون عندما شبهوا الأزمة ب “البريكست”. فمثلما فرّق البريكست شمل البريطانيين، ها هو الميغزيت يقسم البريطانيين أيضا بين مؤيد ومعارض لهذا القرار. وجُهاتُ نظر البريطانيين ومواقفهم اختلفت أيضا في تحديد الجهة المسؤولة عن هذا القرار والدوافع المؤيدة إليه. إنها الأزمة الجديدة المعقدة التي صرفت الملكة إليزابيث الثانية عن صمتها وحملتها على استدعاء كبار أفراد العائلة المالكة لحضور اجتماع أزمة يوم 13 كانون الثاني/يناير الجاري للنظر في مستقبل هاري وميغان. ويغيب عن هذا الاجتماع أحد الأطراف المؤثرة، ميغان ماركل الموجودة في كندا حيث تكتفي بالمشاركة فيه عن طريق الهاتف. ورغم الإعلان عن التوصل إلى حل مبدئي والتعبير عن التفاؤل بإمكانية التوصل إلى حلول ترضي الطرفين، فإنّ المسألة لا تبدو بهذه السهولة، ولن يكون هذا الاجتماع سوى نقطة الانطلاق لمحادثات طويلة.
ميغان تقسّم العائلة الملكية
وسط هذه الفوضى، تتعالى أصوات في بريطانيا وفي الضفة المقابلة للمحيط الأطلسي موجهة أصابع الاتهام إلى ميغان، محملة إياها مسؤولية نشر الانقسام في الأسرة الملكية. ميغان بذلك لا تختلف كثيرا عن يوكو أونو، الزوجة الثانية للنجم الفقيد جون لينون. فمثلما اعتقد كثيرون أنّ أونو هي المسؤولة عن تفكيك فرقة البيتلز ورحيل جون لينون عن بريطانيا واستقراره في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت له نهاية درامية، يعتقد كثيرون اليوم أنّ ميغان تقوم اليوم بتفكيك العائلة الملكية ودفع أحد أبنائها إلى التخلي عن مهامه الرسمية، والتخلي عن عائلته، والرحيل معها إلى أمريكا. فلا عجب إن كان المصطلح الجديد المتعلق بقرار خروج دوق ودوقة ساسكس من بريطانيا “ميغزيت” مشتقا من اسم ميغان وليس من اسم زوجها هاري!
بيرس مورغان، مقدم برنامج (هذا الصباح) لقناة (آي تي في)، المعروف بجرأته قال في تغريد: “يقول الناس إنني أنتقد بشدة ميغان ماركل – لكنها تخلت عن أسرتها، وتخلت عن والدها، وتخلت عن معظم أصدقائها القدامى، وفصلت هاري عن ويليام، والآن تفصله عن العائلة الملكية!”
العنصرية
لكنّ ثمة من يخالف هذا الرأي في المجتمع البريطاني. على رأس هؤلاء شخصيات سوداء بارزة في المجتمع، أمثال كلايف لويس، المتنافس على كرسي زعامة حزب العمال. يرى هؤلاء أنّ دوقة ساسكس ليست مذنبة وإنما ضحية عنصرية. والمعاملة العنصرية هي التي حملت ميغان على اتخاذ قرار المغادرة، وهو ما أكدته صحيفة (نيويورك تايمز) في مقال بعنوان: “البريطانيون السود يعرفون سبب رغبة ميغان ماركل الانسحاب: إنه العنصرية”. بعض أشكال العنصرية التي يشير إليها هؤلاء كان منبر تويتر مسرحا لها على منوال التغريد: “تحاول القبيلة بالفعل استخدام ارتباط الأمير هاري لمحو الهوية البريطانية.” الاعتداءات العنصرية اللفظية تعود إلى 2016، وهي السنة التي تعرف فيها الأمير على ميغان حيث ترددت ألفاظ عنصرية جارحة مثل “الفتاة السوداء الأكثر بياضا”، و”منقبة الذهب”، وزوجة “غير ملائمة”
التخوف على ميغان
ولعل التخوف على حياة ميغان أحد أهم أسباب هذا القرار. فهاري الذي فقد أمه الأميرة ديانا نتيجة مضايقة الإعلام لها، يخشى أن تلقى زوجته مصيرا مماثلا في هذا البلد. فهاري اليوم يتابع هذه “الحملة الشرسة” في حق زوجته، قائلا: “فقدت أمي والآن أشاهد زوجتي تقع ضحية القوى ذاتها. والتاريخ يكرر نفسه”. التدخل في الحياة الشخصية لميغان ماركل دفع هذه الأخيرة إلى رفع دعوى قضائية على صحيفة “ميل أون صنداي” البريطانية تتهمها بنشر خطاب خاص مكتوب بخط يدها أرسلته إلى والدها بعد فترة وجيزة من زواجها عام 2018. فحتى إذا لم تعان ميغان مقدار ما عانته ديانا، فإنّ ذكريات الماضي المرعب تحمل هاري على الحيطة والحذر، فقد صدق المثل القائل: “من قرصته الحية، خافَ من الحبل.”
شقاق مع الأمير ويليام
توترت العلاقات بين الأمير هاري والأمير ويليام عندما دعاه شقيقه الأكبر إلى الإصغاء إلى نصيحة والدتهما الأميرة ديانا بعدم “التسرع في الزواج”. الأمير ويليام نصح شقيقه غير مرة. نصحه في البداية بالتمهل في علاقته بها. وبعد الخطوبة، نصحه مجددا محاولا إقناعه هذه المرة بتذكيره بما قالته الفقيدة ديانا بألا يتسرع في أمر الزواج. هذا الإلحاح أزعج هاري الذي اتهم شقيقه بمحاولة “تدمير علاقته” بميغان ماركل.
وقد حمل الخلاف دوق ودوقة ساسكس على اتخاذ قرار الرحيل عن كينسينغتون حتى لا يكونا بالقرب من ويليام وكيت، حيث اختارا أن يقيما في وندسور! الشقاق حقيقة لا يمكن إنكارها حتى إذا تظاهر الأميران بغير ذلك أمام وسائل الإعلام تحت ضغط الأسرة الملكية والمقربين لوضع حد لما يردده الإعلام بشأنهما.
ميغان المتحررة
ميغان معروفة بقوة شخصيتها وسعة نفوذها وهي من كانت لسنوات طويلة ناشطة نسائية جريئة. وكانت أيضا ممثلة معروفة في عالم السينما لها معجبين وعشاق في كامل أنحاء الدنيا. فهي بكل تأكيد لم تخلق لكي تصرف بقية عمرها بين جدران قصر، منصاعة لما تفرضه عليها الحياة الملكية من أدوار وشروط وقيود. ميغان، بشخصيتها المتحررة والقوية، لا تستطيع التضحية بنشاطاتها وحريتها ومحبيها لأجل لعب دور في العائلة الملكية، وهذا في تقديري من أهم أسباب قرار “الفرار” من بريطانيا.
القصر يعني الوحدة
قال هاري في تصريح أدلى به عند زيارته إلى جنوب أفريقيا: “في كل مرة آتي فيها إلى هنا أعلم أنني لست وحدي. أشعر دائما أينما كنت في هذه القارة بأن المجتمع المحيط بي يوفر حياة غنية بأبسط الأشياء، الاتصال والتواصل مع الآخرين والبيئة الطبيعية”. فالأسفار خارج بريطانيا هي رحلات خارج أنفاق الوحدة حيث يشعر هاري وميغان بأنهما محاطين ببشر من كامل أنحاء الدنيا، ويشعران بالراحة والسعادة. ويبدو أيضا أن ميغان وهاري حارصين على أن يتلقى ابنهما تربية مختلفة ذات طابع عالمي. فقد أوضح هاري أنه يريد أن يعلم ابنه الدروس التي تعلمها من أفريقيا بشأن قيمة العالم الطبيعي والمجتمع والصداقة.
وضع حد لقصص الإنفاق
يضاف إلى ما سبق ذكره القصص السلبية الكثيرة التي أثيرت في موضوع الإنفاق. ومن جملة ذلك تكاليف أعمال صيانة وترميم منزلهما بأموال دافعي الضرائب، وتكاليف أزياء دوقة ساسكس المقدرة بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية. ميغان تكون أيضا قد أنفقت أكثر من مليون جنيه إسترليني على الملابس وحدها في أقل من عام واحد، وهو ما أثار استياء كثير من البريطانيين في وقت تعيش فيه بريطانيا ظروف اقتصادية سيئة يميزها نقص التمويل في قطاع الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والخدمات والتقشف لا سيما بسبب أزمة البريكست.
لقد فاجأ هاري وميغان العائلة الملكية وبريطانيا وكل العالم بقرارهما التخلي عن مهامهما الملكية ومغادرة بريطانيا، وهو قرار اتخذ بعد دراسة طويلة، لا رجعة فيه. وما في وسع الأسرة الملكية اليوم إلاَّ تقبل القرار والأمر الواقع. فها هي ميغان القادمة من أمريكا ترحل بالأمير البريطاني سريعا إلى أمريكا لأجل حياة جديدة حرة بعيدا عن الحياة الروتينية والواجبات الرسمية والبروتوكولات. ويبقى التساؤل اليوم عما سيكون رد فعل العائلة الملكية وبريطانيا على مثل هذا القرار الجريء الذي من شأنه أن يؤثر في توازن العائلة الملكية واستقرارها؟ وهل ستتخذ إجراءات لمنع تكرار مثل هذه القرارات وحماية الأسرة الملكية من التفكك والانهيار؟ وما تأثير هذا القرار في علاقات أفراد العائلة الملكية ومستقبلها؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
***
(*) رأي اليوم.