بقلم: سعد علي (رويترز)
للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية، يهدد الكساد العام وتراجع الإنتاج مئات الألوف من العاملين في صناعة كانت يوماً من أهم مصادر الدخل القومي، بأفلام لم تبخل بالبطولة على نجوم عرب مقيمين في مصر وأسهمت أسماؤهم في توزيع الفيلم المصري.
وحققت السينما المصرية منذ الثلاثينيات مكانة فنية وثقافية بارزة لمصر في العالم العربي، وكان الفيلم المصري يوزع في دول أجنبية منها: اليونان، النمسا، سويسرا، فرنسا، البرازيل، إيران، تركيا، إيطاليا، ألمانيا، بريطانيا، إثيوبيا، جنوب إفريقيا إضافة إلى عموم العالم العربي.
وفي السنوات الأخيرة لم تعد الدولة تعنى بإنتاج الأفلام. ومع غموض المشهد العام خلال حكم الإخوان المسلمين لمصر أحجم المنتجون عن المغامرة واقتصر الإنتاج على الأفلام ذات الطابع التجاري باستثناء بعض الأفلام المستقلة التي حصدت جوائز في مهرجانات محلية ودولية.
بطالة وتأجيل
أعرب نحو 300 ألف عامل في صناعة السينما بمصر عن مخاوفهم من التعرض للبطالة والتشرد رغم عملهم في إنتاج سلعة قابلة للتصدير وتحقيق عائد اقتصادي كبير.
ففي 19 سبتمبر قال سينمائيون مصريون في بيان إن تراجع إنتاج الأفلام يهدد صناعة السينما التي “تمر الآن بلحظات فارقة ومشكلات متفاقمة تسببت في أزمة طاحنة تهدد بانهيارها، إذ لا يزيد عدد الأفلام المنتجة في 2013 عن 15 فيلماً بعدما كان متوسط الإنتاج السنوي أكثر من 40 فيلماَ خلال العشرين عاما الماضية.
ووسط صعوبة إنتاج أفلام روائية طويلة انتعش إنتاج الأفلام الروائية القصيرة التي تدعمها مؤسسات رسمية، منها: المركز القومي للسينما، ويسهم في الإنتاج أيضا مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية الذي ينظم ورشة للإنتاج سنويا يشارك فيها متدربون شباب عرب وأفارقة بإشراف المخرج الإثيوبي البارز هايلي جريما.
شهد عام 2013 استمراراً لغياب ما يراه مراقبون وهجاً سينمائياً وفرحاً بأفلام عالمية كانت تعرض في “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” الذي ألغي عام 2011 بسبب عدم الاستقرار الأمني، عقب إنهاء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في فبراير 2011.
أما دورة 2012 فأقيمت بصمت داخل قاعات دار الأوبرا المصرية، وألغي حفل الختام في دار الأوبرا القريبة من ميدان التحرير الذي كان يشهد آنذاك تصاعداً للاحتجاجات على الإعلان الدستوري المثير للجدل، والذي أصدره الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في 21 نوفمبر 2012.
وتفاءل متابعون بتولي الناقد سمير فريد رئاسة المهرجان، وأعلنت وزارة الثقافة في 13 أغسطس أن الدورة السادسة والثلاثين ستقام في نوفمبر 2013، وأن مجلس إدارة شكل لإدارة المهرجان للمرة الأولى في تاريخه، يضم ستة أعضاء يمثلون المؤسسات السينمائية الحكومية والأهلية وسبعة مخرجين.
ولكن مجلس إدارة المهرجان قرر بعد أسبوع تأجيل الدورة الجديدة إلى سبتمبر 2014 على أن ينظم المهرجان طوال العام برامج سينمائية منها معارض لملصقات الأفلام وإصدار كتب وعقد ندوات.
ولكن تأجيل “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” لم يمنع إقامة ثلاثة مهرجانات للسينما في نوفمبرهي: “مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة”، “المهرجان القومي للسينما” الذي يهدف إلى تشجيع الإنتاج المحلي الروائي الطويل والقصير والتسجيلي والرسوم المتحركة، بمنح جوائز لأفضل الأعمال التي أنتجت عامي 2010 و2011، و”بانوراما الفيلم الأوروبي”.
وخارج القاهرة أقيم في مارس “مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية” الذي تنظمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، وهي غير ربحية وتعمل في مجال الفنون والثقافة منذ عام 2006، وأهدي إلى التونسي الطاهر شريعة (1927-2010) مؤسس مهرجان أيام قرطاج السينمائية (1966)، والمخرج المصري عاطف الطيب (1947-1995).
وبسبب الظروف الأمنية تأجلت الدورة الثانية لـ “مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية” الذي يقام في المدينة الأثرية الجنوبية نفسها، إلى يناير 2014، يشارك في دورته الجديدة 62 فيلما من 20 دولة.
وخارج القاهرة أيضا أقيمت في سبتمبر الدورة التاسعة والعشرون لمهرجان الإسكندرية السينمائي لأفلام دول البحر المتوسط.
أفلام مستقلة
ولكن تعثر تنظيم بعض المهرجانات وتراجع عدد الأفلام لم يمنع وجود أفلام مستقلة أنتجت بميزانيات محدودة ونافست في مهرجانات خارج مصر وحصلت على جوائز.
ففي نوفمبر نال فيلم “الخروج للنهار” جائزة أفضل تصوير لمدير تصويره محمود لطفي في مهرجان سالانيك السينمائي، وكانت هالة لطفي مخرجة الفيلم حصلت في أكتوبر 2012 على جائزة أفضل مخرج من العالم العربي عن الفيلم نفسه الذي نال أيضاً جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) مناصفة مع الفيلم الوثائقي الطويل “عالم ليس لنا” للفلسطيني مهدي فليفل.
وفي أكتوبر الماضي حصل فيلم “هرج ومرج” أول أعمال المخرجة نادين خان على الجائزة الكبرى “الوهر الذهبي” في “مهرجان وهران للفيلم العربي” مناصفة مع الفيلم السوري “مريم” لباسل الخطيب.
أما فيلم “فتاة المصنع” لمحمد خان ففاز في مهرجان دبي السينمائي بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) ونالت بطلته ياسمين رئيس جائزة أفضل ممثلة.
وفي المهرجان نفسه فاز فيلم “اللي بيحب ربنا يرفع ايده لفوق” للمصرية سلمى الطرزي بجائزة أفضل فيلم تسجيلي، ومنحت لجنة التحكيم شهادة تقدير خاصة للفيلم التسجيلي “الميدان” للمصرية جيهان نجيم.