ما سرّ هذا الحزن السعيد”؟
عندما تفتح كتابه لتقرأ، تدخل إلى عالم آخر إلى حياة ترقص على الورق، إلى لحن يعزف الجماد ، تتظلل بقوس قزح يلوّن سواد الحبر، يرافقك انسياب خرير الكلمات مع هديل الأحرف في ديوان “كرسيّ على الزبد”.
طبعًا إنه الديوان الجديد لأحد أعمدة الشعر اللبناني الأديب والشاعر محمد علي شمس الدين.
لوهلة، تظن أن هذا الديوان سيشبه سابقاته وهنا ما شاالله تطول اللائحة. إلاّ أن أمواج القصائد فيه متزاوجة مع غلافه الأزرق، تأخذك من مدّ إلى جزر على رمل ابيض في ليلة صيف، فتشعر بأنك تغرق والغرق هنا جميل: ففي قصيدة مريض البحيرة يقول:
“كلّما حطّ فوق البحيرة وجه القمر
أحسُّ بروحي، وقد مسّها الحبُّ
تمضي،
كأن المطر
يفاجئها في الهزيع الأخير من الصيف
أحلم بأن البحيرة قد أيقظتني
ومدّت إليّ بأسلاكها
وأنّي على درجات الحجر
نزلتُ إلى القاع
كي نلتقي”.
وفي مكان آخر، تتلمس جمالية الوجع في قصيدة “يا بحر أَقبلْ فقد شَغَر البّر” يصرخ:
“… ولعلي غريق الجزيرة
أمشي على خشبٍ مائلٍ
وتدفعني للغروب
الشمال
فالرحيلُ غدا موشكا
وما تركته الحروب على جسدي
من رسومِ الضحايا
وما غاص في قدمي من شظايا البلاد البعيدة”.
تسأل نفسك وانت تقرأ “ما سرّ هذا التناقض الجميل؟” ما سرّ هذا الحزن السعيد، هذا البكاء من دون دموع، وذلك في الأقسام الثلاثة للديوان: “من أغاني الكورس”، و”تسع قصائد إلى حافظ”، و”مقاطع إلى الجميل”، برأيي الشخصي في جميع القصائد، يأتيك الجواب في صدى المنشدين على جبل الشيخ وفي الشمع الذي مات من كثرة الضحك او في أغنية لأيلول “وأن الخريف الجميل الطويل العليل، دائم لا يزول”.
استاذي الشاعر، مباركٌ ديوانك “كرسيّ على الزبد”، في كل مرة أقرأك أكتشف بأنك بحرٌ نغرف منه ولا نشبع.
****
(*) جريدة “اللواء” 14-3-2019.