أدب الحبّ في “عشيقُ أُّمي”

elie maroun khalil

feather_pen 111 يوسف طراد

مئتان وتسعة وستون ورقة هي بمثابة كتاب وامتداد لكلّ ما يهز القارىء في الأسلوب، المعنى والمبنى، مع ذكاء فطن في السرد السلس والربط القوي من خلال رواية (عشيق أُمي) للأديب إيلي مارون خليل الصادرة عن دار سائر المشرق.

كاتبٌ تخطّى جرأة الغرب وانفتاح المجتمع فيه، فعند قراءة الرواية يعاودك الفيلم الأميركي (كلاس) في ثمانينات القرن المنصرم للمخرج جون كارلينو، بطولة روب لوي، جاكلين بيسيه وروبر تسون. أوجه الشبه بين قصّة الكاتب والفيلم هي الفكرة فقط، فالرواية تضاهي الفيلم في المعنى، الأسلوب والسيناريو. قصّة الفيلم الأميركي شاب عشق والدة زميله في الدراسة من دون أن يعلم من تكون هذه المرأة وما هي صلتها العائلية بزميله، مما سبب غضبًا وعراكًا بين الشابَّين عند اتضاح الحقائق، خلافًا للقصّة حيث أن فتاةً لا شابًا ارتضت لوالدتها عشيقًا وكانت لها المشجّعة الأولى رغم أسئلتها المحرجة عن الجنس في أوّل الرواية ورغبتها الملحّة لعودتهما لبعضهما في آخر المطاف، فقد صوّر الكاتب الوعي الاجتماعي في عالمنا بأسلوبٍ بعيد عن الحرج خلافًا للعادات الشرقية التي ظهرت خجولة خلال السرد المكتنز بالتشويق البعيد عن التقاليد المكبلة. عَرضُ هذا الوعي أظهر سخافة العلاقة الاجتماعية للمجتمع الأميركي الذي تقبل قصّة فارغة من مضمون حبّ أو علاقة عميقة وسيطرة السطحية على أحداثها، رغم الازدحام على شباك التذاكر عند عرض الفيلم.

قسمان في الكتاب: عرض العشق قبل اللقاء وعرض اللقاء مع الارتباط الروحي الذي طغى على الارتباط الجسدي. الملاحظ هو الانتقال الفجائي بين القسمين، فما يكاد القارىء ينهي شغفه بالقراءة للقسم الأوّل حتى يمتلكه شوق إلى النهاية من خلال اسلوب كتابي لا يُمل منه يُملي صفة المتحدّث لكلّ من الأبطال، فيأتي مضمون القصّة كاملة على لسان أبطالها.

إذا كان الأدب تعبيرًا عن قناعة الكاتب على لسان أبطال القصّة، نستطيع القول إن الراوي يجل المرأة إجلالًا جمًا ضمن وقار ملحوظ عندما ينتقد تصرف (كأنما هي جسد أُفرغ من مضمونه-جوهره). أو عند تيمنه بروح عشيقته (هي روح عفيفة تمشي، لا أخدش الروح). العلاقات الروحية تعنيه قبل الجسدية في كلام بطلة القصّة (الجنس؟ لم نفكّر بالأمر! في هذه الحالة، يأتي تلقائيًا، أو لا يأتي! لا أبحث عنه أنا! أنا أبحث عن الدفء، الحنان، الاحترام، التقدير، الحبّ…) إلى أن يأتي كلام خلال الانفصال يبيّن حاجة الإنسان للغة الأجساد (الجسد طريق إلى النعمة والنعيم).

عنوان الرواية يضعك في ملاحقٍة افتراضية لبطل قصّة (عشيق أمي) بينما جميع الأضواء موجّهة إلى البطلة (الأم)، لم تخلُ صفحةً من وصف موهبتها، فكرها، ثقافتها، وجسدها المثير، بالرغم أن محور القصّة حديث للابنة.

عبرٌ عديدة خلال النص من محصّلتها أنه بعد سن المراهقة وعند البلوغ يصبح الحبّ أقوى بالمعنى، التنفيذ والاقتناع، يُسكن الكاتب الفكرَ فلسفةً روحانية خارج إطار الأجساد تؤكّدها العبارة التي وردت في النص (الذي تريده المرأة من الرجل ليس ما يريده أيّ رجل من المرأة). إيلي مارون خليل لم يتفرّد بعرض الحبّ وصفًا وتشويقًا، فجميع الروائيين يتقنونه بامتياز، لكنه عَرضَ هذا الأدب وكأنه يصف علاقة نحلة بزهرةٍ لا تحتاج إلّا إلى رحيقها أو علاقة الريح بالقصب فتُولد سمفونية الطبيعة الأزلية كما وُلدت رواية (عشيق أُمي)، فكان أدب الحبّ في روحها وسطورها.

(الأربعاء 12 حزيران 2019)

***

(*) موقع مون ليبان.

اترك رد