ذَنْب!  

           

الشاعر مُوريس وَدِيع النَجَّار

 

 

قُلتِ لِي، وَالغَيظُ جِلبابٌ كَساكِ،        أَنتَ ذَنبِي، وَأَراكَ، اليَومَ، شاكِ
أَنتَ مَن أَشعَلتَ في قَلبِي الهَوَى،       فَإِذا العُمرُ كَسِيرُ الطَّرْفِ بِاكِ
ما لَنا بِتْنا أَنا أَشكُو الأَذَى،             فَإِذا أَنتَ تُداعِي: ذا أَذاكِ؟!
أَنتَ يا مَن كُلَّما ضَمَّ الهَوَى  ـــــــــــ جانِحَينا قُلتَ لِي: عُمرِي فِداكِ
أَفَلا يَستَأهِلُ الحُبُّ الوَفا،         وَسَماعِي كُلَّ صُبْحٍ: يا سَناكِ؟!
قُلتُ: مَهْلًا. أَنتِ ضَيَّعتِ النُّهَى،    وَضَلَلتِ الدَّربَ، وَاسوَدَّت رُؤَاكِ
حِينَ صارَ الحُبُّ في عَينَيكِ ما    زادَ في الثَّروَةِ أَو ثَنَّى حِلاكِ
وَجَعلتِيهِ، بِهُزْءٍ، لُعبَةً               ما رَعَتها، في مَدَى الرِّيحِ، يَداكِ
أَوَتَنسَينَ حُرُوفِي صُغتُها                كَنُجُومٍ سابِحاتٍ في سَماكِ
فَحَمَلتِيها، تَتِيهِينَ بِها،                  بَينَ أَترابٍ دَهاها مُقتَناكِ؟!
كُنتُ عُصفُورًا شَجاهُ الشَّدوُ إِذْ           أَقبَلَت تَجتاحُ دُنياهُ خُطاكِ
جُرحُهُ لَسْعُ الهَوَى مِن آهَةٍ،             وشُعاعٍ أَرسَلَتهُ مُقلَتاكِ
أَنا مُذْ أَبصَرتُ عَينَيكِ انتَهَى            عالَمٌ كانَ، فَما مَرْمًى سِواكِ
وَغَزَت قَلبِي دُنًى جَيَّاشَةٌ،             ما تَراءَت في خَيالٍ، مُذْ رَآكِ
فَدَعانِي الحُبُّ واشتَدَّ اللَّظَى             وَهَوَى قَلبِي صَرِيعًا في رُواكِ
أَيَكُونُ الذَّنْبُ ذَنْبِي أَنَّنِي            غُصْتُ كَالمَسْحُورِ في فَيضِ طِلاكِ
وَحَفِظتُ العَهْدَ في الصَّدْرِ فَما           فَرَحٌ يُثْلِجُ إِلَّا مِن صِباكِ؟!
قَد عَشِقتُ الجُرْحَ في رُوحِي وَقَد        كانَ جُرحِي مِن تَبارِيحِ جَواكِ
وَغَدَت فَرْحَةُ يَومِي بَسمَةً              رَسَمَتها، في دَلالٍ، شَفَتاكِ
وَتَكَرَّستُ لِعَينَيكِ رِضًى،              فَمُنَى نَفسِي جَوارٍ لِمُناكِ
غَيرَ أَنَّ الدَّهرَ لَم يُبْقِ الوَفا،          فَلَوانِي حِينَ عَن حُبِّي لَواكِ
يَومَ دُسْتِ، بِغُرُورٍ ساذَجٍ،         عِزَّةً في مَن على الغِيْدِ اصطَفاكِ
مَن سَلا، في رَيِّقِ العُمرِ، الغِوَى،     وَمُرُوجَ الحُسْنِ، لكِنْ ما سَلاكِ
وَطَرَحتِ في هَشِيمِ الغَدْرِ ما             أَثمَرَ الحُبُّ جَنًى لِي، وَجناكِ
وَتَقُولِينَ بِأَنِّي جاحِدٌ؟!             سائِلِي ماضِيكِ عَنِّي، يا رَعاكِ؟!
خَفِّفِي الغُلْواءَ، فَالنُّورُ أَتَى،           يَكْشَحُ الظُّلمَةَ عَن غِرٍّ بَلاكِ*
وَيُنَقِّي الدَّربَ مِمَّا ذَرَّ في           رَحْبِها الأَفيَحِ، زَيْفًا، ساعِداكِ
فَفُؤَادِي، بَعدَ أَن ذاقَ النَّوَى       وَالتَوَى، باتَ بَصِيرًا بِالشِّراكِ
فَاترُكِي جُرحِي فَلِي مِ الجُرْحِ ما      غَسَلَ الأَوهامَ قَد أَعمَت فَتاكِ
لَستِ تَدرِينَ مَعانِي الجُرْحِ   ـــــــــــ فَالجُرْحُ أَسمَى مِن سَوادٍ في مَداكِ
رُبَّما، في قابِلٍ، قَد يَنجَلِي        وَهْمُكِ الواهِي، وَيَشتَدُّ حِجاكِ
وَلَقَد يَأتِيكِ يَومٌ فَإِذا   ـــــــــــ الكُفْرُ بِالعَهْدِ، بَرانِي، قَد بَراكِ!

***

 

* بَلا الشَّخصَ: جَرَّبَهُ، اختَبَرَهُ وامتَحَنَهُ

اترك رد