صدر حديثاً عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية في بيروت كتاب “ما بعد العلمانية” للمفكر والباحث في الفلسفة السياسية محمود حيدر، وقد تناول فيه للمرة الأولى بالعربية أصل ومنشأ هذا المفهوم والعناصر النظرية الأساسية المستجدة التي تميزه عن مفهوم العلمانية الذي ساد في الغرب الأوروبي ولا يزال سحابة أربعة قرون متصلة.
في هذا الكتاب استقراء لأطروحة ما بعد العلمانية من خمس زوايا:
الأولى: تعرض إلى ما تقدّم به عدد من علماء الاجتماع من مقترحات وتصورات لتعريف المفهوم، ولا سيما لجهة التأصيل اللغوي والاصطلاحي، وطبيعة المساجلات الدائرة حوله بين النخب الغربية.
الثانية: تتناول رابطة النَّسَبِ السُلالي بين العلمانية وما بعد العلمانية. وقد آثرنا لجلاء تلك العلاقة الرابطة أن نتميّز الوضعيتين تبعاً لخصوصيتهما النظرية والمعرفية، ناهيك عن الشروط الزمانية والمكانية لكلٍّ منهما.
الثالثة: تتحرَّى ما يمكن وصفه بـ «الثنائيّة الضديّة» بين العلمنة والدين. إذ لم يكن للعلمانية أن تتحول إلى سلطةٍ تاريخيّةٍ صارمةٍ، لو لم تجعل من الدين نقيضاً وجودياً لها. وعليه يستحيل الكلام على العلمنة في التجربة التاريخية لحداثة الغرب بمعزلٍ عن حاضريّة الدين، بالتالي فإن الحديث اليوم عن عودته كمنظومة قيمٍ إيمانيةٍ ومجتمعيةٍ إنما يعكس مكانته الجوهرية في إعادة تشكيل الحضارة المعاصرة.
الرابعة: تعاين اختبارات ما بعد العلمانية في المجتمعات الغربية، ولا سيما في أوروبا والأميركيتين حيث شهدت أرض هاتين القارتين انتقالات شديدة التعقيد والتداخل بين القيم الدينية وقيم العلمنة.
الخامسة: تسعى إلى متاخمة المفهوم بعين النقد. ولأن فكرة ما بعد العلمانيّة لمّا تزل بعد في طور التكوين، فإن الإسهام النقدي حول هذه القضية الإشكالية، تفترضه ضرورات معرفيّة وحضاريّة لا تنحصر مقاصدها بمجرد تظهير الفكرة، وإنما أيضاً وأساساً في تعيين التحديات الفكرية المفترضة وأثرها على مجتمعاتنا العربية والإسلامية راهناً وآتياً.