بقلم: د. سلوى الأمين (رئيسة ديوان أهل القلم)
إنها المهمة الصعبة أن أتحدث عن كتاب الدكتور مروان فارس “قراءات في نقد الشعر” فأنا لست بناقدة ، والنقد مهمة شاقة لها تقنياتها وعلومها المعرفية المحددة، بالدقة العلمية والصرامة اليقينية، والجدية في توخي الأصول. لكن ما هم، ونحن كلنا معنيون بالاحتفال بهذا النتاج الثر للدكتور مروان فارس اللغوي الأديب، والباحث المفكر، والناقد المتبحر في فنون الشعر ومطارحاته البنيوية والإيحائية واللفظية والجمالية.
لهذا كله عبرت بلهفة على سطور قراءاته، متجولة بين الفصول، مخترقة مساحاتها الخضراء، حيث هناءة العقل اغتباط مدارات، تماهت سريعاً مع الفكر النهضوي والمعرفي الذي أدخلنا في ربيعه الأبدي الدكتور مروان من خلال كتابه موضوع ندوتنا اليوم ” قراءات في نقد الشعر”.
والشعر غوص في عباب اليم، وسعي إلى سدرة الحياة المكتوبة فوق خبايا التاريخ، ذاكرة حية طموحة، ومقام علي يسعى إلى انبساطات الرؤى التي تؤلف ولا تؤلفان، تحرك إبداعات الحروف ونهضوية اللغة على متانة النصوص التي يمم شطرها كاتبنا في قراءاته النقدية، حول الحداثة الشعرية والمعاصرة، وعبر المستقبل السياسي ودور الأديب، وحول نتاج بعض الشعراء والكتاب، الذين تخاصرت كتاباتهم وقصائدهم مع انبهارات مضامين فكره النير، ومسيرته الأدبية والثقافية المطعمة بالسياسة النضالية، المنحازة إلى كل ما يدفئ الخاطر، ويخط على نجاوى الهوى تآلفه الودود مع جمالية الإبداع في النص الأدبي والقصيدة الشعرية، من حيث متانة المفردات، وبلاغة التعابير، وشفافية الألفاظ المؤطرة بفتون المشهديات ، التي تتأرجح على مساكب عليات، تخمرت بأبجديته التي لم تعرف الهوان أو الهرم أو الانحناء أو الرسوب في أغوار عولمة، لم تنل من سحر الإبداع الذي تجلى في كتاباته وأبحاثه وترجماته ،وبقي الشامخ أبدا في محراب الأدب، كفارس ميدان، قلمه كما السيف بتارا لا يعرف المهادنة ولا الإنكسار، لهذا استطاع الاستواء على عرش الأدب، ممسكا صولجان النقد، كخبير لا تخفى عليه فنونه ومعاييره ،ولا تعصى عليه درب الجلجلة، فهو المتنكب نعمة الشعر حبا يرقى إلى مباهج الروح، وتوقا يكوكب النبض العارج إلى قراءاته في نقد الشعر .
لقد أطل على مراح شعراء قمم، كنزار قباني” الذي شعره قوت الناس وقضيتهم” وفايز خضور” الذي تتمظهر الحالة الشعرية عنده عن موقف من الموت والحياة ، وثمة انتماء” وخليل حاوي المنتصر بالموت على الحياة، والسيد محمد حسين فضل الله” الذي ارتقى بشعره إلى مراتب الصوفيه المغمورة بدفء الوجود ومراقيه المتأهبة دائما إلى اختراق العوالم الملونة بأحاسيس البشر”، هنا يكتشف القارئ إسلوب المؤلف المتميز والمعبر بنقده عن حيثيات الجمال المطعم بالبوح الشفيف، المتوثب إلى إلقاء الضوء على نقاط الجذب، التي أغنت تسلسل التصوير البديع في نصوصه المنتقاة، المتميزة بتراتبياتها المختلفة في ليونتها وبساطتها، وبلاغتها، وقوة مفرداتها وعباراتها ، التي لا تخدش الذهن، الساعي إلى التقاط مواطن الإبداع ، الراشف من فكر متنور لا يعرف المجاملة، ولا يخدش النص الشعري بآراء نقدية، تسبح على خطوط الهوى الشخصي ، بل الإلتزام بدقة الباحث بين السطور، والمعاني ،والمفردات ، عن ليونة التعبير، وقيمة النص الأدبي، وقوة القصيدة والقواعد الأدبية ومعاييرها الأصيلة، التي تصل إلى المتلقي، فلا تخدش سمعه، بل ترتقي به إلى سدرة المقام، الذي يتربع عليه النص أو القصيدة، كعروس في ليلة الجلوة.
عرفت الدكتور مروان فارس كاتبا، وأديبا، بل شاعرا مرهفا، أتقن غزل الشعر على أبجديته العربية المتقنة، فجاهد في جعل ترجمة قصائد الشاعر السفير الفرنكوفوني صلاح ستيتية، من الفرنسية إلى العربية، تؤدي الصورة والمعنى اللذين أرادهما الشاعر نفسه، بإسلوب تميز بأنه أقرب إلى روح الشاعر الذي أدهشته القصيدة المترجمة ، معارضا المثل القائل: ترجمة الشعر خيانة، ومثبتا القول : “إن من يتجرأ على ترجمة الشعر ، لا بد أن يكون شاعرا، يتقن أهمية الاعتناء ببناء القصيدة وإيقاعات ترانيمها، وبنيتها الشكلية، ومضامين صورها الجمالية، المحبوكة بلغة متينة، والخاضعة لتأمل دقيق، وتفكير عميق يحسن انتقاء الألفاظ والعبارات، بتقنية تتنفس من خلالها القصيدة، منحازة لفرح الروح، وإيناس القلب . هنا يرتقي العمل الإبداعي في عملية الخلق والتفنيد والتطريب، وصولا إلى مصاف التميز الذي بلغ مراتبه الدكتور مروان فارس معرشا على دوالي الفكر، رافعا البنيان المعرفي قناديل نور تضيء عتمة الساحات، ومعتليا صهوة الثقافة عبر مواجهة الحق بنداوة ثقافة شاملة مكنته من الوقوف على أرض صلبة في ساحة الأدب، معتمدا ربما عن قصد أو عن غير قصد قول ابن قتيبة في نقد الشعر في كتابه الشعر والشعراء : ” إن قيمة الشعر تتحدد من خلال الدلالة المعنوية والحرص على فصاحة لغة الشعر والارتقاء عن سقط الكلام”.
مروان فارس الناقد والشاعر والأديب والأستاذ الجامعي، والمناضل العربي القومي، والسياسي الألمعي الذي ارتقى بالسياسة إلى عبق المداد، ومواءمة الفعل السياسي مع خط سيره الثقافي المعرفي، بحيث أفشل عبر مسيرته السياسية الفعل القائم المناهض لتوأمة السياسة والثقافة، معترضا على كل من تجرأ على خدش لغة الضاد أو محاربتها أو النيل منها، هو اللبناني العربي الذي لم يدع تعمقه في دراسة الأدب الفرنسي، يطغى على شغفه بالبحث الدائم، والتدقيق المستمر عن المتميزين في حقول الشعر العربي والأدب، دارسا ومحللا وباحثا وناقدا.
دكتور مروان ، أيها الصديق المنتمي إلى الحق والحقيقة ، سرني أن أشارك الزملاء الأدباء في الإطلالة على قراءاتك في نقد الشعر ، لهذا أختم بالقول: الكلمة معك عصية على التسطيح، والحق طيوب مسيرة اخترتها، وعملت لها، فوفيت العهد والوعد، لهذا كنت الناقد المبتعد عن التزلف والتزيين اللامنطقي ، وقد تماهت كلماتك.. كلمات ليست كالكلمات، قدمتها مائدة عامرة لكل من سيحالفه الحظ بقراءة كتابك، أوليس الناقد شريك الكاتب في نصه.
*********
ألقيت في الندوة حول كتاب ” قراءات في نقد الشعر ” للدكتور مروان فارس ضمن نشاطات “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” السابع والخمسين، شارك فيها: الناقد الدكتور يوسف عاد، كمال ذبيان الذي ألقى كلمة النائب الدكتور كامل الرفاعي ، قدمها غسان خالدي.
كلام الصور
1- غلاف الكتاب
2- المشاركون في الندوة