“مسيو داك”.. رواية عن حمّانا وكرزها

بالتزامن مع الحراك العاصف في لبنان صدر للروائي العراقي نزار عبد الستار عن دار هاشيت أنطوان رواية جديدة بعنوان “مسيو داك” تدور احداثها في بلدة حمانا بقضاء بعبدا في محافظة جبل لبنان.

الرواية جاءت مغايرة عن توجهات الرواية العربية المتمسكة بالازمات والتشاحن الفوضوي جراء انكسارات الانسان الشرقي، فهي تسلط الضوء على الجانب الهاديء من لبنان وثراء هذا البلد الطبيعي والحضاري من خلال موقف تضطر فيه عالمة نباتات تدعى ربى ومعها شريكها العاطفي زياد للتصدي لحشرة فتاكة تستهدف اشجار الكرز في جنينة توفيق الكائنة في بلدة حمانا. ربى وزياد يواجهان الحشرة “MEVIA” بطاقة الحب والارض والاسطورة والتاريخ، فلبنان هو وطن أدونيس وعشتروت وهو أرض الارجوان. بهذه الطاقة الروحية تعمل الرواية على المزج بين العلم والروح بتحد يمتحن قوة الحب في مواجهة جبروت الطبيعة.

“مسيو داك” تأتي لتواجهنا بحقيقة التشكيل الرائع الذي يكون لبنان والعمق المترابط بين جمال الطبيعة وقدرة الانسان على مصارعة اقداره وتقرير مصيره. هذا التواشج الوجودي يقودنا حتما للتفكير في الطاقة الخلاقة التي لابد لها من أن تدل علينا إذا ما جاءت في صياغة وطن مثل لبنان.

الروائي العراقي نزار عبد الستار قدم في رواية “مسيو داك” صورة عن الطبيعة بصفتها هوية ثقافية مستمدة من الباطن، وهو يقول عن روايته” لا يمكن لي إلا أن أرى الجبل اللبناني ومعه بيروت في إطار حضاري فالانسان وسط هذه الطبيعة الجبارة لابد ان يخلق اسطورته ومساره ومسيو داك هي بمثابة استعادة للروح الفينيقية والقدرة على التطويع”.

تشترك عدة خيوط في نسج الرواية فربى وزياد يذهبان إلى بلدة حمانا لمواجهة “MEVIA” والدفاع عن اشجار الكرز وسط شكوك من ظهور الحشرة في مزارع الكرز في أوروبا إلا ان ربى وزياد يختاران حمانا ويهربان من شبكة دولية تحاول التأثير على قرارهما في اختيار لبنان. اشخاص كثيرون يدعمون هذه المغامرة منهم من في السلك الأمني اللبناني ومنهم عوائل لبنانية مهمة في منطقة الجبل.

يقول الروائي نزار عبد الستار في تفسير الكتابة عن بلدة حمانا” أسرني الجو في حمانا وهذا الترابط العميق بين الانسان والأرض وكان هذا هو دافعي للكتابة فلبنان له اوجه عدة وهذا العمق هو وسيلتي الفنية في اظهار القدرة على التغيير لمصلحة الانسان الذي يتطلع لحياة جديدة”.

ويتابع ” كنت واعيا لقلب الصورة السياحية وأدركت مبكرا أن الحديث عن الحياة في بيروت لن يقدم شيئا جديدا فكثير من الروائيين العرب كتبوا عن هذا ووقعوا في سحر بيروت وأنا احدهم وقد اعلنت هذا مرارا على وسائل الأعلام اللبناني لكنني وجدت ضرورة للتركيز على الطبيعة القاهرة لجبل لبنان والسحر الكامن فيه وهذا لم يكن بمعزل عن معرفتي وتقديري للحضارة الفينيقة والتكوين العظيم للطبيعة فشجرة الأرز وحدها هي أعجوبة وقد أردت خوض تجربة كتابية جديدة ليست فقط على مستوى المكان والزمان والشخوص وإنما على مستوى التكنيك الكتابي فهذه الرواية هي مغامرة كبرى خاصة وان ذائقة المتلقي اللبناني هي الفيصل في النهاية”.

عالمة النباتات ربى تتخلى عن وسائلها العلمية في مكافحة”MEVIA” وتترك لزياد اختلاق مايمكن له أن ينقذ اشجار الكرز من الموت. هذه الثيمة هي جوهر الرواية فزياد يتبع الهامه وطاقة حبه من أجل فهم الارض والروح الكامنة فيها وفي النهاية يتوصل إلى الدمج بين طاقة الحب والاسطورة المتمثلة بأدونيس وعشتروت.

يقول نزار عبد الستار” استثمرت الواقع والزمن الحديث لربطه بالماضي، فالرواية تتحدث عن ربيع عام 2019 وموسم الكرز الأخير وعن مهرجان الكرز في حمانا وهذا التقارب الزمني له فاعليته كما أنني آثرت الكتابة عن مكان أحببته بعمق.

اترك رد