جرعةُ زادٍ… وارتقاء!

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

في زمنٍ تبيّنتَ فيه عصرَ جنازة الكتاب، يشيّعه حكم التكنولوجيا المتحكّم، وبين تبيّنِكَ جريمةً دفنُ “الكلمة الحلوة الهادفة… بها كتِبتْ شرائع وقوانين ومواثيق…”، تلقّيتَ هديّةً، التطبيقَ الفايسبوكيّ، رزقكَ ضُمّةَ ذوّاقةٍ أوفياء، لأجلهم وافيتَ يراعكَ الفكريّ متطوّعًا من جديد، وفي نفسِكَ قولةٌ راحت قناعةً: “ماذا ينفعنا إن طالت التقنيّات قباب السماء، وسقط الإنسان في هاويات الضلال، واضعًا تحت نعليه كلّ منظومة القيم؟!!”

د. الياس،

“حدّثني عمري”، عنوانٌ يفتح على وجهتين. تروح الأولى نحو استعارةٍ غير مستغربة، العمرُ فيها صديقٌ لَكَ، رفيق سمر، تلتقيان في الليالي، حيثُ وضوحُ الرؤيا في السكون، يحدّثكَ في ما اختزنه من أحداث النهار وصخب الناس، ينقله إليكَ شفيفًا، كأنْ بعد مرورٍ على مرايا القيم التي تضجّ بها إنسانيّتُكَ، فتنقلها أنتَ إلى القارئ نقيّة كضوء، بضّة كماء!

والوجهةُ الأخرى، يفتح عليها العنوانُ عاكسًا خبرةَ عمرٍ، تقول في أشياء حياتكَ، وما صهرتكَ فيه الأحداث والظروف، قولاتٍ تماهت بعلميّتكَ حِكَمًا، تشكّلتْ مدرسةَ حياةٍ، قُدّت هي الأخرى من إنسانيّةٍ جُبلتَ عليها وعُرفتَ بها!!

وفي كلا الوجهتين، تبرزُ أنتَ سيّدي في العنوان مرّتين، في “حدّثني” وفي “عمري”. تبان للقارئ الياءَ هنا مفعولاً به الحديثُ، وهناكَ الياءَ مضافًا إليه العمرُ . هنا الحديثُ فاعلاً فيكَ أحداثه تصهركَ عالمًا مستزيدًا، وهناكَ العمرُ يضيف إليكَ قيمةً معرفيّة تضيء معلَمًا يتجلّى منارةً، تفتّق انحصارُ إشعاعاتها من المنابر التعليميّة إلى الآفاق التي تطالها المطبوعات والرقميّات. فضاءاتٌ لا محدودة، ستُرجع أصداءَ “حدّثني عمري” في مربّعاتٍ  كجمال الكتاب، لا تني تخزنُ بحبّ، كنوزًا أهديتَها فيه…

guilaf hadasani

سيّدي الدكتور،

لأنّ كتابكَ هذا جمْعُ قولاتٍ فايسبوكيّة، عنيتُ تعبيراتٍ وضعيّة تحاكي الحالَ في وقته، نشرتَها على صفحتكَ في الفايسبوك، تنوَعت فيه المواضيع، حسب المناسبة التي دفعت إليها. في بعضها برزتَ مواطنًا تنشدُ الصلاح في وطنكَ، وفي تلك تبانُ مصلحًا اجتماعيًّا تقوّم اعوجاجات. في مكانٍ آخر، أنتَ مؤمنٌ تفتّش عن تجرّد الروح من ممارساتٍ ماديّة. أو ترفع صلاةً على نيّة محبّيكَ كي لا يضلّوا… وفي غالبٍ أنتَ مفكّرٌ وأستاذٌ حامعيّ، يؤلمكَ حالُ الفراغ في الدوحة الثقافيّة، واستغلالُ الصفات الأكاديميّة لنشرٍ بغيض…

في كلّ هذا، تعبيراتٌ تذمّريّة تغلب على السياق. أنتَ العارف، إنسانًا وعالِمًا ومعلّمًا، كيف سيرورة الأمور وصيرورتها، متألّمٌ من انحرافاتها، غالبًا عن جهلٍ مدّعٍ، أقمتَ ذاتكَ صوتًا صارخًا، عبر الشاشة الكونيّة، تنذر بهبوب العاصفة، متى رأيتَ الأفقَ تلبّد… حسبُكَ يؤمن الناسُ بمكانتكَ المدركة، فيستدركون!!!

أيّها الحبيب،

“حدّثني عمري” كتابٌ بمواصفاتٍ خاصّة، قد تكون أردتَه، لا يوضعُ في المكتبة، بل على الطاولة أمام القارئ أو قرب السرير، يرتشف منه في تواتر، جرعةَ زادٍ تدفع به إلى الأمام، أو تصوّب له الفكرَ في مكانٍ  أو المسار. كتابٌ دُوّن لكلّ إنسان، في أيّة طبقةٍ من الناس كان. الكلّ يجدُ فيه شيئًا له، من أجله.

إن كان العمرُ فيه المحدّث، فحديثُه حبَّذا لو يطالُ كلّ واحد في بقاع المجتمعات قاطبةً، علّ مرسلةً تلقى تجاوبًا، وإن عابرًا، فيتغيّر وجه الإنسان، ونرتقي!!!

اترك رد