طالِبُ ، لَحِيْمٌ تَعَدَّلَ(1) وتَرَبَّلَ(2) حتّى استغارَ الشَحمُ فيه ، فانداحَ بطنُهُ رَهَلاً، وتراكَبَ على رَسْلَة(3).
يُسدِّدُ شَهِيَتَهُ على مُحكَمِ أُسلوبِ والدتِهِ زلفى ، بما لها من بُعْدِ الـمُتناوَلِ وانفِساحِ الباعِ في فنونِ المطبخِ اللبناني. حتّى إذا اقعَدَتْهُ الذرائِعُ عن الوقوعِ على ضالّتِهِ في “مَضافةِ” المنزلِ قصَدَ المطعَمَ الـمُجاوِرَ في الحيِّ ولـمّا(4)…
وَلَكَمْ أدخلَ طعامًا على طعامٍ ، فهو يَعْجَلُ في الـمَضْغِ والازدِرادِ ، فلا يبرَحُ نازِلٌ من “طَبَقِهِ” إلى حدٍّ يَسِمُ نفسَهُ من مُودَعاتِ الطَّناجِرِ وسِياقَةِ الأبوابِ والـمَلَكاتِ ، بطابِعِ الإعجاز.
… وإنَّه لَطمّاحُ العَيْنِ رغيبُها ، دنيءُ الطُعمَةِ ، شَرِهٌ يَمُدُّ عُنُقَهُ ويَفغَرُ فاهًا للوَجَباتِ المغايِرةِ الـمُشْبَعَةِ باللُّحمانِ يَعمُرُ بها سِماطُ عمّتِهِ وفاء.
الطَّماعةُ دَيْدَنُهُ ، فالكوسى المحشوَّةُ بالقاوَرْما والأرُزِّ والصَّنوبَرِ تتحاصّاها(5) العائلةُ، يَنالُهُ منها حِصَّةُ الأسد.
ويا لَسَعْدَيْهِ أكِيْلاً ، كثيرَ المراغِبِ يَتَلَحَّزُ(6) فاهُ ، وينشُرُ أُذُنَيْهِ لِصِيْنيَّةِ دجاجٍ محمّرٍ استَشْرَفَتْ وشاهتْ لها نَفْسُه.
طُلَعَةٌ(7) في مُنتَجَعِ خواطِرِهِ ومَهْوَى فؤادِهِ أصابِعُ الكبَابِ بالفرنِ ، تُقَرْقِرُ لها أمعاؤُهُ، وتَصُوْتُ عصافيرُ بطنِهِ ، ويُسمَعُ أطيْطُها(8) تجوُّعًا ، كَمَنْ بات على الطَّوى ، فخَوى !
يَدُقُّ الأَبزارَ(9)–إبنةَ عَمِّ الموائدِ لَحًّا – ويَذرُوْها على الوجبةِ المعدَّةِ ، فَيَزيدُها نكهةً مستطرَفَةً ، إذا تمطَّقْتَ وتلمَّظْتَ خواتيمَها لَذّكَ منها مُضغَةٌ تَستسيغُها الحَلْقُ ويستمرِئُها الجَوْف.
ولا تسَلْ عن مَنْسِفِ(11) الأَرُزِّ باللّحمِ وقد أَخَذَ طالبَ حاقُّ الانتظار ، وهي خِفَّةٌ تعتري الجائِعَ فيضعَفُ صَوْتًا ويسترخيَ ، ويُرَنِّقُ عينًا ، فيما أمُّ طالبَ السَّمحةُ الكَفَّيْنِ ، الجزيلةُ الصِلاتِ تَرفِدُهُ بشرائِحِ لحمِ الغنمِ ، والسَّمنَةِ الحمويَّةِ ، والقُلوباتِ على أنواعِها ، والتَّوابِلِ ممّا لا يَقعُ الطَّرْفُ على أكملَ منه طُباخةً ، وإنّما هو الحُسْنُ مُجسَّمًا ، والذَّواقُ مُمَثَّلا.
بِعلْمِنا ، انّ الـمِلعَقَةَ لم تُفارِقْ يومًا أرباضَ طالِبَ أنّى رَبَعَ وسَعَتْ به قُدَيْمَةٌ ورُجَيْلَةٌ، فهو لا يعرِفُ الشُّبعَة.
إذا احتَثَّ وشمَّرَ لمأدُبَةٍ ، فالسَرَعُ السَرَعُ ، والبِدارُ البِدارُ من جهوزيَّتِهِ الدائمَةِ ، إذ، بطَبِعِهِ ، وُشْكَانَ ما يهوي بِمِلْعَقَتِهِ على أيِّ طَبَقٍ يقرُبُهُ ، حتّى يمتَلئَ عِنانَهُ وتَطفَحَ العينُ منه.
***
أمسِ ، وفي غَفَلٍ عن والدتِهِ ، انشقَّتْ عصا القناعةِ عند طالِبَ ، فأغارَ على طَبَقِ روستو بالثُومِ والبصلِ والجزرِ والتوابِلِ هيّأتْهُ زلفى لعشاءٍ عائليٍّ ، فلا أبطأَ الأكلَ ولا …(12)، لِتَنْشِبَ فيه الـمَنِيَّةُ أظفارَها ، فيُدرِكُ حَيْنَهُ ويُختَلَجُ(13) من بينِ ذويِهِ على سريرِ مشفىً صريعَ بِطْنَتِه.
***
أوَ ليستِ السّلامةُ أن نَقنَعَ بالكُفْيَةِ شأوًا يَتَكَرَّمُ(14)عن المكاسِبِ ، تتقطَّعُ دونَه أعناقُ الـمَصارِع!
وفي المثَلِ رُبَّ مَقتَلٍ مُسْتَوْرٍ تحت مطمع .
ويُنسَبُ الى النبيِّ الكريم قولُهُ : البِطنَةُ تقتلُ الفِطْنَة!
ـــــــــــــــــــــــــ
1): أصبح كالعِدل . وعاء يُملأ بالحَبّ أيّام البيادر
2): كثُرَ لحمُهُ
3): كسُلَ
4): ولم يشبَعْ ، وهو المعروف عند البديعيّين بالاكتفاء
5): تتقاسَمُها
6): يتحلّبُ ريقُه
7): شهّاء . شرِه
8): صوتها
9): مفردها بزر جمع أبزار. ما يُرَشّ على الطعام من توابِل
10): تذوّقْتَ
11): جمع مناسِف . طعام من الأرزّ واللّحم والتوابل
12): ولا كَفَّ
13): يُنتزَع
14): ينزَه . يبتعِد .