د. محمد توفيق أبو علي… قبس للفكر الحرّ

الخميس 13 يونيو 2019 حضرنا تكريما للعميد الاستاذ الدكتور محمد توفيق أبو علي

فلو أردت قول كلمة فماذا كنت لأقول ؟؟؟؟

أ‌. د. محمد توفيق أبو علي: إنه “ابن كامد اللوز” القرية الوادعة التي أسبغت عليه رداء من نقاء إذ ترعرع بين أحضان تلك الأرض البكر التي لم تلوثها الحضارة، وتشربت منها نفسه طيبة وصدقًا نضحت بهما أخلاقه كإنسان يعي معنى الانتماء كما يعي قيمة الإنسان والهدف من وجوده، وهو إعمار هذه الأرض وليس التقاتل عليها في وطن الطوائف والملل والأحزاب.

هو مثال للمواطن اللبناني الأصيل، وذلك لأنه لبناني بامتياز، لبناني الهوى والفكر والثقافة، متحرر في أفكاره من قيود التقوقع بقدر إيمانه بأهمية لبنان، وطنا للحرية والعزة والإباء، وطنا لكل أبنائه على حد سواء.

هو العميد السابق لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية الحائزٌ على دبلوم دراسات عليا في كلية التربية (1982)، ثم دكتوراه اختصاص في اللغة العربية وآدابها من جامعة القديس يوسف (1983)، فدكتوراه الدولة اللبنانية من الجامعة اللبنانية (1999) .

متنوع الثقافة تحار في اختصاصه فمن العصر الجاهلي بعاداته وقيمه إلى الحياة الجاهلية بصورها الاجتماعية إلى الأمثال والحكم العربية ودلالاتها فعلم العروض ومحاولات في تجديده إلى طرق في تدريس اللغة العربية وفق المناهج الجديدة فدورات تدريبية للأساتذة في التعليم الثانوي والمتوسط إلى تأليف سلاسل تعليمية للغة العربية لكلتا المرحلتين. له جمهرةٌ من المؤلفات المطبوعة في الأمثال العربية والأدب الجماهيري وعلم العروض ومواضيع مختلفة كما له الكثير من البحوث والمراجعات العلميّة والمقالات.

قدِّر لي أن التقيته في دورة تدريبية لأساتذة التعليم الثانوي، إذ كان هو المحاضر الذي ترك في نفوسنا أثرا طيبًا يرشح بالإخلاص والتفاني كما ينضح بالتمكن من العربية ، ذلك أنه ما بخل علينا في تذليل صعوبات تعليمية أو في توجيهنا إلى مرجع ذي فائدة في التدريس. لقد حفرت في ذهني هذه المواقف مثالا لأستاذ همه العربية والعربية لا غير .

وأذكر أن المرة الأولى التي عرفته فيها لم تكن كأستاذ مدرب بل كانت عن طريق الشيخ صبحي الصالح رحمه الله أستاذنا في الجامعة اللبنانية في مرحلة الماستر فقد كنت أتتلمذ على فكره في مادة قضايا لغوية، وكنا نجتمع في مكتبه أنا وبعض الزملاء الشماليين فمن كان يصل الى بيروت مبكرا قبل وقت المحاضرة بساعات يقصد المكتب حيث كان الشيخ المعطاء يكرمنا فيفتح لنا مسابقات طلاب السنة المنصرمة في المادة نفسها ونقرأ الأسئلة وإجابات الطلاب المتفوقين فقط وعرفنا من بينهم محمد توفيق أبو علي بالاسم فقط ولكنا لم نكن لنعرفه شخصيًا إلا بشكله من بعيد .

وقد قصدته مرة أخرى في طلب لمناقشة ديواني الشعري الأول ظلال على الورق وكنت ما زلت طالبة دكتوراه حينها فما خذلني بل تكبد عناء الانتقال مع الدكتور الأستاذ علي زيتون إلى طرابلس تلبية لطلبي حيث كان لهما مطالعة غاية في النقد الراقي الهادف ، فلهما كل الشكر .

mhamad abou ali

وعرفت عميدنا كذلك يوم عُيِّن قارئا من القراء في أطروحتي لنيل الدكتوراه إذ أهداني عن طريق المشرف الملاحظات التي عملت عليها بكل دقة فكانت إرشاداته غاية في الأهمية .

وعرفته أخيرًا كما عرفه زملاؤنا الأساتذة عميدًا لكلية الآداب فكان خير مسؤول يعلم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقة فكان يصوب لنا المسار ويرشدنا كلما قصدناه في مشاغلنا الاكاديمية …

فكيف أعرِّفُه؟

من خلال معرفتي به وبأدبه وبفكره : هو الأستاذ الدكتور محمد توفيق أبو علي العميد السابق لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية، إنسان غاية في التواضع والخلق الرفيع ، أستاذ متمسّك بالتراث، مع الانفتاح على المعاصرة.

صديق للحرف يسبكه على هواه، تشكِّله جمراتٌ حارقةٌ تقضُّ منه المضجع : الوطن والإنسان، الجامعة والطلاب، العربية وأهلُها.

طبيب ، ذلك أن مجتمعنا يعيش أزمة قيم، وبالتالي يسعى حثيثا عبر مثقفيه وكل ذي فكر خلاق في طلب سكينةٍ للروح المتجذرة في المعاناة، يسعى إلى الخلاص .

وقد قيل “إن كلية الآداب تحمل الدواء، لأنَّ المجتمع برمته لا يحتاج إلى طبيبٍ فحسب بل يحتاج إلى شاعرٍ ينتقل به من ليل الهواجس إلى فضاء الطمأنينة والراحة.”

وعند العميد السابق البلسمُ السحري، كيف لا وهو القائل “لا أستطيع البتة أن أفهم شاعراً أو أديباً لا يلتزم الوجع الإنساني، ولا يعبّر عنه بما يليق به”.

مهنته : ملاك في حفظ لغة الضاد بوظيفة ثابتة، حارس لأحراشها من مدمني لغة الإنترنيت العقيم ومخربي هذه اللغة باللحن فيها ، أما أجره فالمتعة في سماع الترنُّم بها فصحى، وكم يحلو بها المقام!

إنه الأديب الملتزم فأن تكون شاعراً ملتزماً، يعني في رأيه ” أن تجعل حرفك حجرا يرميه أطفال فلسطين في وجه الطغاة، ويعني أن تكون واحة وجد لكل واجد” . ، “أن تكون ملتزما يعني أن تكون جامعاً الصدق والجمال في التعبير عنه”

فالصدق عند “أبو علي” هو أن تكون الكلمة مرآةً للروح تفصح عن مكنوناتها بغياب الرقابة المتكلفة، وهنا الجمالية الآسرة التي لا تحدها قيود للإبداع، فما ينبع من القلب محطه القلب، وما يكون من اللسان لا يتجاوز اللسان .

سر الإبداع في الشعر ليست الأشكال ولا الأوزان فمع أنه أستاذ في مادة علم العروض في الجامعة اللبنانية المتمكن منها الدؤوب على التأليف فيها كتبا ومقالات تحمل الهم العروضي، فقد بين أن الهدف من كتابة الشعره أن يشعر المتلقّي بجمالية ما يجذبه إلى النص ولا يستطيع منها فكاكاً. ففي رأيه أن الشعر خارج الوزن العروضي أصعب بكثير من الشعر ضمن الأوزان

ولأنه نصَّب نفسه حاميا للتراث وبرجاسًا للغة العربية نجده لا ينفك يبيح أسرارها لشعرائنا الشباب الذين يستسهلون الكتابة من دون حيازتهم ذخيرة تراثية تؤهّلهم أن يعيدوا صوغ التجربة الإنسانية، بما يقيم تواصلاً بين التراث والمعاصرة. فيؤكد على وجوب البحث عن التناغم بين إيقاع اللفظ وإيقاع النفس.

ما للنخيل نأتْ عن قُضْبِهِ الرُّطَبُ وما لحلْمٍ نأتْ عن دربِهِ الهُدُبُ

القحطُ أيبس حرفًا في معاجمنا والغيثُ خُلَّبُ برقٍ ماؤه كَذِبُ

يا ضادُ إنّي لأرجو اليومَ غادِيةً على الحناجر حتّى يَنْطِقَ العَرَبُ!

مسيرة أكاديمية نيرة يفخر بها كلُّ محفل أدبي، وتعتز جامعتنا أن احتضنت هذا القبس لسنوات مشعلا للفكر الحر ومنهلا لكل طالب يروده يغرف من عطاءاته حتى الثمالة، فالتفاني والصدق والإخلاص جدائل من أنوار أخلاقه، لا طالب في حضرته يخشى الضياع ولا مريد لعلمه يتقهقر أمام أنانية العطاء، فهو المرشد والناصح ،عملة نادرة في عصر المادة والمحسوبيات.

أنتم عميدنا الكريم وشاعرنا الراقي الأستاذ الدكتور “محمد توفيق أبو علي” تستحقون كل التكريم.

 

One comment

  1. يقول محمد نجيب زغلول:

    أعزك الله دكتورة وبارك فيك وزادك كل يوما علما وفهما وعملا به وتعليمه وأعلى مقامك وجعله فى ميزان حسناتك وجزاك المولى عز وجل عنه خير الجزاء ياااااارب.

اترك رد

%d