ولا أزال أبتكر الأحلام  (رسائل مهرَّبة) 50

صباح الخير والنِّعمة والسّلام والطّمأنينة؛ 

بل صباح القلق والحنين!

اِستيقظتُ فجرًا، يا وحيدتي، منذ ثوانٍ قصيرات.

أيقظني ديك جارنا بشارة. صياجه متألِّمًا بدا، ونافذًا. ما به، ديك بشارة، هذا الفجر؟! اِعتاد يسبق الشّمس بوقت قصير، دقيقة طويلة، أو دقائق سريعات، قصيرات. فما حدث له، الآن؟!

لعلّه لم ينم جيّدا هذا الّليل. فقد كان ليلا حارًّا، حتّى عندنا في الجبل العالي. أو هي حرارة قلبي عبقت في الجوّ فسيطرت، ما انعكس على نفسه وعوالمه والفكر؟ نعم يحدث مثل هذا، ولا عجب! إنّ الكائنات الحيّة تتشارك، تلقائيًّا، فيتأثّر كائن بآخر وينتشر الجوّ نفسُه.

ولعلّه يشعر بالوحدة، بل يحياها! فالوحدة تخرق النّفس، تمزّقها، تزرع فيها الألم القلق الحسرة المَلل الضَّياع… ما ينعكس ظلمة وظُلما فتَبَرُّمًا من حالات النّفس والرّوح الّتي تُداني رغبةً في الانتحار للتّخَلُّص ممّا نعاني عذابًا وقهرًا نحسب أنّهم أشدّ فَتْكًا وضَراوةً من الموت!

ولعلّه ولعٌ بالأحلام يبتكرها، يريد يحياها لطيفة مريحة تبذر السّعادة وتنتظرها تنتشر تعمّ تنبسط في الأجواء كلِّها، راقيةً، ساميةً، حرّةً، فرِحة مفرِحة. يعجز عن هذا. يحاول ويعجز. يحاول ويعجز. يستمرّ يحاول، يستمرّ يعجز. يرفض الانكفاء والانطفاء.  ويستمرّ ليل عمره محاولات فاشلة، ورفًضا غيرَ مُجْدٍ. ييأس، لا ييأس. تتأكّله الهموم. يستفزّه القهر. لا يموت ولا يحيا. 

ولعلّه…

لا يبقى أمامه إلّا الصّياح. يقول: أُوقِظ الشّمسَ. أُحيي الكائنات. اَلشّمس تقهر ظلمتَي الطّبيعة والنّفس. ولكن يخشى تستمرّ هذه رغباتٍ، أحلامًا، قصيّة، لا تأتي ولا تذهب. تعذّب. كلُّ عذابٍ قهرٌ، عتمة. شكلٌ من أشكال الانتقام! 

ويصيح! لكنّ الصّياح يستمرّ لا يُجدي. فلمَ يصيح الدّيك، ديكُ جارِنا بشارة، وأيّ ديكٍ آخر؟!

اَلسّؤال عينُه على مستوى آخر: لمَ أكتبُ، وهذه الرّسائل تحديدًا؟!

أكتب كوني أرى، اظنّ، أعتقد أنّ الكتابة خلاص. 

فهل هي؟!

نعمٌ ولا! 

فالكتابة خير ونعمة وسلام وطمأنينة. ولكنّها، وفي الآن ذاته، عذابٌ، قهرٌ، قلقٌ، حنين. وهذه ثنائيّات: في العذاب خير؛ في القهر نعمة؛ في القلق سلام؛ في الطّمأنينة حنين! هذا، كلُّه، استمرار لحالة ونقيضها. للإرادة والرّغبة. للعيش والحياة.

وحيدتي! وحيدة إرادتي ورغبتي؛ ووحيدة عيشي وحياتي. 

أثبت على الاستقرار هذا، جريحًا نازفًا، عاصفًا ساكنًا، ثائرًا هادئًا… فيمَ ينفع هذا؟!

في الشّكّ!

إنّ الشّكّ أساس الوجود، جوهر الحياة!

اترك رد