صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب جمال كمال محمود البحر الأحمر في الاستراتيجيا العثمانية (1517-1801)، ويتناول أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية والاقتصادية خلال العصور القديمة والوسطى، ابتداءً بالفراعنة، مرورًا بالإغريق والرومان والدولة الإسلامية خلال عهودها المختلفة، وانتهاءً بسلطنة المماليك وتعاونها مع الدولة العثمانية لمواجهة الخطر البرتغالي.
كذلك يتناول محاولات القوى الكبرى السيطرة عليه، وسياسة الدولة العثمانية في البحر الأحمر ومدى نجاحها أو إخفاقها في الدفاع عنه ضد الخطر البرتغالي، ورؤية الدولة العثمانية في الإستراتيجيا التي اعتمدتها فيه، والمتمثلة في إغلاقه أمام السفن الأوروبية، ومدى نجاح العثمانيين في تطبيق منظومتهم الأمنية فيه. ويتألف الكتاب (227 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمة وستة فصول وخاتمة وعشرة ملاحق.
العصر العثماني والبحر الأحمر منذ القدم
عرض المؤلف، في الفصل الأول، “البحر الأحمر قبل العصر العثماني”، الكيفية التي كان بها البحر الأحمر موضع اهتمام الفراعنة أولًا، ثم الإغريق والرومان والدولة الإسلامية، وانتهاءً بالمماليك. فالمصريون القدماء سيطروا على هذا البحر بأسطولهم التجاري والعسكري. واهتم الإسكندر المقدوني بالبحر الأحمر. وورث الرومان مشروعات الفراعنة والإغريق فيه، ونشّطوا التجارة وقضوا على القرصنة. وبعد قيام الدولة الإسلامية، سيطرت على البحر الأحمر فأصبح بحرًا إسلاميًّا خالصًا. حين هدد البرتغاليون بإغلاق البحر الأحمر وهاجموا موانئه، استعان المماليك بالدولة العثمانية التي دافعت عن البحر الأحمر وطهرته من الوجود البرتغالي.
وناقش الفصل الثاني، “امتداد السيادة العثمانية على البحر الأحمر”، تحوّل الدولة العثمانية بفتوحاتها من أوروبا إلى الشرق واستيلائها على الشام ومصر، وتحوّل تبعية الحجاز إلى الدولة العثمانية، والحملات العثمانية على اليمن، على نحوٍ أدّى إلى جعل البحر الأحمر بحيرة عثمانية خالصة. فالدولة العثمانية نجحت في بسط سيطرتها التامة على البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، وإن كان الساحل اليمني قد بقي بمنأى عن السيطرة العثمانية خلال العصر العثماني المديد، وكان لإحكام سيطرة الدولة العثمانية على البحر الأحمر أثره في دورها في مواجهة البرتغاليين.
الملاحة في البحر الأحمر ودور الدولة العثمانية في الدفاع عنه
بحث المؤلف في الفصل الثالث، “دور الدولة العثمانية في الدفاع عن البحر الأحمر”، حسم العثمانيين المواجهة مع البرتغاليين وانتهاجهم إستراتيجيا جديدة، تتمثل في إغلاقه أمام الملاحة. لم ينجح العثمانيون في الوصول إلى السويس إلا في نهايات القرن الثامن عشر، على الرغم من محاولات أوروبا فتح البحر الأحمر أمام سفنها. واعتمدت الدولة العثمانية منظومةً للأمن في هذا البحر من خلال أسطولها وقواعدها العسكرية التي مكّنتها من الدفاع عنه، في وقت فكر فيه العثمانيون في شق قناة تربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط.
تطرق الفصل الرابع، “الملاحة في البحر الأحمر”، إلى نشأة علم الملاحة عند العرب والتعرف إلى موانئ البحر الأحمر المختلفة وسفنه والملاحة ومعوّقاتها ومخاطرها. أبرز هذه المعوقات: ريح الأزيب أو الجنوب، وريح الشمال، وريح الدبور، وريح الصبا، وريح الصورم، والصخور الكثيرة، والشعاب المرجانية، وارتفاع درجة الحرارة، وزيادة نسبة الرطوبة. وبحسب المؤلف، ما كانت الملاحة في البحر الأحمر يسيرة، “إلى درجة أن ابن ماجد يعدّ البحر الأحمر أوسخ بحار الدنيا، حيث تنشط فيه الرياح المتعددة، والشعاب المرجانية والتجاويف والحفر والكهوف، إضافة إلى الحرائق التي كانت تهب في السفن أحيانًا، وهجمات البدو ونهبهم. وبقي البحر الأحمر، على الرغم من ذلك كله، شريانًا ملاحيًّا مهمًا للغاية، خصوصًا من الناحية التجارية”.
ضعف الدولة العثمانية والتجارة عبر البحر الأحمر
خصص المؤلف الفصل الخامس، “التجارة عبر البحر الأحمر”، للتعرف إلى تطور تجارة البحر الأحمر والبضائع التي تمر عبره. يقول المؤلف إن دخول منتج جديد، البن اليمني، مجال التجارة عبر البحر الأحمر، وازن تجارة التوابل التي يحصل عليها الأوروبيون، على الرغم مما أصاب التجارة من ضعف بعد وصول الهولنديين والإنكليز ثم الفرنسيين إلى المياه الشرقية. ويختم الفصل بالقول: “كان البخور والعاج والخزف الصيني والششم والمرّ والصبر ومواد الصباغة، إضافة إلى سلع أخرى، تجد طريقها عبر البحر الأحمر وموانئه المختلفة، على نحو جعله شريانًا تجاريًّا بقدر ما كان شريانًا ملاحيًّا، وإن شهدت تلك التجارة عبره تغيرات، خصوصًا منذ أن بدأ الضعف يدب في أوصال الدولة العثمانية، الأمر الذي أثّر في استراتيجيتها في البحر الأحمر”.
تناول الفصل السادس، “ضعف الدولة العثمانية وأثره في استراتيجيتها في البحر الأحمر”، عوامل ضعف الدولة العثمانية الداخلية والخارجية، وأثر ذلك الضعف في إستراتيجيتها في البحر الأحمر، خصوصًا بعد وصول السفن الأوروبية إلى السويس مباشرة، وتأجج التنافس الدولي في البحر الأحمر إبان الحملة الفرنسية. وبحسب المؤلف، كان وراء تراجع الدولة العثمانية ابتعاد أبناء السلاطين عن الاستعداد للحكم والتدرب على مهماته، وعجز الصدور العظام عن ملء فراغ السلطة، إضافة إلى تراجع حال الجيش، وتدهور الدولة العثمانية في الجبهة الأوروبية، خصوصًا الهزائم المتتالية من أسرة هابسبورغ، والصراع مع روسيا، ثم الصراع العثماني – الصفوي.
وجاءت خاتمة الكتاب عرضًا لأهم النتائج التي توصل إليها المؤلف في كتابه.