“في قاعة الروح ترتدي الكلمات ثياب الدهشة، تنزف المقاعد الصامتة قصائد من ذكريات”.
هذا اول ما قرأت على صفحة التواصل الاجتماعي منذ اكثر من ثلاث سنوات للصديق الشاعر عبد الكريم الكيلاني، ادركتُ يومها انني امام حرف عميق المعنى، مدهش الشكل، يغوص في اللغة ليبث فيها روح الشعر.
“يسمونه لا احد” عنوان مجموعته الشعرية السابقة صدرت في العام 2016، أخبرته يوم التقينا في أمسية شعرية في بيروت: “كيف لا احد وانت تجمع في هذه المجموعة عدة تأثيرات شعرية، وعدة شعراء في شخصك”، فشاعرنا تارة ثائر على التقاليد والعادات وطورا عاشق، محارب، او ناسك في صومعة الشعر.
واليوم مجموعته الشعرية الجديدة “خريف الكستناء” تبصر النور لينتقل القارئ فيها “بين ضفاف القصائد القصيرة – القصص الشعرية او الرؤى الشعرية فترقص الكلمات بين اجفان العينين تحمل في وجنتيها سحر الكلمة التي استنبطها الشاعر من روح مأساة مدينته الموصل ومن عشقه ومن مواكبته للكلمة في ثوبها الجديد” على ما جاء في توطئة الكتاب للباحث خضر دوملي.
وانا أضيف، “خريف الكستناء” يصنع من مطاحن اللغة ورياح الاحساس دهشة تقرأها في لهفة كل قصيدة او ومضة شعرية، فترى نهر الكلمات تهاجر مع نوارس الحروف في روح حزينة وبهمس كئيب حين يقول:
“كأن تقتسم الروح مع ضفافها رغيف الحزن
يمرغ الهمس رأسه بالرحيل عند منعطف الخيبة
هَب اني الريح وانتَ فيها زفيفها العالق في حلقها المغادر…”
هذا الشجن الساكن في حرف شاعرنا هو حتما انعكاس لحزن في داخله، لا غريب في الامر طالما ان الشعر هو الشعور الذي نغرف منه نحن الشعراء لنسكب الكلمات دموعا في ديوان. واحيانا اخرى ينتفض الكيلاني على الشجن فترقص الكلمات بشغف وعشق ليحفر اللهفة في قلب الحبيبة ويطارد الوقت حتى في الخيال، كأن يقول:
“تخرج من روحينا عصافير اللهفة
تعبث بأشياء المسافات
يسوقها الشوق منذ كلمات
لنعبر حدود الوقت
وتطوف حول القلب
مجذوبان بالامنيات
عالقان في الدرب
ولا محطات”.
يلاحظ القارئ في نهاية هذه القصيدة وفي غيرها ايضا، ان الوحدة تسّطر حدود الغياب ويرسم الوهم درب الرحيل، ولعل ذلك ما يضفي السحر على شعر الكيلاني. انه الشجن الخجول المتخفي خلف “خريف الكستناء”.
ديوان أشبهه بامرأة حسناء دائمة الابتسامة انما قلبها يعصر حزنا صامتا، يطاردك هذا الحزن في صوتك المخنوق، في نومك القلق، في الانتظار وحيدا لتحتفل معها بالنبض، لكنّ تمهل قليلا أيها القارئ فليس كل الحزن حزنا بعضه رقصات في قاعة الروح.