“الواعظ” للروائية اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المُّل : شغَفُ القراءة

حسام محيي الدين  

 

قد تخدعنا القراءة حين تختلط عين الناقد بعين القارىء في تصفُّحنا لإنتاج أدبيٍ جديد فنحتارُ في تقويمه موضوعياً لا ذاتياً وهو ما وقعتُ فيه إلى حدّ ما مع رواية ” الواعظ ” الصادرة حديثاً هذا العام ٢٠٢٠ عن دار الفارابي في بيروت بطبعتها الأولى . ولكنّنا نستطيع الاستثمار والإحاطة بشكلٍ أوليّ ببعض جماليات هذه الرواية وفنياتها المتعددة .

يُسجّل للكاتبة عدم استغلال التقنيات التقليدية في الرواية كاستحضار القضاء والقدر من أجل تعديل ما في مجرى الاحداث أو  من اجل فكرة جديدة  تنتقل من واقع الى آخر بسرعة ، بل استبعاد هذه الوسيلة والمثابرة على ترك تلك الاحداث انسيابية او تسلسلية بالفطرة .

تنعكس تفاصيل هذه الرواية شكلاً وجدانياً متكتل المشاعر في صدر الكاتبة ، حيث تقوم الأخيرة بإعادة بث تلك التفاصيل كانعكاسٍ حميمي لعلاقة شغف متبادل مع الابطال من جهة والقارىء من الجهة المقابلة.

آليات السرد مكتملة ولا غبار عليها:

أولها العنوان الذي يعتبره نُقّاد الرواية آلية مهمّة بحد ذاتها . العنوان هنا ، الواعظ ، واجهة مُلفِتة تتعالق مع تجربة بطلها ” عبدو ” في الرواية من جهة ومع المَعيش اليومي الذي جاء من رحِمِه من جهة ثانية اي ان العنوان هو ألف ياء رحلة الشخصيات الوجيز والذي انطلقَ بعدَ ذلك في نصّ سرديّ متماسك في الشكل والوظيفة كآلية سردية ثانية لا تعويل فيها  على بُعْد وجداني ما بعينه خاضع للتقاليد أو العادات السائدة إنما تَرْك الاحداث تتتالى بعفوية لتنجح فنياً في تفسير إصرار ضحى على استكمال مسيرة الوفاء لابطالها كما هم في الواقع والتي بدأتها من السطر الاول للرواية مع ادخال عامل التخييل ولو الى حد ما ضروري بالطبع لخدمة الفنيّات في الرواية .

إلى آلية ثالثة في المشهد الروائي شددت فيها الكاتبة المميّزة على التفاصيل الدقيقة الوصفية للحياة اليومية للشخصيات   : إعداد القهوة : ساخنة .. رائحتها !! …وضع اللوز المُشترى في كيس ورقي !!! الخ…

هذه التفاصيل قد لا تؤثر في مجريات الاحداث ! إلا أنّ لغتها تعبيرية ممتعة وحوارياتها سهلة وتنسابُ هوناً في وجداننا .

وإلى ذلك فالرواية متماسكة بفضل قدرة الكاتبة على القبض على خيوط الافكار المسترسلة في كافة الاتجاهات ، مع تعميق او فلنقل صَقْل الرؤية المركزية او المفصلية لطبيعة دور هذا البطل أو ذاك  وابراز الحَبْكة المثالية التي تقبض على القارىء نصّاً وروحاً  وتأسره في حيثياتها وتفاصيلها بأدوات فنية أبرزها التوصيف الدقيق للحالة النفسية التي يمر بها الأبطال في اكثر من محطة :  فالعرض النفسي كان موفقاً جدا في مجمل الحوارات الخارجية اي المتبادلة بين الشخصيات او الداخلية اي بين الانا والذات .

وطبعاً لم تستطع ضحى المُّل إخفاء آرائها او شخصيتها خلف الراوي العليم الذي هو عبدو ، بل تعلقت بكل تصرفاته وافكاره  تقريبا ودافعت عنها !

كما يُسجّل للكاتبة انها اعتمدت بعض تقنيات السرد الحديث : تقديم الشخصيات للقارىء على مستوى واحد مهما كان دورها هامشياً

مع تحقيق التناص في مواضع كثيرة : التناص مع تقاليد الواقع والدين وحتى كلمات الحوار العامية ، إلى تماهي الازمنة والتنقل بينها رغم وحدة المكان .

في كل حال فإنّ اضاءة وجيزة لا تكفي لاعطاء رواية ” الواعظ ” ما تستأهلُ من دراسة نقدية وأكاديمية تقتضي اقتناء هذا العمل الروائي المُستحَقّ لإيفائه حقّه من مقاربات البَحْث الفكري  المُتكامل .

اترك رد

%d