بقلم: المونسينيور كميل مبارك
اختير قداسة الحبر الأَعظم البابا فرنسيس رجل العام 2013، وإن كنت لا أَعلم ما هي المقاييس المعتمدة لمثل هذا الخيار، فجهلي لا يعفيني من التَّأَمُّل بمسيرة حياة هذا الرجل العظيم وبالأَعمال التي قام بها وبالمقاصد التي عزم على الوصول إليها.
وإنِّي إذ أَقف أَمام كلِّ هذه المفاصل أَجد أَمام عيني وفي قرارة قلبي وفي حنايا عقلي ما يجعلني أَعجب من تأخُّر الذين اختاروه في إعلان اختيارهم له. وهو الأَصلح ليكون رجل العام لأَعوام عديدة. ولهذا رأَيت أَنْ أُبرِّر كلامي الذي لا يحتاج إلى تبرير أَكثر من ذكر اسم هذا البابا الذي أَتت به العناية الإلهيَّة ليكون رأْس الكنيسة المنظورة في هذا الزَّمن بالتَّحديد. غير أَنَّ اسمه يدفعني إلى ذكر ما أَرغب في ذكره وأَقول:
– رجل التواضع بامتياز وهو في المقام الأَرفع على هذه الأَرض بهذا التواضع يقتفي أَثر مُعلِّمه وربِّه قَوْلًا وفعلًا وهو الذي قال: ” كبيركم فليكن لكم خادمًا”.
– رجل المحبَّة يُظهرها في ابتسامة لا تُفارق وجهه وبقبلة يطبعها على جباه الأَطفال من كلِّ لَوْن وعرق ودين، أَبًا عطوفًا وقلبًا يرى في أَعين هؤُلاء اشتياقًا لضمَّةٍ مليئَةٍ بالدِّفْءِ والحنان في زمنٍ بات الإحساس المنتقل من قلب إلى قلب غريبًا عن مشاعر الكثيرين.
– رجل العطاء يقوم به سرًّا وجهرًا وكأَنَّ العطاءَ من طبعه لا تكلُّف فيه ولا كلفة، شاعرًا بخفقان كلمات السيِّد تقول: “كنتُ جائِعًا فأَطعمتموني وعريانًا فكسوتموني”… هاجسُه الأَساس رفع الظلم عن المقهورين ونشر الأُخوَّة بالتضامن مع كلِّ من يمدُّ يدَه سائِلا الرِّفق والرِّفقة.
– رجل الاصلاح يعمل جادًّا كي يزول الفساد والتحجُّر، ويأْتي الخير العام ليكون مقدِّمة صالحة لكلِّ الخَيْرات الأُخرى التي تساهم في حسن مسارها إدارة سليمة وتنظيم علمي. وقبل هذه وذاك يأْتي الشخص البشريُّ الذي يرعى حرمة القِيَم ويسير مزوَّدًا بالفضائل، متحلِّيًّا بالعلم والخبرة والأَخلاق، إذ من دون هذا العنصر البشريِّ الصَّالح، تفشل أَفضل المناهج في الإدارة والتنطيم.
– رجل المساءَلة والمحاسبة ابتداءً بمحاسبة النَّفس ومنها ينطلق لمساءَلة الآخرين الذين يشوِّهون صورة الكنيسة بما يرتكبونه من أَخطاءَ في الإدارة ومفاسد في الأَخلاق وانحرافٍ في السلوكيَّات. وهذا الأُسلوب في المساءَلة والمحاسبة، يكفي أَنْ يأْتي ممَّن سبقه صيته في التعفُّفِ، حتَّى يكون فعَّالا بأَقلِّ جهد وأَكثر إنتاجيَّة.
– رجل السَّلام يُنادي به ليسمع دُعاة الموت والقتال وليعمل على تحقيقه أَهل الرَّأْي والقرار، علَّ الضَّمير العالميّ يستجيب لنداءَاته، ويستفيق عقلاءُ الأَرض وأَعْيُن دورهم الذي غلبت عليه زفرات الكفر بالله وبعباده، وطغت عليه نزعات الرَّفض واحتكار الحقيقة وإنْ مشوَّهة، وبهذه الدَّعوة يعود بنا قداسته إلى رسالة سَلَفِه الطوباوي يوحنا الثالث والعشرين المعَنْوَنة “السلام في الأَرض”، ومنها إلى بشارة الإنجيل في نشيد الملائِكة: “المجد لله في العلى وعلى الأَرض السَّلام”…
لأَجل هذه وسواها ممَّا ضاق المجال لذكره، رأَيْنا في قداسته رجل العام قبل الإعلان، وتبارك مختاروه على خيارهم هذا.