د. جميل الدويهي
إفتح شراعَك، هذا البحرُ والمينا
في البُعْد نحن، وكاد البُعدُ يَطوينا
مشرّدون، كأطيار مشرّدةٍ
وليس من وطنٍ إلاّ قوافينا…
أبناءُ لبنانَ، في الأصقاع تعرفنا
ضاع الزمان، وغادرنا أسامينا…
هل تذكرون هنا… كم وردةً ركضتْ
من شوقها في الليالي، كي تلاقينا!
حديقةَ الشعرِ، لا ما أنت ناسيةٌ
قصيدةً لبِست فُلاّ ونسرينا..
وسيّد البيتِ للإبداع قال: هنا…
حبرٌ يصيرُ غناءً في ليالينا…
وألبس الحرفَ من أسراره ذهباً
فتلكِ كتْبٌ عن الأمجاد يحكينَ…
شعراً، ونثراً، وتاريخاًَ، فهل رجلٌ
أم عدةٌ من رجالاتٍ وفيّينا؟
أم قمّةٌ من ربى لبنان عاليةٌ
أم فكرةٌ أنبتت أرزاً، وشربينا…
هذا الكبيرُ، بلادي كيف تكْرِمه؟
كما تُكرّمُ شمسٌ في أعالينا…
تمثالُه في قلوب الناسِ قاطبةً
ما كان تمثاله ماءً ولا طينا.
من ذلك العهدِ تذكارٌ يخاطبُنا
وكم يعودُ بنا شوقٌ لماضينا!
أحلامنا فوق أدراجٍ محطّمةٌ
والبردُ في الشارع المهجورِ يؤوينا…
نمشي على الأرض، لكن لا بيوتَ لنا
إلا الشتاءُ الذي يبكي، ويُبكينا…
يا ذلك العمرُ في البترونِ… كم صُوَراً
كانت هناك… وما عادت تُحيّينا…
وكم حُروفٍ كتبنا في دفاترنا…
وكم حقولٍ زرعناها رياحينا!…
هذا الضياءَ الذي يختالُ موكبُه
على الجبال، سكبْنا من أيادينا
يا شاعراً من بلادي، قل لَمن سألوا:
هل المراكبُ غابت عن شواطينا؟
هل أنت في الروحِ، ما خالفتَ موعدَنا
ولو هجرنا، وكاد الموجُ يرْمينا؟
ما زلتَ من بيتِك العالي تحدّثنا
عن النجومِ التي غطّت روابينا
ما زال لبنانُ طِيباً في حقائبنا،
ولم نغادر به أهلاً محبّينا…
عنواننا لم يزل في الشرق… نعرفُه
لبنانُ من بعده نمحو العناوينا.
****
(*) القيت في مهرجان حديقة الشعراء – جران مساء ٢٠ اب وسط حشد من المثقفين والادباء واهل الفكر والمجتمع.