بقلم: نيلا النجار
رغم البرد القارص وجدتُ نفسي في أحضان مدينة وقلوب ممتلئة بالحنان والدفء، تجربة أثرت سيرتي الذاتية، قضيتُ أياماً حافلة بالقراءات الشعرية والندوات الأدبية والنشاطات الترفيهية والسهرات الفنية الراقية بكل المقاييس.
وصلت إلى مدينة توزر لأجد من يحتفي بحضور ابنة الشام إلى أرضهم الخضراء بأرقى استقبال وأجمل الابتسامات، من ثم تم نقلي وباقي الشعراء الذين وصلوا معي مباشرة إلى مقر إقامتي في وسط المدينة
افتتحت مدينة توزر موطن أبي القاسم الشابي فعاليات الدّورة الثالثة والثلاثين للمهرجان الدّولي للشعر بتوزر، بحضور جمهور غفير، وأشرف على حفل الافتتاح كلّ من السيدة سهام بادي وزيرة شؤون المرأة والأسرة، والسيد والي توزر.
انطلقت الفعاليات بكلمة الشاعر محمد بوحوش الذي أحال المدح بدوره إلى رئيس جمعيّة المهرجان الدّولي للشعر بتوزر الشاعر محمد شكري ميعادي الذي عرض في كلمته الترحيبيّة أهداف هذا المهرجان الرّامية إلى التقارب بين الشعوب وإشاعة قيم المحبّة والجمال والتآخي والتسامح، من خلال مقولة الشّعر. كذلك أُلقيت كلمات ترحيبيّة أخرى باللغتين الفرنسيّة والإنكليزية ألقاهما الشاعران محمد الأمين الشرف وسناء الهاني.
بعد ذلك تمّ تكريم ثلّة من المبدعين من بينهم: الأستاذ و الباحث التّوزري الشاذلي السّاكر، أحد مؤسسّي هذا المهرجان العريق الذي حملت الدّورة اسمه، الشّاعرة الكبيرة فضيلة الشابي بمناسبة إصدارها لأعمالها الكاملة، ومجموعة من الشعراء سواء عرب أو غربيين أثروا المهرجان بقراءاتهم الشعرية ونقاشاتهم الأدبية المُتخمة بالفكر الكبير و الثقافة الراقية.
تجربة طيبة
عن نفسي أنا سعيدة و فخورة جداً بهذه التجربة الطيبة بالذات بعدما حُرمت لفترة طويلة من المشاركة في نشاطات أدبية، بظل الوضع المؤلم الذي يعيشه وطني، و تونس منحتني تجربة أفخر بها…
في اليوم الثاني من وصولي منحنا القدر فرصة زيارة ضريح الشاعر الأسطورة أبو القاسم الشابي .. . تلك اللحظات التي وقفتُ فيها أمام ذاك الصرح الكبير كانت لحظات حملتني حيثُ آلاف الأفكار المُتضاربة، منها ذهولي بعمق اهتمامهم بمظهر القبر و كيف كتب على جوانبه أبيات كثيرة للشابي، وكم هي عظيمة تونس بوفائها لمبدعيها حتى بعد انتقالهم إلى رحمة الله سبحانه و تعالى.
أيضاً كم تملكني من الخشوع أمام إنسان قدسَتهُ و حفَظت حروفه ملايين القلوب .
همستُ للشابي في سري: “نم نومتكَ الأبدية هنيئاً فأنتَ في تونس … لروحكَ السلام”.
قصيدة دمشق
في حفل الختام كنتُ أول من يصعد إلى لمنبر وكنتُ الشاعرة الأنثى السورية الوحيدة
عوضاً عن وجود الشاعر السوري إبراهيم ناصيف، و قد صممنا أن تحمل قصائدنا
عنوان دمشق والتي كتبتها في مطار اسطنبول، قبل أن أستقل الطائرة المُتجهة إلى مطار قرطاج. صعدتُ المنصة برعشة أول ظهور لي، و قلت : سأكتفي بأن أقرأ قصيدة دمشق:
قالوا ..
هاتِ عن دمشقَ بضعَ أبيات
إحكي لنا عن الحال ..
عن البيوت .. عن العيون
و الطرقات
ماذا أقولُ .. ؟ و كيف أقول ؟
وهل في سردِ الشامِ ..
تَكفي الأبجديات !
هل تتشكلُ لها الحروفَ ..
كما نَشتهي !
وتُطّوع في ألسنةِ أناملنا
اللغات ؟
انحنيتُ عليّ ألتمسُ جملةً
تفجُر ..
غيضاً من فيضِ
المسامات
وقلت ..
هناك .. الياسمينَ أسطورةً
والشوقُ لعناقِ ثراها حكاياتٌ
وحكايات
شمّر الدمشقيُ عن ساعدهِ
وكتبَ بدمائهِ أعظمَ
البطولات
نطقَ بصرخةٍ سوريٌ أنا
بصمةُ تاريخِ أنا
عربيٌ تنحي لهُ القامات
لا تدمعوا ..
لا تدمعوا إن بسمةَ الشامِ
تألمت
عائدةٌ أرضَ المجدِ
والصلوات
كبّري أيا شام
كبري بِـ دماءِ شهدائنا حاربي
انزعي من صدورنا السهامَ
من بردى والفرات اجمعي
برداً وسلاماً لشعبنا المقدامَ
يا أرضاً طاهرة للتاريخ أكتبي
ارتقي ..
انتصري وأميطي اللثامَ
وختمتُ :
سلاماً من أرضِ المحبةِ
دمشق
يا شفاعة القيامة
انهضي أيا عذرائنا …
ستدق أجراس الكنائس
و تصدح مع المساجد انسجاماً
قد نذرت لشفائك ألف قصيدة
و نذر الكون يوم تنهضين
عن الدمع و الدم صياماً
غادرتُ المنصة و في أذني تلمع التصفيقات، هي ليست لي وحدي كلهم صفقوا لوطني لسوريا..
تكريم
بعد قراءات شعرية لأشقاء النبض و الحرف، سمعتُ اسمي بصوت مدير المهرجان الشاعر محمد شكري ميعادي الذي يشرفني هنا أن أستغل الفرصة لأقدم له تحية ملؤها الشكر والامتنان لحسن ضيافته وروعة أخلاقه كإنسان و شاعر يستحق كل التقدير والاحترام .
كنتُ ممن كرموا وحصلت على شهادة تقدير سلمني إياها قريب شاعرنا الكبير أبي القاسم الشابي، نسيبهُ المذهل بحرفه وعشقه للكلمة والمعنى والموسيقى الشاعر التونسي خير الدين الشابي، و أيضاً الشاعر التونسي الشاب معز عطي.
بعد ذلك استلم رئيس المهرجان الشاعر محمد شكري ميعادي شهادة تقدير من جوفانا بيايا، مفوضة من عمدة مدينة رافينا ، فابريسيو مايتوشي، قدمتها له الشاعرة الإيطالية روسانا إيمالدي.
بعد توزيع شهادات التّقديرعلى الضيوف والتقاط الصور الأخيرة، تُلي البيان الختاميّ للدّورة الذي نوه بالتطوّر اللاّفت الذي حققه المهرجان لاسيّما من ناحية نوعيّة المشاركات وعدد الدّول الممثلة، ممّا يجعله مهرجاناً دوليّا بامتياز، ويخوّل مدينة توزر إلى أن تكون عاصمة دوليّة للشّعر كلّ سنة، وتضمن تّوصيات من بينها: فصل المداخلات العلميّة عن القراءات الشّعريّة، مزيد من الانفتاح على الشّعر العالميّ باستضافة مزيد من البلدان، علاوة على ترجمة نصوص المشاركين و نشر فعاليات الدورة في كتاب جديد يوزع في دورة جديدة .
أختم بفخري الكبير وبتحية عظيمة لكل الشعراء والرسامين و الموسيقيين وأساتذة اللغة العربية وكل من تشرفتُ بالتعرف إليه من خلال هذا المهرجان القدير. والأهم ألف انحناءة للشعب التونسي المضياف والراقي الذي يستحق كل الامتنان على حسن استقباله. كذلك أود أن أوجه له جملة من هذا المنبر:
كل كلمة ترحيب بي كسورية سطعت بآذاني وكل دعوة لوطني أثلجت مدامعي سأحفظها أبداً باقية في عمق القلب، فصدقاً أنتم حقاً خير أهل وخير صحبة .
1- 2- الشاعرة نيلا النجار تلقي قصيدتها في المهرجان
3- تتلقى شهادة تكريمية من الشاعر التونسي خير الدين الشابي
4- الشعراء في ضيافة مدينة توزر