مؤتمر نظمه كرسي جبران
في جامعة ميريلاند الأميركية
نهاد الحايك
لمؤتمر “استراتيجيات ابتكارية لتمكين المرأة” الذي عُقد في الأردن من 25 إلى 28 آب/أغسطس 2019، قصة بدأت منذ أكثر من سنتين، عندما بدأ تنفيذ برنامج “النساء كشريكات في التطوير والتقدم” (Women as Partners in Progress-WPP) في ثلاثة بلدان عربية هي الأردن والمغرب والكويت. نفَّذ هذا البرنامج كرسي جبران للقيم والسلام في جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة الذي تديره السيدة مي الريحاني، وموَّلته “مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط” (Middle East Partnership Initiative-MEPI) التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية. وقد سعى هذا البرنامج من خلال المشاريع المختلفة التي نفذها في تلك البلدان إلى زيادة معرفة النساء، اللواتي يضطلعن بأدوار قيادية في مجتمعاتهن، بحقوق المرأة وبأدوار المرأة والرجل، وإلى تحديد القضايا الأساسية التي تؤثر في حياة المرأة، من أجل تركيز النقاش على سبل التصدي لهذه القضايا.
السيدة مي الريحاني، مديرة كرسي جبران للقيم والسلام في جامعة ميريلاند، هي التي قادت تنفيذ برنامج WPP في البلدان المذكورة، وهي التي نظمت مؤتمر الاستراتيجيات الابتكارية لتمكين المرأة بهدف عرض تجارب تلك البلدان وخلاصات الاستفادة من برنامج WPP، وتبادل الخبرات بين البلدان الثلاثة ومع المدعوين والمدعوات من البلدان العربية الأخرى. مي الريحاني كرست حياتها للعمل الإنمائي وخصوصاً تحسين ظروف وقدرات النساء والفتيات في البلدان العربية والأفريقية من خلال عملها مع مؤسسات إنمائية أميركية ودولية.
ركزت الريحاني على الجوانب القانونية والسياسية والاقتصادية لتمكين المرأة، لأن ما تحتاج إليه المجتمعات العربية هو إزالة التمييز ضد المرأة في هذه المجالات، عبر تعديل التشريعات التي تنص على تمييز ضدها حتى الوصول إلى منظومة قانونية تخدم جميع المواطنين، نساءً ورجالاً، وتصون حقوقهن وحقوقهم؛ وعبر تيسير إشراك النساء في العمليات السياسية وصناعة القرارات على جميع المستويات الحكومية المحلية والوطنية والإقليمية؛ وعبر إزالة الحواجز أمام تمكين المرأة اقتصادياً.
أكدت الريحاني أن”تحقيق العدالة الاجتماعية هو هدف مثالي وبراغماتي في آن، وأن السؤال لم يعد: هل بالإمكان تحقيق المساواة في الحقوق، بل متى سنحقق المساواة في الحقوق”. تصريح يدعو إلى التفاؤل رغم الواقع المؤسف لأحوال النساء الذي لا يزال قائماً في الدول العربية.
جمانة غنيمات وزيرة الإعلام وممثلة رئيس مجلس الوزراء الأردني في المؤتمر (الذي عقد برعايته) أكدت أن التحدي الأكبر الذي يعيق تقدم المرأة هو العنف الاقتصادي الذي يعد شكلاً رئيسياً من أشكال التمييز ضدها، ولإزالة هذا التمييز لا بد من تطوير القوانين والتشريعات المتعلقة بعمل المرأة وتحسين البيئة الخاصة بالعمل إضافة إلى تفعيل دور الإعلام في تغيير الصورة النمطية لأدوار المرأة والرجل.
خمسون في المائة من سكان هذا الكوكب أصحاب المواهب والقدرات والطاقات الابتكارية هم من النساء، فلماذا لم تشكل النساء بعد خمسين في المائة من أساتذة وعمداء ورؤساء الجامعات على مستوى العالم؟ سؤال وجيه طرحه البروفسور Gregory Ball، ويتصل بصلب موقعه وعمله كعميد كلية العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة (التي يتولى كرسي جبران فيها تنفيذ برنامج WPP).
وأضاء Ball على واقع حضور الطالبات في الجامعات الأميركية. المرأة تشكل 50% في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانيات، ولكن الوضع يختلف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ففي كلية العلوم الفيزيائية بجامعة ميريلاند لم تتخط نسبة النساء 14%.
{إذاً، لسنا كعرب وحدنا في المصيبة!! ولكن فلنمنع ذلك عن إصابتنا بِداء الاكتفاء والرضا بالواقع بحجة أن البلدان المتقدمة ذاتها لا تزال غير قادرة على التغيير}.
وأوضح البروفسور Gregory Ball أن برنامج WPP الذي ينفذه كرسي جبران للقيم والسلام في الجامعة يهدف إلى إحداث الفرق في المجالات الإنسانية التي شغلت جبران ويصب في مساعي نشر رسالة وهدف جبران الذي رغب في مد الجسور بين ثقافتي الشرق والغرب.
في البلدان العربية منظمات نسائية ناشطة جداً، وهي مستعدة لاستقاء الخبرة والمعرفة والعون من الجهات الدولية القادرة على المساعدة. ولكن أحياناً تطرح التساؤلات عن أهداف الجهات المانحة وأجندتها؟
السيدة ريتا ستيفان مديرة مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط (MEPI) التي أطلقتها وزارة الخارجية الأميركية وتوفر التمويل لمشروعWPP قالت إنMEPI ، بصفتها جهة مانحة، قامت بتحسين منهجيتها للوصول إلى النتيجة التالية: إذا اعترف المانحون بمساعي النساء المحليات كصانعات تغيير وإذا شمل هذا النهج مشاركة الرجال كحلفاء، فإن برامج التمكين ستعزز المبادرات المحلية الهادفة إلى إجراءإصلاحات قانونية وسياسية تؤدي إلى تغيير في المعايير الاجتماعية، وتحسين وضع المرأة بشكل عام. وأكدت ستيفان أن صنع التغيير يحتاج إلى المعرفة والموارد. وبرنامج WPPهو دليل على قدرات المرأة التي لا حدود لها عندما تتواجد الفرص والموارد.
هكذا، توفرت الفرص والموارد لمجموعات فاعلة من النساء والرجال في الأردن من خلال جمعية “عالم الحروف، والمغرب من خلال جمعية “جسور”، والكويت من خلال جمعية “إلغاء المادة 153”.
وقبل أن أعرض الجهود التي تقوم بها هذه الجمعيات التي شاركت في البرنامج والنتائج التي تفخر بتحقيقها، أتوقف عند واقع نظرة الشارع العربي أو الرأي العام إلى المرأة ودورها.
هل العرب، ولا سيما النساء، مقتنعون بالمساواة؟
في استقصاء أجرته مؤسسة الباروميتر العربي[1] عن رأي العرب في وضع المرأة (طرحته في 12 دولة عربية)، تبيَّن أن الأغلبية لا توافق على ضرورة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المجالات كافة، ولا على اضطلاع المرأة بدور في الحياة العامة، وترى هذه الأغلبية (ومنها نسبة كبيرة من النساء!) أن المرأة أقل قدرة من الرجل على الاضطلاع بدور القيادة أو صنع القرار أو النجاح في موقع سياسي. فقد بيَّنت نتيجة الاستقصاء أن نسباً عالية من الرجال والنساء يرون أن الرجل أقدر من المرأة في المراكز السياسية: أعلى نسبة سجلتها النساء في السودان (75 في المائة)، وأدنى نسبة سجلت في المغرب (25 في المائة)، أما في لبنان فأيدت 44 في المائة من النساء فكرة أن الرجل أقدر من المرأة في المراكز السياسية.ولاحظ تقرير الباروميتر العربي أن النساء (حتى المدافِعات عن حقوق المرأة) لسن إجمالاً متحمسات للعمل السياسي.
وفي عرض قدمته السيدة أسيل العلايلي عن استقصاء الباروميتر العربي، أشارت إلى أن أكثر من 50% (ومن ضمنهم أغلبية من النساء!!) يرون أن الزوج يجب أن تكون له الكلمة الفصل في القرارات المتعلقة بالعائلة. نسبة النساء اللواتي يؤيدن هذا الرأي في لبنان كانت 41% وارتفعت النسبة في سائر البلدان، فوصلت إلى 67% في السودان و65% في العراق، أما المغرب فسجل أدنى نسبة: 34% من نسائه يرين أن الكلمة النهائية في القضايا العائلية هي للزوج.
الحق الوحيد الذي تُجمع عليه الأغلبية في جميع البلدان هو الحق في التعليم، وإلى حد ما الحق في العمل، ولكن مع تحفظات بشأن أعمال معيَّنة وساعات العمل (بحسب الباروميتر العربي).
على هذه الخلفية التي تنطق بحال العالم العربي في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، قد يصاب المرء/المرأة باليأس، أو على الأقل بالإحباط، من إمكانية إحداث التغييرات اللازمة لرفع الظلم عن المرأة واحترام قدراتها في العالم العربي. فكيف نغيِّر والحالة على ما هي عليه؟ تجارب الأردن والمغرب والكويت، البلدان التي نُفذ فيها برنامج WPP، تثير الإعجاب وتنتشلنا من الإحباط.
الأردن: كسر الأبواب الزجاجية في القطاع الخاص والمجتمع والسياسات
لماذا لا تعمل المرأة في الأردن؟ بحسب البنك الدولي، جاءت الأجوبة كما يلي في عام 2018: أجاب 22% من الإناث أن السبب هو عدم توفر فرص عمل؛ و37% يفضلن الاعتناء بالمنزل والأطفال؛ و19% قلن إن الزوج يمنعهن من العمل. فنسبة مشاركة المرأة الأردنية في القوى العاملة لم تتخط 14%، بحسب البنك الدولي أيضاً، حيث سجلت الصين والسويد أعلى نسبة (61%)، وجاءت قطر والكويت بعدهما (58%) وسجل كل من لبنان والسعودية ومصر نسباً متساوية (22%).
منسقة برنامج WPP في الأردن ورئيسة جمعية “عالم الحروف” السيدة ميادة أبو جابر، قالت إن العوائق التي تحدمن دخول المرأة سوق العمل هي نوعان: عوائق ملموسة (القوانين والسياسات) وعوائق غير ملموسة (القناعات والقيم السائدة).
العوائق الملموسة
في العوائق القانونية، ركزت “عالم الحروف” على المادتين 29 و69 من قانون العمل. المادة 69 تحدد الصناعات والأعمال التي يحظر تشغيل النساء فيها، والأوقات التي لا يجوز تشغيل النساء فيها والحالات المستثناة منها. وترى الجمعية ومعها جمعيات أخرى محلية ومنظمات دولية أن في هذه المادة قصوراً تشريعياً يتمثل في ترسيخ ثقافة الحماية المشددة للمرأة نتيجةا لوصمة المجتمعية، وبالتالي تقليص عدد الوظائف المتاحة لها.
وتنص المادة 29 على حق العامل في ترك العمل دون إشعار مع الاحتفاظ بحقوقه القانونية عند انتهاء الخدمة والتعويضات، إذا اعتدى صاحب العمل عليه بالضرب أو التحقير أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي المعاقب عليه بموجب القانون. والقصور التشريعي في هذه المادة هو عدم ذكر التحرش الجنسي في مكان العمل بوضوح، وترسيخ ثقافة الصمت نتيجة الوصمة المجتمعية، وبالتالي ترك المرأة عملها وتدني عدد الشكاوى المقدمة.
وأكدت السيدة ميادة أبو جابر أهمية التدريب الذي قدمه برنامج WPP إذ أثمر عن تنظيم جهود الضغط من أجل تغيير المادتين 29 و69 من قانون العمل. فتمكنت الجمعية من الحصول على دعم منظمة العمل الدولية والبنك الدولي، وعقد جلسة مع رئيس الوزراء الذي أصدر أخيراً تعليمات بإزالة القيود على أعمال المرأة وأوقات عملها.
العوائق غير الملموسة
أما العوائق غير الملموسة فهي كثيرة، منها عدم رضا الزوج، ورفض الاختلاط مع الرجال في مكان العمل، وسمعة المرأة العاملة، وعدم وجود حلول عائلية للاهتمام بالأطفال.
وإذا كان بناء القدرات المهنية عملية سهلة وسريعة، فإن تغيير العقليات عملية شاقة وطويلة. من هنا أهمية الاستمرارية، حيث أكدت أبو جابر عزم “عالم الحروف” على مواصلة النضال في قضايا التحرش الجنسي والمساواة في الأجور بين الرجل والمرأة ونظرة المجتمع إلى أدوار الرجال والنساء والعنف الاقتصادي.
ضم وفد الأردن وزيرة سابقة هي السيدة أسماء خضر وعضوة حالية في مجلس الأعيان هي السيدة سوسن مجالي. أكدت السيدة أسماء خضر حق المرأة في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة وضرورة وقف الانتقاص من أهليتها ومواطنيتها. ورأت أن الإصلاح يجب أن يطال التفسير الديني الذي لم يعد يجاري العصر علماً أن في الدين ما يسعف على إحقاق الحق والعدل والمساواة. والجرائم التي تقع على المرأة يتم التعامل معها قضائياً على أنها جرائم على الأسرة أو على العرض والآداب العامة وليس عليها كإنسانة. وبالتالي ليس شخص المرأة المقصود بالحماية. وآفة العقليات بحاجة إلى ثورة لتعديلها.
السيدة سوسن مجالي قالت إن العمل لتحقيق العدالة والمساواة ينبغي أن يستند إلى الأدلة في كل شيء، وخصوصاً في التشريع. لدينا كمٌّ هائل من التشريعات وقدرٌ قليل من التطبيق. أين نحن كمجتمع مدني وإعلام من مراقبة التطبيق؟ واعترفت بأن المجلس فشل في بعض القضايا ومنها تعديل قانون الأحوال الشخصية، ولكنه نجح في إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات والتي تسمح بتزويج المغتصب من الضحية فتزول التهمة ويطلق سراحه.
التحرش الجنسي
المحامية رشا لصوي تحدثت عن التحرش الجنسي، ولا سيما في مكان العمل وعرضت فيديو يمثل موقفاً تتعرض فيه موظفة للتحرش الجنسي من قبل مديرها، وتضطر إلى ترك عملها. قالت لا يعترف القانون بالتحرش الجنسي ولا يتناول البيئة الاستفزازية المهدِّدة وغير الآمنة للمرأة.
ما هو التحرش الجنسي في مكان العمل؟ القيام بإيحاءات وتصرفات جنسية غير مرحب بها تؤدي الى بيئة عمل استفزازية، عدائية، مرهبة، مهددة ومهينة. كما تشمل فرض إسداء معروف جنسي لتفادي فقدان العمل أو التقدم الوظيفي أوالزيادة في الراتب. لكن المادة 29 من قانون العمل لا تذكر ذلك، وبالتالي فيها قصور تشريعي كبير إذ لا تحمي المرأة من التحرش الجنسي. وبينما قُدمت للبرلمان 39 مادة للتعديل، ليست المادة 29 من ضمن هذه المواد. ويتصاعد الانضمام لهذه الجهود باعتماد اللجنة الوطنية للمرأة ومبادرين من القطاع الخاص سياسة للتحرش، واعتماد اللجنة الثلاثية لشؤون العمل سياسة للحماية.
ابنة العشيرة تتحدى التزمُّت لتوعية المرأة
كوثر العدوان، تحدثت عن تجربتها الخاصة، فهي بنت العشيرة المحافظة جداً بل المتزمتة، التي كان حلم حياتها أن تدرس وتكون فاعلة في المجتمع. زوَّجوها ابن العشيرة. تحايلت على أهلها لتدرس، ولفترة سنتين عملت سراً على الاختلاط بنساء القرية فلمست واقع أحوالهن المليء بالظلم والكل يعجزن عن الشكوى أو عمل أي شيء لأن هذه هي العادات والتقاليد. وكانت نتيجة أنشطة التوعية المجتمعية التي نظمتها السيدة كوثر العدوان أن أي حالة قتل أو زواج قسري أو مبكر لم تحدث في قريتها منذ 10 سنوات. وتمحورت تلك الأنشطة حول التحرش الجنسي، وحقوق المرأة في قانون العمل، والمفاهيم الدينية الصحيحة حول عمل المرأة،والتمكين الاقتصادي للمرأة.
الشباب
تشكل فئة الشباب الجامعي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و26 سنة ما نسبته 70% من المجتمع الأردني، وهي نسبة مرتفعة جداً، لا سيما وأنها الفئة التي يعوَّل عليها لقيادة التغيير في المجتمع والنهوض به. والقيادة تصبح ممكنة بفضل التمكين. من هنا أهمية التركيز على هذه الفئة في الأنشطة التوعوية. وتحدثت السيدة ريم الزعبي خصوصاً عن طلبة العلوم التربوية لأنهم معلمو المستقبل، فإن استطعنا تنوير فكرهم وتمكينهم يصبحون قادرين على قيادة التغيير، وإذا جعلناهم أكثر تقبلاً لتمكين المرأة في مجتمع ذكوري، نكون قد حققنا تقدماً في النهوض بالمجتمع ولو بعد حين.
تغيير الفكر الإنساني ولاسيما في مرحلة الشباب ليس بالأمر اليسير في مجتمع متشبث بأعراف وتقاليد جامدة، ويسيطر الفكر الذكوري على شرائح عديدة منه، فكان لا بد من استخدام إحدى أهم الأدوات الفاعلة في أنشطةا لتوعية الشبابية وهي الحوار. وكذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فأطلقت جمعية “عالم الحروف” حملتين للتوعية: (1) من خلال هاشتاغ #عشان نتوظف، لتشجيع المرأة الأردنية على المشاركة بسوق العمل وتمكينها اقتصادياً وإنصافها بأجر متساوٍ، إذ أن الرجل في الأردن يتقاضى أجراً أعلى من أجر المرأة رغم أن الوظيفة واحدة؛ و(2) من خلال هاشتاغ #متسكتيش، للتصدي لظاهرة التحرش الجنسي في العمل.
صورة المرأة في الإعلام
قد يكون من السهل شن حملات توعية وتصحيح مفاهيم بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ولكن يصعب اختراق وسائل الإعلام التقليدية التي تبث في برامجها وإعلاناتها صورة مشوهة للمرأة العربية لا تعكس الواقع إذ تركز على جسدها وتظهر ضعفها وسطحيتها وتغيِّب قدراتها الذهنية وشخصيتها وأخلاقها. وتُستخدم المرأة في 90% من الإعلانات كأنثى من أجل الترويج لسلع استهلاكية، حتى ما هو خاص بالرجال، بالربط بين المنتَج ومفاتن المرأة.
فنَّدت السيدة ريم الزعبي المواصفات التي يلصقها الإعلام بالمرأة. فالمرأة هي: كائن استهلاكي، تهتم بالأزياء والتجميل والمطبخ، تحب القصص العاطفية، ولا تهتم بالشأن الثقافي، تفتقد القدرة على التفكير العقلاني، ما يجعلها في حاجة دائمة إلى العون والمساندة من الرجل، وتقدَّر بقيمتها الجمالية الجسدية فحسب لإمتاع الرجل. ورأت الزعبي أن الدراما أو المسرح والأفلام السينمائية والتلفزيونية تستطيع مواجهة التنميط الإعلامي.
رجال مناصرون لقضية المرأة
ضم وفد الأردن رجالاً مناصرين لقضية المرأة، ولا سيما السيد محمد العمد، الذي تحدث عن أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة. كل خطوة يجب أن تُبنى على أساس علمي واضح يتقبله الناس. وبصفته منسق وسائل التواصل في جمعية “عالم الحروف”، قال إن الجهود تتوجه إلى ثلاث فئات: العارفين والعارفات بحقوق المرأة، ومَن ليس لديهم/لديهن قناعات محددة حول المسألة، وأولئك الذين يعارضون/يعارضن التغيير ويقفون/يقفن ضد حصول المرأة على كامل حقوقها الاقتصادية. ركز العمد على ثلاثة أركان: الصوت، أي التعبير من دون خوف؛ والخيار، أي القدرة على كسر الأبواب الزجاجية؛ والتحكُّم، أي تحكُّم المرأة بحياتها من دون أن يعني ذلك بالضرورة تفسخ الأسرة.
سمح برنامج WPP لعضوات وأعضاء “عالم الحروف” وقياديات وقياديين من مختلف القطاعات والمناطق في الأردن، باستيعاب فكرة القيادة بالتمكين ومن ثم نشرها على نطاق أوسع.
المغرب: محاربة العنف ضد المرأة والعقليات المتحجرة
تطرق وفد المغرب عن ضرورة تغيير القوانين والتشريعات، وضرورة تغيير العقليات وإزالة الصور النمطية للمرأة. وسمعنا من وفد المغرب عن تجربة ملفتة في مجال تغيير العقليات، وهي مكافحة “العنف اللفظي” إذا صح التعبير.
الأمثلة الشعبية المسيئة للمرأة
نظمت جمعية “جسور”، في إطار برنامج تمكين المرأة التي نفذته مع WPP، حملة ضد الأمثلة الشعبية التي تسيء إلى صورة المرأة ودورها ومكانتها، والمتوارثة جيلاً بعد جيل ويتم تداولها على أنها حِكم مترسخة يُستند إليها في كثير من المواقف والحالات. الأمثال الشعبية باتت قوانين اجتماعية غير مكتوبة، ربما تكوَّنت في المجتمعات القديمة الرعوية والأمية، ولكنها لا تزال تُتداول في عصرنا الحديث برغم التطور الاجتماعي والتعليمي والصناعي.
أنتجت “جسور” سلسلة من 16 فيديو لحملة التوعية بضرر الأمثال الشعبية المسيئة للمرأة بعنوان “ويش متفقين؟”، تم نشرها عبر وسائط عدة، وهي موجهة خصوصاً إلى فئة الشباب (تحدثت عن الموضوع عضوة “جسور” السيدة راضية لعراقي). فسمعنا أمثلة شعبية مغربية تحقِّر المرأة وتصنِّفها ضعيفة قليلة العقل والذكاء، وماكرة وشريرة،ولا كيان لهامن دون رجل. أمثلة ترسِّخ النظرة الدونية إلى المرأة والثقافة الذكورية، حتى أن بعضها يحرِّض على العنف.
يا لتشابُه العقليات بين البلدان العربية! فبينما كنتُ أسمع الأمثال المغربية، تهافتت في ذاكرتي أمثال كثيرة تتردد في لبنان وبعض البلدان المجاورة:”المرأة لوطلعت للمريخ آخرتها للطبيخ”، “النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان”، “والد البنات شايل الهَمّ للممات”،”عقربتَيْن على الحيط ولا بنتين في البيت”، “ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة”، “البنت يا جازتها يا جنازتها”، “الشجرة التي لا تثمر قَطعُها حلال” (عن المرأة العاقر)، و”المرأةمثل السجادة بدّا نفضه من وقت للتاني”، و”بارك الله بالدابّة السريعة والمرأة المطيعة”، والبنت من الأفضل تزويجها لأن “رجّال بالبيت ولا شهادة عالحيط”، و”علّم ابنك تقشع حالك، وعلّم بنتك تشغل بالك”، والزواج هو الهدف الوحيد الذي يجب أن تسعى إليهالفتاة فـ “الرجّال رحمة ولو كان فحمة”و”ظل راجل ولا ظل حيطه” و”المرا بلا رجّال مثل البستان بلا سياج”. وتكُرَّم الأم التي تنجب الصبيان وتُنبَذالأم التي تنجب البنات لأن “أم البنت مسنودة بخيط وأم الصبي مسنودة بحيط”.وغيرها الكثير.
كيف يمكن تفكيك وهدم وتصحيح كل هذه المفاهيم الشعبية التي أصبحت “حِكَماً” متناقَلة من جيل إلى جيل والتي تضع الفتاة والمرأة في قالَب فولاذي محكَم؟ مهمة صعبة جداً إن لم تكن مستحيلة. لكن نساء جمعية “جسور” المغربية التي نظمت الحملة المذكورة أكدن، استناداً إلى تجربتهن وإلى دراسات عِلم الاجتماع أن التعليم هو المفتاح، فالفرد المتعلِّم يميل إلى التعبير عن آرائه استناداً إلى خبرته الشخصية وتحصيله المعرِفي، وليس استناداً إلى الأمثال والأعراف. نأمل ذلك.
العنف ضد المرأة
سنُّ القوانين يستغرق آجالاً طويلة ويستنفد الحيويات والطاقات والصبر. قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب (الرقم 103/13) دارت حوله نقاشات مطولة بين الحكومة ومجلسي البرلمان وظل ينتظر خمس سنوات منذ تقديمه في عام 2013 إلى أن تم إقراره في عام 2018. ولكن الفرحة به لم تكن كبيرة لأنه انطوى على عدة نقاط قصور، أشارت إليها المحامية السعدية وضاح، المديرة الإقليمية لمجلس حقوق الإنسان في المغرب، ومنها أن مواده تتعلق بحماية الأسرة وليس المرأة، ولم يشمل كل أنواع العنف، بحيث لم ينص على العنف الزوجي والعنف السياسي والعنف القانوني، وقيَّد تجريم العنف المرتكب ضد النساء بوقوع الضرر، وهو ما يعني أن العنف الذي لم يخلف ضرراً مسموحٌ به.
توصيات الأمم المتحدة (اللجنة المعنية بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، تطلب من الدول الأطراف أن تسن تشريعات لمناهضة العنف الأسري وإساءة المعاملة والاغتصاب والاعتداء الجنسي وغيرها من أشكال العنف ضد النساء، ومنحهن الحماية الملائمة واحترام سلامتهن وكرامتهن.
وها هي الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن تسن، ولو ببطء، القوانين اللازمة. ولكن الواقع على الأرض يصرخ “يا جبل العنف ما يهزك ريح”!! لا يزال الجناة يفلتون من العقاب والمجتمعات الجاهلة والمتجاهلة، نساءً ورجالاً، حكومات وقضاء، تتواطؤ ضد الضحايا.
الاستثمار في الجيل الجديد
من الصعب خلخلة المفاهيم البالية المترسخة في عقليات الكبار، نساءً ورجالاً، لذلك لا بد من الاستثمار في الجيل الجديد. هذا ما فعلته وتفعله “جسور” في المغرب. الشباب الذين أشركتهم ليسوا ناشطين بل هم مقاتلون، هكذا وصفتهم رئيسة “جسور” أميمة عاشور.
مؤسسة(Y-PEER) لتثقيف وتدريب الأقران الشباب (يقودها الشاب زهير عدوي) اشتركت في برنامج WPP، وتمكنت من خلال الأنشطة التي نفذتها من توعية وتدريب مجموعات من النساء والشبان والفتيات في أربع مدن كبيرة في المغرب على الاضطلاع بأدوار قيادية واستخدام منتديات التواصل الاجتماعي والمشاركة في حملات التحسيس، وكذلك توعية 30 سيدة من المناطق الريفية على حقوق المرأة وسبل مكافحة العنف ضدها.
من القيادات المغربية الشابة التي شاركت في برنامج WPP حياة أوتمى (جمعية أخيام)، من سكان منطقة إملشيل الجبلية، التي ترتفع 2400 متر ونسبة الفقر فيها 75% والأمية 63% من الإناث و50% من الذكور، ويمارَس فيها زواج القاصرات حيث بلغ عدد هذه الزيجات 125 في عام 2018. قالت إنها بمشاركتها في البرنامج اكتسبت خبرة كبيرة في مدة قصيرة في مجال النهوض بالمرأة وتمكينها. وعملت على نشر خبرتها في أنحاء عديدة من منطقتها. لم يكن سهلاً للفتاة حياة أوتمى الخروج من البيت للعمل في القضايا الاجتماعية، وذلك بسبب تزمت عائلتها، ولكنها استعملت كل الأساليب سراً وعلناً لتحقق طموحها وتعمل للقضايا التي تؤمن بها. حياة أوتمى نموذج للفتاة الرائدة المحطِّمة للحواجز الزجاجية والإسمنتية، يستحق التقدير ويُحتذى.
التكنولوجيا والفنون للتوعية
ومن ضمن خطة “جسور”، تحليل الآليات القانونية وتأثيرها على المرأة، والاستفادة من التكنولوجيات الجديدة للدفع بقضايا المرأة ونشرها على أوسع نطاق، واستخدام الفنون من مسرح وفيديو للتوعية والدعم، والتعاون مع المنظمات الأهلية وغير الحكومية. بدأت جسور مع 40 سيدة وأصبح العدد اليوم بالمئات، وبدأت بـــــ15 نشاطاً وأصبحت الأنشطة بالعشرات. ونجحت في تأسيس أول كلية لحقوق المرأة داخل جامعة محمد الخامس. وأقرت عاشور أن من السهل المناصرة ولكن من الصعب الابتكار، والابتكار هو ما سوف تسعى إليه في اعتماد أساليب التوعية والدفع باتجاه التغيير للنهوض بالمرأة وضمان حقوقها وإتاحة الفرص المتكافئة لوصولها إلى مواقع قيادية والمشاركة في صنع القرارات على المستويات المحلية والوطنية.
القوانين كثيرة ولكن التطبيق قليل، والمعركة هي من أجل التطبيق. هذا ما أشارت إليه السيدة غزلان بناشير، نائبة رئيسة “جسور”. ثلاثون إمرأة قيادية في مجالات مختلفة ومن مناطق مختلفة التَقَيْن في إطار برنامج WPP، وبعد التباحث والتناقش توصَّلن إلى تحديد مسألتين مُلحَّتين لخوض المعارك بشأنهما وهما تحقيق المواطَنة للمرأة والمساواة بين الجنسين، ومكافحة العنف ضد المرأة. هذا النوع من النضال لا تُلمس نتائجه إلا بعد وقت طويل، ولذلك من المهم جداً ضمان استمرارية العمل وتسليم المشعل من جيل إلى جيل.
تهدف “جسور” إلى جعل السياسيين يدركون أن عدم تمتع المرأة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وغيابها عن مواقع صنع القرار في الهيئات السياسية والنقابية لا يؤخر تحقيق المساواة فحسب بل تحقيق الديمقراطية في المغرب.
رجال مناصرون لقضية المرأة
قصة محمد عبد الوهاب الرفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية من المغرب، كانت مميزة جداً واستحوذت على إعجاب واحترام وتقدير الحضور. فمِن سلفيّ أدت به مواقفه إلى السجن، تحوَّل تدريجياً بتأثير وتوجيه من والدته، بعكس توجيه والده، إلى إنسان منفتح يرفض العنف والتطرف الفكري ويعترف بالآخر. أسس مركز “الميزان” لمحاربة التطرف الديني، وأصبح يحاضر عن أهمية المساواة بين الرجل والمرأة. حكى عن تأثره بوالدته وبالقراءات الأدبية والفنية والسينما في الكتب والمجلات التي كانت تزوِّده بها والدته عندما كان في السجن، وكان يقرأها بنهم خفية عن والده.
الكويت: بناء القدرات القيادية للنساء وتفكيك الصور النمطية
سمعنا من رئيسة وفد الكويت، الدكتورة العنود الشارخ، عزماً على إنهاء ما يسمى جرائم الشرف ووقف العنف الأسري، وتغيير ثقافة العنف والتمييز التي تسببها بعض التشريعات، ومنها المادة 153 من قانون العقوبات الكويتي الذي يمنح أسباباً تخفيفية للرجل الذي يقتل زوجته أو أي امرأة من عائلته بدافع المحافظة على الشرف. السيدة العنود الشارخ هي من مؤسِسات حركة إلغاء المادة 153 من قانون العقوبات (Abolish 153) التي نُفذ برنامج WPP من خلالها في الكويت، وأوضحت أن الحركة ستعمل على تحقيق تلك الأهداف من خلال بناء القدرات القيادية للنساء، وإشراك فئة الشباب، وتفكيك الصور النمطية، والمطالبة بتكافؤ الفرص بين النساء والرجال. وأكدت أن في حال لم تتح الحكومات فرصاً لتبوء النساء مراكز قيادية فسوف تسعى الحركة لخلق هذه الفرص.
وعن الكويت أخبرتنا الدكتورة آمار بهبهاني (عضوة في لجنة الاستراتيجة في جامعة الكويت، ورئيسة جمعية الأفضل للنساء) أن أعداد الطالباتاللواتي تخرجن من جامعة الكويت ازدادت من 55 في المائة عام1997 إلى 74 في المائة عام 2018، وأن نسبة الإناث من القوى العاملة في جامعة الكويت ارتفعت من 57 في المائة عام 2006 إلى 63 في المائة عام 2019. ولكن عدد النساء في المناصب القيادية في الجامعة لا يتعدى 14 في المائة، وهو قليل بالمقارنة مع نسبة النساء المتعلمات.ولسد هذه الفجوة، دعت إلى التركيز في برامج التعليم على أوجه التشابه الإنسانية بين النساء والرجال بدلاً من أوجه الاختلاف، وإلى التركيز على الاتساق بدلاً من التنافس، وزيادة بناء مهارات القيادة والإدارة. ودعت إلى تعزيز التعلم وليس فقط التعليم، لأن التعليم محدد في زمان ومكان وشخص بينما التعلم ذاتي ومستمر. وفي هذا الإطار أطلقت الشعار “أنسنة الجندرةوليسجندرة الإنسانية!”
مبادرات لزيادة النساء في شركات النفط والغاز
وأضاء الوفد الكويتي على أهمية وجود المرأة في القطاع الصناعي، ولا سيما قطاع النفط الذي يقوم عليه اقتصاد الكويت. وكانت العروض مبنية على الأرقام والإحصاءات. فأوضحت الدكتورة حسنية الهاشم، رئيسة مجلس إدارة مشروع الطاقة في مؤسسة البترول الكويتية، أن تمثيل المرأة في المجالس الإدارية أقل من 1% في دول مجلس التعاون الخليجي بينما يبلغ 5% في أمريكا اللاتينية، و6% في آسيا، و17% في أوروبا. مشاركة المرأة في القوى العاملة في مجال النفط والغاز متدنية جداً في كل أنحاء العالم وليس في الكويت أو الخليج فقط. فقد بلغت في الكويت 16%. وهكذا هي الحال في ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وقد قامت شبكة النساء العاملات في شركات النفط الكويتية وتلك العاملات في شركات الغاز بمبادرتين في العامين 2009 و2014 للمطالبة بتعزيز فرص نمو المرأة المهني في جميع الشركات الكويتية، وتحسين بيئة العمل لإتاحة التنوع (رجال ونساء)، وتسهيل سعيهن إلى أعلى المواقع المهنية والإدارية. ولتحقيق ذلك، طالبت الشبكات النسائية برفع الحظر القانوني على تشغيل النساء في دوامات الليل والأعمال الخطرة. وقد تمكنن في أواخر عام 2018 من الحصول على موافقة بتغيير المادتين 22 و23 من قانون العمل 6/2010.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة حسنية هاشم كانت أول امرأة تعيَّن مديرة لشركة نفط وغاز تنتج 700 ألف برميل في اليوم فأدَّت دوراً نموذجياً للمرأة في المنطقة العربية والعالم.
من الكويت أيضاً، تحدثت السيدة مها البغلي، وهي المرأة الوحيدة في المجلس البلدي الكويتي، عن ضرورة عدم تفويت الفرص والتحلي بروح الإقدام والجرأة لتحقيق التطلعات والاضطلاع بالدور الفاعل المنشود. قالت إن الفرص لا تتوفر للمرأة بقدر توفرها للرجل، لذلك على المرأة ان تكون جريئة لاقتناص الفرص وحسن استغلالها. روت بعض الأمثلة من حياتها الشخصية لفرص أقدمت علىالاستفادة منها ففتحت لها أبواباً لفرص أخرى أكبر لتحقيق رؤيتهافي خدمة القضايا البيئية. كيف استفادت من برنامج WPP؟ قالت إنه عرَّفها على سيدات قياديات وألهمها وحفَّزها لتقديم المزيد لتعزيز وجود المرأة وإبراز دورها والمشاركة في مشاريع وحملات لتغيير الصورة النمطية للمرأة. كما جعلها أقوى في الوقوف ضد الممارسات العنصرية والأعراف التي تقلل من حق المرأة في الحصول على مميزات متساوية لزميلها الرجل في مكان العمل.
هل بعد التراجع تقدُّم؟
كل مسار في الحياة قد يتعرض لصعود وهبوط، تقدُّم وتَراجع، ولكن التراجع في مسار قضية المرأة يقلق بشكل خاص وقد يُحبط الحماسة والأمل. حصل هذا الهبوط في الكويت، حيث تراجع حضور المرأة في البرلمان بعد مرور 10 سنوات على انتخاب أربعة نساء لأول مرة لتمثيل الشعب في البرلمان، علماً بأن النساء حققن اختراقات عدة في قطاعات أخرى وصلن فيها إلى مراكز القيادة. وقد أجرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC استقصاء للآراء حول هذا التراجع نشرت نتائجَه جريدةُ القبس الكويتية الشهر الماضي، بيَّن أن ثلثي النساء اللواتي أجبن على أسئلة الاستقصاء يعتقدن أن الرجال الأعضاء في البرلمان أكثر كفاءة من النساء العضوات. لماذا؟
رجال مناصرون لقضية المرأة
شرح الأسباب السيد عبد العزيز العتيقي، مؤسس التجمع العلماني الكويتي والناشط في مناصرة قضية المرأة، فقال إن أسباب التراجع هي: غياب التواصل بين الأحزاب السياسية والجمعيات المناصرة للمرأة والنساء المرشحات؛ وعدم اهتمام الصحافة ووسائط الإعلام بإنجازات المرأة وعدم تسليط الضوء على نساء رائدات وقياديات لترسيخ صورة المرأة الناجحة في الأذهان، حيث كانت هذه الوسائط ولا تزال تحت إدارة رجال ونادراً ما أعطيت المرأة موقعاً قيادياً في هذا المجال؛ ونقص التمويل الكافي لبرامج الجمعيات النسائية وحملات النساء المرشحات؛ وعدم توفر برامج بناء القدرات للترشح للمناصب السياسية؛ بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي. وأشار العتيقي إلى أن المشاركة في برنامج WPP أتاحت التفكير جدياً في أسباب التراجع والسبل التي يمكن اتباعها لاستعادة ثقة الناخبين في النساء المرشحات.
الفن جسر إلى فهم حقوق المرأة
المؤتمر عنوانه “استراتيجيات مبتكرة لتمكين المرأة” وهل أسطع من الفنون بين المجالات التي تفجِّر طاقات الابتكار؟ لذلك، حرصت السيدة مي الريحاني على إدراج الفنون الهادفة والتعبيرية في برنامج المؤتمر. فكان لكل وفد أن يقدم عملاً فنياً يجسد القضية التي يعمل لها. فكان أن شاهدنا من الأردن استعراضاً موسيقياً هادفاً من نوع flash mob، أي “التجمهر المفاجئ”. تسللت فرقة من خمسين شابة وشاباً بين جمهور المؤتمر وقدمت عرضاً من دون كلام سوى ما هو مكتوب على قمصان الشابات والشبان (النساء كشريكات في التطوير والتقدم) وحركات الأجساد ووقع الطبول وأنغام تصاعدية تثير التنبه والتأهب والحماسة، يخفق معها القلب وينتعش العقل وتصفق الأيادي، خصوصاً وأن مَن يؤدونها هم جيل المستقبل.
كما قدم وفد الأردن عملاً مسرحياً تفاعلياً بعنوان “توازن” يتناول الأدوار المجتمعية المرسومة للرجل والمرأة. أيضاً من دون كلام، فقط حركات الأجساد وتَمَوقُفها وتعابير الوجوه. وبعد كل لوحة يشارك الجمهور في التفسير واستنتاج المعاني المقصودة. وقد عُرض هذا العمل حتى الآن في ثلاثة من كبريات جامعات الأردن، وقال وفد الأردن إن التفاعلات التي صدرت من الجمهور بعد المسرحية عكست ردوداً إيجابية وتقبلاً فاق كل التوقعات.
السيدة لينا التل، مديرة المركز الوطني للثقافة والفنون في الأردن،شرحت دور المسرح التفاعلي في التوعية والمناصرة بشأن قضايا هامة مطروحة في المجتمعات. فهذا النوع من الفن يساهم في تغيير التصورات وإثارة التفكير في المفاهيم لمقاربتها بطريقة جديدة. كما أن فتح باب النقاش والتعليق بعد انتهاء العرض يوفر مناخاً آمناً للتعبير عن الآراء من دون خوف، سواءٌ أكانت مؤيدة أو معارضة، ومحاولة اقتراح الحلول للخروج من الوضع الراهن. إحداث التغيير ليس حكراً على صانعي القرار بل للناس، أفراداً وجماعات، دور كبير في إحداث الضغط الاجتماعي الإنساني الذي يدفع بصانعي القرار إلى التغيير.
فالدراما الحديثة، قالت السيدة لينا التل، تُعدُّ أفضل الأساليب المعاصرة لتغذية القيم الفكرية والثقافية والمجتمعية، وخلق حال من الاستجابة لدى المُشاهد الذي يصبح أشد وعيًا بقضايا مجتمعه وبيئته.والأعمال الدرامية تسهم في تقوية مناعاته الذاتية وتعزيز وعيه لقيادة التغيير المنشود.فالمحتوى يُعرض بطريقة الترفيه واللعب، وهذا ما يساعد على استيعاب الفكرة والتفاعل معها بسلاسة.
وقدم وفد المغرب مسرحية “مكتوب”من نوع دراما-كوميدي تتناول قضية الإرث في المجتمعات المسلمة. هذا الموضوع الذي لطالما اعتُبر “تابو” ويخشى مناقشتَه أو يمتنع عن طرحه الجميع، يبدو أنه بات يناقَش بشكل علني في المغرب، وبالتحديد من خلال هذه المسرحية، خصوصاً وأن باب النقاش يُفتح للجمهور بعد كل عرض، ويتولى ضيف مختص إعطاء الإجابات والتفسيرات المنطلقة من المرجع الديني ولكن بتفسير معاصر منفتح على التطورات التي تشهدها حياة الأفراد والمجتمع اليوم. والجدير بالملاحظة أن الذين شاهدوا المسرحية من جمهور المؤتمر رحبوا بالنقاش وشاركوا فيه وتبادلوا الآراء بطريقة حضارية، باستثناء قلة قليلة جداً (نساء) رفضن طرح موضوع الإرث أصلاً وخرجن من القاعة احتجاجاً (وانغلاقاً وتشبثاُ!!).
ومن الكويت، عُرضت رقصة تعبيرية بعنوان “خمّاري”، تعبِّر عن الحب الحزين، وعادةً ما يؤديها رجال ونساء في الكويت. وفد الكويت تحدث عن مسرحية أعدت عن العنف الأسري بعنوان “كيري ميري”، ولكن لم يكن بالإمكان الإتيان بالفرقة المسرحية لتقديمها في المؤتمر.
وفي إطار الفنون الداعمة لقضية المرأة أيضاً، كان في المؤتمر مكان للشعر. واسمحوا لي بأن أكتب هنا عن هذه الفقرة رغم أني كنتُ أنا الشاعرة المدعوة وأنا كاتبة هذا المقال، حيث قد لا يُستساغ الحديث عن النفس في سياق مقال كهذا. دُعيتُ إلى المساهمة في المؤتمر بشعر عن المرأة، فألقيت قصيدة عن حال المرأة في الشرق وإحساسها بمكانتها وقدراتها وتطلعاتها. الشعر الهادف يسلك الطريق جنباً إلى جنب مع المناضلات والمناضلين، يحاكي وجدانهم ويعبِّر بلغته المُصَفّاة وصوَره المكثفة عن همومهم وأحلامهم ويؤجج هممهم.
نساء تجرَّأن
وبناء على طلب من كرسي جبران في جامعة ميريلاند، أعدت المخرجة المغربية السيدة خولة بن عمار فيديو عن عدد من النساء العربيات الرائدات اللواتي “تجرَّأن” على كسر الأبواب الزجاجية والسقوف الإسمنتية، وهن من بلدان عربية مختلفة. في لبنان اقتفت خولة أثر مي زيادة ولور مغيزل، وفي مصر بحثت عن هدى الشعراوي وسميرة موسى، وفي الأردن ألقت الضوء على إنعام المفتي وليلى شرف، وفي المغرب أضاءت على مليكة الفاسي وفاطمة المرنيسي. كل منهن تجرأت على أن تكون الأولى في مجالٍ معيَّن.
هن ثماني نساء رائدات عرض الفيديو لمحة عنهن، ولكن يبلغ عددهن 57 امرأة عربية (حتى الآن، والعمل جارٍ على توثيق المزيد من الأسماء) على صفحة “مركز المعرفة حول النساء العربيات: رائدات وقائدات” الذي أنشأته السيدة مي الريحاني كمرجع إلكتروني على موقع كرسي جبران في جامعة ميريلاند (PIONEERS & LEADERS-Knowledge Center About Arab Women). يلقي هذا المرجع الضوء على نساء من أواخر القرن التاسع عشر ومعظم القرن العشرين، تحدَّين الأعراف وخرجن من الأدوار المرسومة لهن وكسرن الحواجز الاجتماعية والثقافية والسياسية ليعملن في مجالات التعليم والدراسة الأكاديمية والصحة والعلوم والسياسة والأدب والفن والهندسة والمعمار والإعلام والطيران وغيرها. أرسين بعملهن وجرأتهن وإنجازاتهن أسس مستقبل تتحقق فيه المساواة والإنصاف والعدل كقيم أساسية.
ما هو الانطباع لدى الخروج من المؤتمر؟
في الوقت الذي كانت الوفود تتحدث عن الإنجازات والعوائق، وكان الجمهور الحاضر يصغي ويصفق وينعم برفاهية الفندق والموائد العامرة، كانت هناك نساء في أنحاء مختلفة من العالم العربي يمضغن القهر ويبتلعنه لأنهن غير قادرات على رفض الظلم. من الأردن، أخبرونا أن النساء العاملات في بعض المصانع في الريف الأردني لا يتقاضين أجرهن، بل يتقاضاه الزوج أو الأب أو الأخ وهو الذي يقرر كيف يصرفه. سمحوا لهن بالعمل! ولكن من أجل أن يسلبوهن تعبهن. وهي ظاهرة منتشرة. من المغرب، أخبرونا أن شابة مغربية اغتُصبت وعُذبت وقُتلت على يد صديقها منذ أيام ونشر الفاعل فيديو عن الحادثة. ومن الكويت، أخبرونا أن القانون يمنح أسباباً تخفيفية للرجل الذي يقتل امرأته أو أي امرأة من عائلته بدافع الشرف. فاجتاحت بالي أسماء نساء قضين على يد الزوج أو الطليق في لبنان وبلدان مجاورة: إسراء غريِّب، رنا بعينو، ميمونة أحمد، منال عاصي، زهراء القبوط، ظريفة زيدان، ريمي الحسين، ندى بهلوان، نسرين روحانا… والقائمة تطول.
العنف ضد المرأة ليس فقط عنفاً جسدياً أو قتلاً، بل يمكن أن يكون عنفاً لفظياً وعنفاً اقتصادياً وعنفاً قانونياً. فأيُّ ظلم أو إجحاف أو حرمان من الحقوق وأيُّ تحقير أو إساءة للصورة والقدرات هو عنف.
الفرق البيولوجي الوحيد بين المرأة والرجل هو الإنجاب والرضاعة، وهو فرق هام جداً، ولكنه لا يضع المرأة في مرتبة أدنى. إنه خاصية إضافية لا انتقاصية، وهو قوة وليس ضعفاً. الجنة تحت أقدام الأمهات!! ولكن الجحيم من حولهن. مسؤولية تكاثر الناس واستمرار البشرية في هذا الكون لا تقع على المرأة وحدها ولا يجب أن يترتب على دور المرأة البيولوجي أثمان باهظة تقضي على كيانها وعقلها وإرادتها وقدرتها على الخيار والقرار. روت إحدى الحاضرات قصتها مع مجتمعها المتزمت.فعندما اقتنت سيارة منذ عشر سنوات، كانت أول فتاة تفعل ذلك، فكانت تقود سيارتها في الصباح الباكر وفي الليل كي لا يرجم الأطفال سيارتها بالحجارة. أمها لم تقف في طريقها بل ساعدتها ودعمتها، ولكنها كانت تقول لها “أنا بحبك وبدعمك، ولكن يا ريت كنتي زلمة!” هذه واحدة من قصص كثيرة تُروى سراً أو علناً في عالمنا العربي، وهي جديرة بالاحترام ودليل على أن الأمل في معركة مستمرة مع التيئيس.
مِنا مَن يرى أن الوصول إلى المراكز السياسية القيادية هو السبيل الأساسي لتحسين وضع المرأة وضمان حقوق متساوية لها في المنطقة العربية.
ومِنا مَن يرى أن التغيير من فوق، من أعلى الهرم، لا يحقق نتائج، بل ينبغي التغيير من القاعدة، تغيير عقليات الناس والعادات والمفاهيم التي تنعكس ممارساتٍ مجحفة بحق المرأة وتترجَمفي السياسات والقوانين تجاهلاً لحقوقها وبنوداً تزخر بالتمييز الواضح ضدها.
فكرتُ كثيراً، ولا أزال، في هذه المسألة، ماذا يأتي قبل؟ تغيير القوانين أم تغيير العقليات؟ كمن يتساءل ماذا يأتي قبل، البيضة أو الدجاجة؟ وفي كل مرة كنت أدرك بحكم الواقع أن الديك يأتي أولاً!! قد يكون تغيير القوانين، وإن برهنَت السوابق أنه صعب للغاية، أمراً ممكناً جداً. ولكن كيف السبيل إلى تغيير العقليات؟ هنا تكمن المعضلة المستعصية. لأن العقليات تجري في العقول كما يجري الدم في الشرايين. لا بد من السعي إلى تغيير الإثنين معاً، القوانين والعقليات. هذا ما أستخلصه حتى الآن مما يجري من مداولات حول القضية.
هل نحن على المسار السليم والواعد؟
سمعنا في المؤتمر من المُخرجة المغربية خولة بن عمار تحية جميلة معبِّرة: “صباح النون، ليس نون النسوة بل نون النحن”. وهذا ما خلص إليه المتحدثات والمتحدثونوالحاضرات والحاضرون: “النحن” هي الأهم، أي العمل معاً، التعاون بين جميع الجهات، التشبيك، التشارك، التبادل، التلاقي، لأن “النحن” أقوى وأفعل من “الأنا”.
تؤكد مي الريحاني أن ما فعلته النساء، ومعهن حلفاؤهن من الرجال المناصرين لقضية المرأة، في السنتين الماضيتين في إطار تنفيذ برنامج WPP في المغرب والأردن والكويت، هو بمثابة الحجر الذي يُرمى في الماء ويخلِّف سلسلة متوالدة من الدوائر التي تطفو على سطح الماء وتتوسع…
***
[1]الباروميتر العربي (Arab Barometer) هو شبكة بحث غير حزبية مقرها جامعة Princeton في الولايات المتحدة، تعمل مع مؤسسات بحثية في البلدان العربية في إجراء المسوح والاستقصاءات منذ عام 2006.