“تركيا، دبلوماسية القوة الناهضة” لجنى جبور

Turquie

عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت صدر كتاب “تركيا، دبلوماسية القوة الناهضة” (383 صفحة)، للدكتورة جنى جان جبور، الباحثة في مركز العلاقات الدولية في باريس (CERI).

يتناول الكتاب مسألة الدول الناهضة وموقعها في النظام الدولي إنطلاقاً من تحليل دقيق للتجربة التركية كنموذج، من عام 2000 الى 2015. ميزة هذا الكتاب أنه يخرج عن التحليلات التقليدية التي اختصرت في معظمها فترة حكم حزب العدالة والتنمية بمحاولة إحياء للعثمانية الجديدة أو الانحياز الى نهج إسلامي في الحُكم. فتركيا الناهضة، بنظر المؤلِّفة، تسعى قبل كل شيء الى تأمين موقع على الخريطة الإقليمية والدولية يتناسب مع قدراتها وطاقاتها وتاريخها وطموحاتها. من هنا، يأتي مشروع “النهوض التركي” ليلعب كل الأوراق التي يمكن أن تحقّق مأربه. في رأس الأولويات يأتي النهوض الاقتصادي الذي شكّل نقطة فارقة في التاريخ التركي الحديث، رفده وجود قائد كاريزمي عرف كيف يُمسك بزمام الأمور في الداخل، وانفتاح على البلدان العربية تحت مقولة “صفر مشاكل مع الدول المجاورة” التي أطلقها داود أوغلو. في استكمالٍ لهذا المشروع، أتت المراهنة على الإسلام السياسي ومحاولة استقطاب حركات ودول، وهو التوجّه الذي جسّدته قضية أسطول الحرّية أو “مافي مرمرة” لكسر الحصار المفروض على غزة والذي أبرز تركيا بدور المدافع عن القضايا الإسلامية. ومن عناصر النهوض أخيراً، تمّ استخدام “القوة الناعمة” من مسلسلات وإنتاجات سينمائية تُبرز عظمة التاريخ التركي وتجربة تركيا الحداثوية الرائدة، وإنشاء مراكز ثقافية ومراكز لتعليم اللغة التركية، بالإضافة الى التوسّط في النزاعات الكبرى، والمساهمة في مشاريع تنموية في الخارج الخ.

هذه التجربة التي عرفت نجاحات لافتة في بداياتها، اصطدمت بدءاً من عام 2010 بالأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، سيما بالأزمة السورية، فبدأت تهتز وتتراجع، وانعكس الأمر اضطرابات في الداخل، وعدم استقرار في الخيارات الخارجية.      

ما يجدر ذكره هو أن هذا الكتاب، بالإضافة الى اعتماده على مراجع عديدة، باللغات الفرنسية والانكليزية والتركية والعربية، تبنّت فيه الكاتبة نهج الاستقصاء الميداني، فأقامت في تركيا لفترات طويلة، ولجأت الى استبيانات الرأي في عدة بلدان عربية لتبيان الصورة الحقيقية للتجربة التركية من الخارج، وأجرت أكثر من 150 مقابلة في تركيا ومصر وكردستان العراق ولبنان وقطر والإمارات العربية وايران وفرنسا، مع دبلوماسيين وجامعيين ورجال أعمال وفاعلين في المجتمع المدني لرصد صورة تركيا في الشرق الأوسط، وخاصة تغيّر نظرة العرب الى تركيا. من هنا، يمكن اعتبار هذا الكتاب، كما يقول البروفسور برتران بادي في مقدمته، نقطة تحوّل في الدراسات التركية المعاصرة، كما هو إضاءة على الدور المحدود الذي يمكن أن تلعبه الدول الناهضة بشكل عام في النظام العالمي الجديد.

جنى جبور

حائزة شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. أستاذة محاضرة في معهد العلوم السياسية في باريس وباحثة مشاركة في مركز الدراسات والبحوث الدولية (باريس). لها عدد من الدراسات والبحوث المنشورة بالفرنسية والانكليزية في مجلات علمية متخصّصة. تركّز أعمالها البحثية على دبلوماسيات القوى الناهضة كما على سياسات الشرق الأوسط. صدر لها حديثاً دراسات في ثلاثة مؤلفلت جماعية في فرنسا والولايات المتحدة : “دبلوماسيات في تحوّل” (2019)؛ “عالم متشظٍّ : حول سوسيولوجيا العلاقات الدولية في أعمال برتران بادي” (2018)؛ وسائل الإعلام في الشرق الأوسط : بين النضال والسياسة والثقافة” (2017).

اترك رد