باقات شعرية تنضح عطرًا

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

الدكتور خليل إبراهيم حسونة قامة لغوية متميزة ، بحضور ثقافي شديد الوعي برسالة القلم والحرف ، وبسيرة إبداعية قصة ورواية وشعرا ونقدا، بإنتاجات زاخرة.

“باقات أوركيدية” بعطر حبر جعل القصائد تشف عن بوح شاعر شديد الشغف بالحكي ، وسرد مكنونات دلالات حروفه لوطن بكل حرقة الغربة والاغتراب.

ابن بلدة حمامة عسقلان، الذي جال بقاعا وبحارا حاملا هموم وطن جريح، فكان أن جعل للكلمة قيمة، زادتها دلالاتها تناغما متناسقا بين اللغوي والنفسي ، حيث النص الشعري الواحد ، والقصيدة الواحدة متوحدة جمالا وجماليا، بتناسقها ورشاقتها من حيث شفافيتها ولو بحزن أو شجن، بإدراك واع إبداعي بحس لغوي ، وكاريزما شاعرية شعرية متألقة.

اختيال :

” في الصبح تأسرنا الحكاية

فأقول لأمي أن تلم دفاتري تعلقها على شفة القصيدة عند تلاقح الغيمات مع الأرض الولود دندنة اشواقها الجذلى تحدق في زوايا الوقت على مضض تجيء رافعة لواء خبائها تبتاع أغنية فضية ترشف برتقال “يافا” وتصهل لجرح مخدر تحاصره كي يجوب الوقت بما ينبغي من عطاء ..

تجللني الحكاية لم تزل منذ آويت إلى مخدع ظل فجر عسقلاني يخاصرني على أنغام ” ميجانا” يرشف ما يرف من الكلام سؤددا مجللا بالصدف تناوشه حروف القصيد وهى تعب من كأس الأماني مليئة بالشوق يحتسي دمعها ناب سبأ ..

ويظل مختالا في الظمإ”.

لغة تنم عن جدارة اعتراف واستحقاق ،عن ثقافة عربية أصيلة وانفتاح على الآخر، ممّا جعل قصائده غير قاتمة بلونها الحزني، لكن سالكة ديدن التبصر المتعقل ،حين يصف مشاعر راقية هي في الأساس تأملات مغترب فلسطيني متغرب.

تجده يقول بكل حرقة:

“وأنا المشرد في الشمال وفي الجنوب

أقلم ضفائر الوقت”.

مابين السطور وذاتية الشاعر ، ذاتية مثخنة بالألم والاغتراب ،ذاتية واحدة يسكنها الحنين موشحة بكلمات تقولها بكل أناقة فكرية وشعرية ،حيث التجليات اللغوية رصينة

فما يغلب على اللغة هنا نبرة السرد لكنها مضمخة بلغة شعرية ،هذا السرد الذي له بواعث من

ذاكرة تحن لطفولة بعيدة ،بزمانها حاضرة بكل هالتها، فيبوح بكل شفافية الصياغة ،ودهشة الدلالة ،وحنين متصاعد للماضي ،واستحضار لطفولة غائبة و أخرى مشتهاة.

أحاجي:

“في وطن بلا وطن

أرواح بين حلم ومنفى أدخل لجة للصهيل أحلم بليالي أنيقة وطفل تداعبه الخرائط والحرائق وترانيم الخبز تتلمس وجهه شهواتها الآفلة فقدت انينها وهى تراوح بين قلق وقلق ..

تدخل أسوار عينيها وتفك أحاجي الأنين ..

وما ترسله السنون إلى السنين”.

و بالصفحة 87

نبض:

“ويشدني نبض الوطن

بعشق جادت به حكايا البرتقال عندما كان يجمعنا ذاك الحنين الفذ وتنتظم عقد الليالي الهائمات تسير رافعة موج نداها على قارعة المصاطب كما جليس هائم هاج من شبق يلف حول خاصره الزمان ملامح ناره ويعلق أيقونة بحرية على سراج الاغاني ويلملم اشواقه كما يراها وترى

ويظل يرى”.

قصائد كثيرة وبعض خواطر بلغة نثرية رائعة السرد والقص تشد انتباه المخيلة ، يعيد بها حكايا عن مدن فلسطينية عتيقة موشومة بالروح والذاكرة

كل تذكر هو ترياق وجراح تتفتح من جديد ،لتنعتق من حزنها المعتق ، ولو بندوب بالذاكرة والروح واسترجاع بنكهة استحضار للأساطير مابين “زيوس” و”نيرون “و”شهرزاد” و”الفايكنج “و”عوليس” بطل الأوديسيا و” ليلى الأخيلية “و”سيزيف “و”ميدوزا”.

هو استحضار للبطولة وللقهرالذي رافق كثيرا من أ بطالها أيضا ، واسترجاع بنكهة

تحريض للذاكرة الترااثية لانبثاقها ، وبغية اتقادها كينونية واستلهاما نفسيا عميقا ، وهو أيضا تقديس للزمان واستحضار للشجاعة ، فهي إذًا مشاكَسَة للذاكرة وللكتابة.

قصائد بلغة شعرية حضارية، حيث يستحضر الأبطال الغائبين ، وقد استقى بطولاتهم من ذاكرة بها مخزون معرفي تاريخي عتيق وعميق، من معين الأسطورة حيث أنه يوظف خطابه الشعري توظيفاوازنا متزنا رصينا، يخدم النسق والسياق الخاص بالقصيدة ، مراعيا الوشائج الرابطة بين الذاكرة المتذكرة وبين المخيلة المتخيلة والمخيلة الشعرية الشاعرية لديه.

إن استحضار شخصية البطل الأسطورية بهذا الديوان، هو استحضار بكل الزخم الفكري والمشاعري الوجداني، بقلقه الكينوني والتأملي المشرَّع على المتخيل، لكن بيقظة لابعبثية كمصدر محمل بقيم الجمال وبانتصار لقيمه ، رغم سياقها التراجيدي الدرامي أحيانا ،ضمن مسارات تاريخية، تسير وفق نسق معرفي ،بتيمات متعددة كالغربة والألم والوحدة واجترار مرارة القهر ،والصراع الدائر والدائم بين الخير والشر، غير مصعِّر قلمه عن استحضار أساطير الخصب والنماء

إنها رؤى الشاعر الشعرية المستحضرة للتراث الإنساني،هي لإضاءة القصيدة المستمدة جذورها من عمق التاريخ ،إنه اكتشاف للذات برؤية حديثة مستمدة أصولها الإنسانية بمتخيلاتها وطموحاتها لقهرأوجاعها، ولترسيخ عرى الإنسان بالأرض بماضيه العتيد ،وحاضره القاهر بكل تجاربه الحياتية ،مما يدل على أن الدكتور خليل حسونة شديد الحرص أثناء رحلته الكتابية لقصائده بتعميق تجربته الشعرية بعيدا عن كل درامية مفتعلة ،فيسبغ عليها جمالية لغة وبعدا دلاليا عميقا ضاربا في جذور الذاكرة الثقافية

لغة شفيفة شفافة تدنو بكل رقة من دلالاتها ، لتصدح بكل عنفوان وحكمة ، وفي نفس الآن هي لغة شاعرة تتقصى آثار الفرح ،تستحضره أهازيج ذائقة حبر فلسطيني

تكفي هاته الكلمات الاتيات بسطور مضمخة نبلا لإدراك البعد اللغوي للشاعر.

أهازيج :

للصبح أهازيج “طاغور”

يرسل شعاعا خجولا

و “هايكو ” يحمل بعض نار يعزفه على ناي القمر

فرح أخرس بلون الصهد

ينقر على جبين الثلج

ما تيسر من نوايا تتربع على جبين “عوليس “

تذيب الحزن وتناجي الحياة

عند حلم اللقاء

معانقة لطائر العنقاء.

الشاعر الدكتور خليل ابراهيم حسونة شاعروروائي ،وناقد متميز و مبدع أصيل، ومتمكن حدّ كرمٍ لغوي عميق معتق بذاكرة تاريخية ثقافية، متشاسعة الاطلاع والنهل يستحق كل تنويه وتقدير واحترام

taccc

اترك رد