الكلمات شددت على مواقفه وشجاعته
ودفاعه عن قيم العدالة وتقدم الإنسان
أقام المركز الثقافي الاسلامي حفل تكريم رئيس الشرف ونقيب الصحافة الراحل محمد البعلبكي، في الذكرى الثانية لرحيله، في قاعة عدنان القصار – مبنى اتحاد الغرف العربية، في حضور الرئيس امين الجميل، الرئيس تمام سلام، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وزير الاعلام جمال الجراح، وزير الثقافة محمد داوود ممثلا بالسيد ناصيف نعمة ومفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان ممثلا بالشيخ خلدون عريمط.
كما حضر النواب: انور الخليل، أيوب حميد، النواب السابقون محمد قباني، حسين اليتيم وعمار الحوري، الوزراء السابقون ملحم الرياشي، عدنان منصور، غازي العريضي، عصام نعمان ووليد الداعوق، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحة، نائب رئيس المجلس الوطني للاعلام ابراهيم عوض، اللواء ابراهيم بصبوص وحشد من الشخصيات الدينية، الاجتماعية والأمنية.
بدأ الحفل بالنشيد الوطني وكلمة ترحيبية من عريفة الاحتفال الاعلامية وداد حجاج ، ثم تحدث رئيس المركز الثقافي الاسلامي الدكتور وجيه فانوس الذي استذكر مراحل الراحل محمد البعلبكي المهنية والاجتماعية، واكد “ضرورة الاقتداء بنهج الراحل المشجع للحوار والانفتاح”.
الجميل
وقال الجميل في كلمته: “كان اول الوافدين للتهنئة بإنتخابي وقال لي في حينها: مهمة صعبة لا تخف كلنا الى جانبك ومشينا حينها بقلب واحد ومتكاتفين، واذكر خلال وحشة القصر وفي مراحل المقاطعة بينما كان يخشى البعض الزيارة، وإن تجرأ يمشي مع الحيط كان النقيب يأتي مرفوع الرأس للاطمئنان وللتشجيع وللتشاور وللمساعدة في التواصل مع كل الأطياف اللبنانية. انه رجل الموقف والحوار والوطنية الصافية”.
ولفت الى “ان محمد البعلبكي كان الانسان اللبناني الذي يفتخر بلبنانيته وعروبته وهو الذي مثل السلطة الرابعة وبقيت الصحافة في عهده سلطانة، وبقيت سلطة لا تخيفها عصا ولا تضعفها جزرة وبقي عصيا على الاغراءات وحبذا لو اهتدى اهل السياسة، لكنا اختصرنا فترة الاحتلال ولما قضى من كبار القادة واهل الفكر”.
وختم بالقول: “شكرا لرفيقة دربه سحر على مبادئها بالتعاون مع المركز الثقافي الاسلامي في احياء ذكراه عربون وفاء وعبرة للمستقبل محمد البعلبكي في ذكراه الثانية فقدته الصحافة وفقدته السيادة وفقده لبنان”.
سلام
والقى سلام كلمة قال فيها: “أتوجه بالشكر إلى صاحب دعوة رئيس المركز الثقافي الاسلامي الدكتور وجيه فانوس، وإلى أعضاء الهيئتين الإدارية والعامة في المركز، الذين يعملون بلا كلل، وبروح عالية من المسؤولية، على إبقاء هذا الصرح منارة من منارات التفاعل الفكري الحر في بلادنا، ومساحة لتعميم الثقافة الإسلامية الحضارية الهادفة إلى تعزيز مفاهيم العيش الواحد بين اللبنانيين. نلتقي اليوم لنحيي ذكرى كبير غادرنا قبل عامين، تاركا في الحلق غصة، وفي الوجدان بصمة لا تمحى، وفي الذاكرة شريط طويل هو، في آن معا، سيرة شخصية إستثنائية، وقصة وطن جميل، وحكاية مهنة ليست ككل المهن.هي حكاية شاب بيروتي خطا خطواته الأولى في مدارس المقاصد، حيث تأثر بأستاذ اللغة العربية نور الدين المدور الذي اكتشف موهبته وشغفه بلغة الضاد، ففتح له باب التدريب في صحيفة الشرق التي كان يرأس تحريرها. كما تأثر باستاذ مادة التاريخ زكي النقاش الذي كان له دور في تفتح وعيه. هي أيضا حكاية الفتى الذي انتسب إلى الكلية الشرعية (أزهر لبنان) لتلقي العلوم الدينية، حيث زامل المفتي الشيخ حسن خالد والشيخ عبد الحفيظ سلام والشيخ مختار الجندي، رحمهم الله، قبل أن ينتقل الى الجامعة الاميركية في بيروت ليتخرج حاملا شهادة في الأدب العربي، مسلحا بموهبة أدبية ساعدته في صقلها السيدة جوليا طعمة، زوجة خاله بدر دمشقية، وإحدى رائدات العمل النسائيِ في لبنان في النصف الاول من القرن العشرين.بعد مسيرة عقود طويلة في العمل الصحافي، انتخب نقيبا للصحافة اللبنانية العام 1982 وأعيد انتخابه تسع مرات متتالية. وطوال توليه هذه المهمة، خاض معارك الحريات مدافعا بلا كلل عن الديموقراطية وتعدد الآراء، وكان على الدوام الصوت الصارخ المدافع عن قيم العدالة وتقدم الانسان. ناضل لحماية مهنة الصحافة والعاملين فيها في ظروف بالغة الصعوبة. واجتهد كثيرا لتعزيز النقابة، فأنشأ لها مبنى جديدا، جعله مساحة مفتوحة لكل باحث عن حق، ومنبرا لكل ذي ظلامة. لبنان محمد البعلبكي .. هو موطن الحريات، والحريات اليوم في خطر من خلال ما نشهده من ترهيب وإرهاب ومن تحليل وتحريم، وهي الظواهر التي قاومها البعلبكي ودفع ثمنها السجن. رفع محمد البعلبكي دائما لواء العروبة الصافية، والوحدة الوطنية الجامعة. وربما لا يعرف الكثيرون أنه تلقى، في مرحلة من المراحل، عرضا بتولي منصب الإفتاء، لكنه آثر البقاء على نهجه في العمل الوطني البعيد عن أي قيد طائفي”.
وقال: “في مسيرته الطويلة كلها، كان محمد البعلبكي رجل المواقف الحرة الشجاعة، في مقدار ما كان رمزا للتهذيب والوداعة والإعتدال وتقدير الغير، ما جعله شخصية محببة مقبولة من الجميع، اتفقوا معه في هذا الرأي أو ذاك، أم اختلفوا. في ظل الأزمات الراهنة التي يعيشها لبنان، تزداد وطأة الغياب، ونفتقد أكثر من أي وقت مضى، النقيب محمد البعلبكي وأمثاله من القامات الوطنية وأصحاب العقولِ الراجحة. ذلك أن معالجة مشاكلنا تحتاج إلى الكثير من حكمتهم ودرايتهم وتبصرهم وتواضعهم.. وشجاعتهم في القول والفعل”.
واضاف: “إننا نأمل في أن تتمكن حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي نعرف شجاعته وإصراره، من النجاح في معالجة التحديات الكبيرة التي تواجهنا، وبخاصة الاقتصادية منها، في إطار التوجه الاصلاحيِ الذي رسمته لنفسها. ونأمل أن تنجح هذه العملية الإصلاحية في استئصال آفة الفساد التي يعاني منها لبنان. إن محاربة الفساد تحتاج، في المقام الأول، إلى تفعيلِ الأجهزة الرقابية القائمة، وإلى قضاء فاعل يلعب دوره كاملا كسلطة مستقلة بعيدا عن تدخل السياسة والسياسيين. لكن ما يقلقنا- في موازاة الأزمة الاقتصادية – هو حال الفوضى السياسية والادارية غير المسبوقة التي لم نشهد مثيلا لها ربما في أحلك سنوات الحرب. الفوضى تعصف بكل شيء. بالمؤسسات والنصوص والقواعد، فتنتج ما لم يسبق لنا أن رأيناه من ممارسات وتجاوز للأصول، وضجيج وتهافت وفقدان ثقة بالدولة. كيف السبيل إلى وقف هذه الفوضى، التي تعطي الانطباع بتحلل آخر ما تبقى من ركائز الدولة؟ الجواب.. هو في العودة إلى المرجعيات الدستورية، التي تحدد أصول الحكم، وإلى النصوص القانونية التي ترسم الأدوار وتحدد الصلاحيات والمسؤوليات، وتعطي كل ذي حق حقه. الجواب.. هو في العودة إلى القاعدة الذهبية القائلة إن لبنان هو بلد التوافق والتوازنات، وأي محاولة للإخلال بمعادلاته من طرف واحد، بالتشاطر أو بالغلبة أو بقوة الأمر الواقع، لن يكتب لها النجاح وسترتد وبالا على لبنان واللبنانيين. واسمحوا لي أيها السادة، أن اكرر هنا ما سبق أن قلته:
إن لبنان لا يحتمل الاستكبار.. ولا يحتمل السلوك الاستئثاري المسيء للمناخ السياسي في البلاد، بل يحتاج الى تضحية وتعاون وتعال على المصالح والأنانيات.
إننا في حاجة إلى خفض الصوت قليلا.. والتواضع كثيرا.. والتبصر طويلا.. في مشاكلنا التي تحتاج معالجتها إلى مسؤولية عالية، وإلى قدر كبير من الإحترام المتبادل الذي لا يلغي حق الإختلاف. رحم الله النقيب محمد البعلبكي، وعزاؤنا للعزيزة سحر حافظة الأمانة.. أمانة الإسم الذي لا ينسى والتراث الذي لا يمحى”.
الجراح
وقال الجراح في كلمة القاها: “ليس سهلا الكلام عن محمد البعلبكي كمناضل وكصحافي وكنقيب وكإنسان وهو الذي لم تتعبه الأيام ولم يتعب منها فبقي واقفا في وجه الأعاصير حتى الرمق الاخير فلم يلين ولم يهادن ولم يساوم على رغم انه كان دبلوماسيا من الطراز الرفيع يوم كانت الظروف تفرض التعاطي معها بحكمة وروية ومحمد البعلبكي كما عرفته كان يرفض ان يقال له شيخ الشباب بل كان لقب شاب الشيوخ هو الأحب على قلبه وذلك لما كان له من مساحة واسعة في كل الامكنة بدينامية إستثنائية وحيوية تضاهي حيوية الشباب وهو الذي كان يردد دائما قول المتنبي: على قدر اهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم. فهذه الأبيات التي كانت نهج حياة وسلوك جعلت الراحل الكبير الذي نستذكره اليوم غير مستسلم لواقع تراكم السنين فكان يسير دائما عكس التيار ويغرد خارج سرب ما فرضته الحرب العبثية من تباعد بين اهل الوطن الواحد فكان يتنقل بين خطوط التماس رافضا فكرة الحواجز المصطنعة التي تمنع تلاقي اللبنانيين فكانت الشرقية بالنسبة اليه غربية والعكس صحيح وفي كلاهما كانت له صداقات لم تنقطع لانه كل يوم يؤمن في عمق اعماقه ان ما بين اللبنانيين من علامات الجمع اكثر بكثير من علامات القسمة وهو الذي كان يتعمد ان يستشهد في خطاباته السياسية بآيات من القرآن الكريم عندما يكون في الشرقية وبأيات من الكتاب المقدس عندما يكون في الغربية وهو كان في كلاهما ضليعا”.
وتابع: “محمد البعلبكي رجل استثنائي في ظروف استثنائية وهو الذي عاصر الكبار من رجالات الاستقلال وكان بينهم كبيرا وعايش الصغار في همومهم وكان الى جانبهم في دفاعه المستميت عن حقوقهم فكان صوتا يهز الضمائر فكما آمن محمد البعلبكي بلبنانه وعمل على رفع شأنه في كل المحافل وعلى المنابر ورفع الصوت عاليا في وجه الطامعين به وبخيراته نجدد اليوم ايماننا بأن مستقبل لبنان سيكون واعدا ومشرقا بوحدة أبنائه وتضامنهم على الخير على رغم الظروف المعاكسة مع تجديد الثقة بحكمة فخامة الرئيس العماد ميشال عون ودولة الرئيس سعد الحريري ودولة الرئيس نبيه بري الذين يتعاونون مع جميع المسؤولين لإخراج المواطن مما يتخبط به من محن”.
وختم: “نشكر رئيس المركز الثقافي الاسلامي الدكتور وجيه فانوس على هذه البادرة التي جعلتنا نتذكر رجلا وطنيا وهو الحاضر دائما في فكرنا وقلبنا”.
العريضي
ورأى العريضي في كلمته “ان الرجل الذي استحق بجدارة لقب رئيس الشرف للمركز الثقافي الاسلامي وكل كلمة من هذه الكلمات شرفها محمد البعلبكي وهو الازهري الاشعري الذي اكتسب من الاسلام ثقافة ومعرفة ولغة وعلما وروح اعتدال اطل بها على كل العالم ومارسها في كل حياته وفي مختلف المراكز والمسؤوليات التي احتلها محمد البعلبكي السوري القومي الإجتماعي النهضوي المؤمن بقضية قومية كان جوهرها واساسها ولا تزال فلسطين الحبيبة بأهلها وارضها وترابها ومجاهديها وحفظ شرف الكرامة الاسلامية الذي يتمثل بالقضية الفلسطينية والتي يحاول الكثير طمسها والابتعاد عنها وتصفيتها واستحق بجدارة لقب نقيب الشرف للصحافة اللبنانية فهو جسد شرف الكلمة والموقف وما احوجنا اليوم الى محمد البعلبكي”.
داوود
وتحدث الدكتور ناصيف نعمة ممثلا وزير الثقافة محمد داوود، وقال: “كلفني معالي وزير الثقافة بتمثيله بهذه المناسبة التي نحيي فيها ذكرى الراحل محمد البعلبكي الذي حفر إسمه بماء من ذهب في سجل الصحابة المكتوبة وتوثيقها بفن الكلام في عاصمة الصحافة العربية بيروت ورغم كل المحن التي أصابت لبنان بقلبه وأطرافه وأطيافه كان محمد البعلبكي وبإجماع من عرفه يقرب المسافات بين الجميع. ان ازمة لبنان اليوم ليست عصية على الحل ان ارادت جميع الأطراف انجاح الخطة الاقتصادية بشفافية ورؤية ومسؤولية للحؤول دون تعميق الضعف الإقتصادي ويجب ان نوفر الحماية للفئات الاكثر ضعفا والحل هو ان تكون ثقافتنا في المواطنية جامعة للبنانيين بعيدا من الطائفة والمذهبية والحركات والتيارات الحزبية ومكتسبات محابيها وناخبيها. النقيب البعلبكي سيبقى خالدا في عالم الصحافة اللبنانية مهما تبدلت الظروف فبمحمد بعلبكي تضرب الأمثال.
والقى الفرزلي قصيدة شعرية للمناسبة.
وفي ختام الحفل، قدم الجراح والدكتور فانوس ميدالية المركز الذهبية للزميلة حجاج.
كما ارسل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برقية نقل فيها التعازي بالذكرى الثانية للبعلبكي.