بقلم: الأديب إيلي مارون خليل
كنتُ أتساءل، في أحيانٍ كثيرة، أسئلة تُشكّك في عقلي، في معرفتي؛ تُشَكِّك في قدرتي على التّفكير المنطقيّ السّليم. هذه الأحيان باتتِ الآن، أكثر من كثيرة.
وأتساءل، هذه الفترة، لماذا باتت هذه الأسئلة، الآن، أكثر من كثيرة؟ ألأنّ العمر تقدّم بي؟ ألأنّ عقلي نضج، أم شَحَّ؟ ألأنّ قدرتي على الرؤية والرّؤيا زادت، أم قلّت؟ ألأنّ رغبتي في الاستماع تزايدت، أم تقلّصت؟ ألأنّ حياتي هادئة مطمئنّة، أم آسنة مُسئمة؟
وتُطِلُّ العشرات من مثل هذه التَّساؤلات المُشكِّكة، المسنونة، المُقلِقة، المؤلِمة، النّازفة، أبدًا، من نفس جريح، وذهن ذبيح، وإقامة في الرّيح.
وما قيمة الأسئلة إلّم نجد عنها إجابات؟ وما قيمة الجواب إن بدا مَشوبًا بالتّقيّة، بالـ”مُجانَبة”، بالحذَر، بالغُموض، بالمُداهَنة، بالرِّياء… بالـ”دّيبلوماسيّة”؟
مَن يُعطيني أجوبة مُقنِعة عمّا يحصُل، اليوم، في الوطن “المُفَدّى”، في “هذا البلد”، ولا يذكرون اسمَه! لَكأنّ من العار أن يُذكَرَ لبنان بالاسم!
أأنا غبيٌّ، أم صَبور!؟ أأنا أسمع، أم يتناهى إلى مسامعي؟ أأنا أرى، أم يتراءى لي أنّني أرى؟ أأنا أقرأ، أم بتّ أُمّيًّا؟ وإن سمعتُ أو رأيت أو قرأت أو… أأفهم، أم أصبحتُ عديمَ الفَهم؟
أهؤلاء اللّبانيّون لبنانيّون، أم مُجرَّد مُقيمين؟ ألبنانيّون، أم مُستأجرون؟ ألبنانيّون، أم ضُيوف؟ ألبنانيّون، أم منتظِرون أمرًا ما ليتصرّفوا بإيحاء، بتأثير، بطلب، برأي، بإشارة من…؟ ومَن هو هذا الـ مِن؟ جماعة؟ جهة؟ دولة خارجيّة؟ دويلة داخليّة؟ مشترَكة؟ صحيح: مَن هذا الـ من؟
طابور خامس؟ سادس؟ عاشر؟ استخبارات أميركيّة؟ روسيّة؟ لمَ ليست صينيّة؟ فرنسيّة؟ إيرانيّة؟ سعوديّة؟ مصريّة؟ لمَ ليست من… “كلّو”؟ مصالِح… مصالِح… إلّا مصلحة… لبنانيّة!
“تقسيمات” من “هنا” و”هناك”. “تنغيمات” من “هنا” و”هناك”. “جسّ نبض” من “هنا” و”هناك”. “إستدراجات” من “هنا” و”هناك”. “إلهاءات” من “هنا” و”هناك”. وبين الـ”هنا” والـ”هناك”، آلافٌ من “هنا” و”هناك”. ما يُلهي عن الجوهر المطلوب أساسًا.
وأبتعد في التّساؤل. لماذا يحصُل ما يحصُلُ، الآن و”هنا”؟ لماذا مع “هذه” الجماعة، أو الفئة، أو “هذا” الفصيل، أو الـ”فلان”؟ لماذا “استهداف” مؤسَّسة الجيش، لا أيّة مؤسَّسة أخرى؟ لماذا هذه الوزارة، لا أيّة وزارة أخرى؟ لماذا هذه المصلحة، لا أيّة مصلحة أخرى؟ لماذا هذه المؤسَّسة التّربويّة، لا أيّة مؤسَّسة تربويّة أخرى؟ لماذا هذه الشّركة، لا أيّة شركة أخرى؟ لماذا هذا المصرف، لا أيّ مصرف آخر؟… إلى ما هنا وهناك وهنالك من الـ”لماذات” الكثيرة!
ألأنكى، ما يزيدني غباوة في التّفكير، أو قهرًا في النّفس، أو انكسارًا في الرّوح، أو طعنًا في الكرامة، أو خبلا في العقل، أنّ اللّبنانيّ، اللّبنانيّ الأصيل، ساكتٌ مع أنّه يسمع؛ مُتَعامٍ مع أنّه يشهد ويشاهد؛ يُزكِم أنفه مع أنّه يُحسِن الشّمّ؛ لا يستمرئ مع أنّه حَسَن الذّوق؛ لا يشعر مع أنّه حسّاس…
بصمتٍ، أَغضبُ، وأستمرّ أتساءل. تستمرّ مَرارةُ وِجداني. تتعمّق آلامُ نفسي. تنزّ جراح روحي. أفيض بالأسئلة ولا أجوبة. أضيع ولا بوصلة. أفتقد التّركيز ولا مُرشِد. أتّهم على شكل تساؤل: ما به هذا اللّبنانيّ، زميلي في الأرض والهواء، شريكي في المواطنيّة، لا يتحرّك، لا يُعلِن انزعاجَه بصوتٍ عاالٍ، لا يصخب، لا يصرخ، لا يتحدّى؟ أهو قانعٌ، أم مستسلِم؟ أهو راضٍ، أم غيرُ مُبالٍ؟
فإن كان قانعًا، كان عديم الطّموح. عديم الطُّموح لا يُحِبّ ذاتَه ولا الآخر. وإن كان مستسلِمًا، فهو يائس. أليائسُ لا يحيا، ولا يُحِبّ الحياة لآخر. وإن كان راضيًا، فهو لا يعرف الأفضل. ألجاهل الأفضل، لا يستأهله. وإن كان غير مُبالٍ، فهو لا يستحقّ شيئًا جميلا!
أللّبنانيّ! أللّبنانيّ!
أمِن لبنانيٍّ، بعدُ، في هذا الـ”لبنان”!؟ أين هو؟ بِمَ يفكّر؟ ماذا يفعل؟ ألا يرى لنفسه دورًا؟ ألدّورُ لا يُعطى. ألدّورُ يُتَّخذ اقتحامًا. مَن لا يخاطر، لا يستحقّ الخلاص. أنستحقُّ، نحن، أعني “اللّبنانييّن” ممّن لا نزال نُقيمُ هنا، أرضَنا الإرث/التّراث/الذّخيرة، وفيها رائحة الجدود، وعزم الآباء، وأنفاسُ كلّ مَن سبقوا؟
أورثونا وطنًا صغيرًا… صحيح… ولكن، ماذا فعلنا لنجعله يكبر!؟
أورثونا وطنًا صغيرًا… صحيح! ولكن، ماذا فعلنا لنستحقّه أكثر !؟
أورثونا وطنًا صغيرًا، أحبّوه وحمَوه وافتدَوه، صمدوا فصمد. ولم يبيعوا أرضًا ولا صخرة ولا شجرة ولا ظلَّ شجرة، ولا ظلّ جناح عصفور! فكانوا كبارًا في التّاريخ! فأين نحن منهم؟
واخجلتاه!
Thank you Mr Khalil for this nice article. Sorry for typing in english but I dont have arabic keybord. I just want to ask you which ancestors should we look up to? which ancestors are you talking about?