وزير الثقافة محمد داوود داوود: يشكل منصة
إنسانية ثقافية يتلاقى عليها الطامحون
إلى نعمة المعرفة
افتتحت الحركة الثقافية- انطلياس المهرجان اللبناني للكتاب للسنة 38، دورة “المعلم بطرس البستاني”، في القاعة الكبرى لدير مار الياس، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلا بوزير الثقافة محمد داوود داوود
بعد النشيد الوطني وتقديم من الياس كساب، تحدث أمين المعرض منير سلامة عن اهمية المهرجان، عارضا لبرنامجه، وقال: “في تسمية الدورة باسم المعلم بطرس البستاني، إعادة تذكير بالتحدي الحضاري الذي أطلقه كبار المفكرين في العالم العربي والذي فتح آفاق التطور والتحديث والتقدم في عالم كان يستنقع في التخلف والظلامية”.
واعتبر ان “تسليط الضوء في هذه الأيام على فكر النهضة حاجة أكثر من ضرورية بعد ان عاد العالم العربي ليغوص مجددا في مجاهل التخلف والقمع بمختلف وجوهه، وقهر الشعوب وكم افواهها واذلالها وافقارها، ولحث المثقفين الملتزمين على إعادة حمل مشعل التحرر والتجديد، في وقت يتزايد فيه مدعو ثقافة يحملون أقلاما ترتزق لدى أنظمة الفساد والجهل والطائفية والمذهبية والتي هي سبب شقاء هذه الأوطان وهذه الأمم والشعوب”.
واكد ان “ما نعيشه في لبنان وفي هذه المنطقة يزيدنا تصميما في الحركة الثقافية- انطلياس على رفع التحدي كما فعلنا دوما على مدى أربعة عقود ونيف”.
وشدد على أن المهرجان اللبناني للكتاب هو “المساحة الأرحب في لبنان التي تلتقي فيها النخب في المجالات الفكرية المتنوعة، هو احتفال سنوي بمنجزات قانونية وعلمية وادبية وفنية ومسرحية وشعرية وموسيقية، تضيف غنى على المكتبة اللبنانية خصوصا وعلى المكتبة العربية عموما”.
برنامج المهرجان
واشار سلامة الى ان “النشاطات تتنوع على امتداد أيام المهرجان، فقبل الظهر ندوات ولقاءات مخصصة لطلابنا في المدارس في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وتتناول لقاء حول تاريخ الجيش اللبناني والتعريف بالكلية الحربية، ولقاءات مع رياضيين وناشطين بيئيين وموسيقيين وسينمائيين بالإضافة الى استكمال النشاطات في مجالات حقوق الانسان التي بدأناها في الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الانسان، عدا عن مسابقات الاملاء والالقاء الشعري باللغتين العربية والفرنسية”.
وتابع: “بعد الظهر وعند الساعة الرابعة فالجميع على موعد مع ندوات حول قانون الانترنت وحول البيئة والنفايات والطاقة الكهربائية، بالإضافة الى مناقشة كتب صدرت حديثا ومنها للمسرحي رفعت طربيه وللإعلامي أنطوان سعد حول فؤاد شهاب واتفاق القاهرة وكتاب شبلي ملاط شاهدا، وأيضا حول إصدارات الأب مارون حايك وكتاب الدكتور عبدو قاعي، وكذلك ندوة تكريمية لثلاثة اعلام من منطقة جزين، للمجلس الثقافي لجزين، وتحية الى الغائب الكبير الشاعر موريس عواد. كما لا ننسى الندوة المتخصصة حول رائد النهضة المعلم بطرس البستاني”.
وأردف سلامة: “عند الساعة السادسة نلتقي لتكريم كوكبة من اعلامنا في الطب والقضاء والفلسفة والفن وعلم الاجتماع والأدب، وهم على التوالي، مع حفظ الألقاب، ناجي الصغير، نعيم ضومط، جورج زيناتي، غالب غانم، رمزي سلامه، نجيب عيسى، رلى ذبيان، جوزف الياس وعبدالاله بلقزيز. أسماء أصبحت أكبر من القابها، إضافة الى ثابتين الثامن من آذار يوم المرأة ونكرم فيه السيدة جمانة أبو الروس مفرج، والتاسع من آذار يوم المعلم ونكرم فيه الأستاذ أنطوان أبو سمرا والدكتور أحمد سنجقدار لتاريخهما الطويل في العطاء، اضافة الى ندوة في السابعة من مساء اليوم وبعد جلسة الافتتاح هذه، حول التوأمة بين بلديتي انطلياس النقاش (لبنان) ومدينة انطوني (فرنسا). أما في تواقيع الإصدارات الجديدة على منصة الحركة وعلى منصات الدور الناشرة فهناك اكثر من خمسة وخمسين توقيعا”.
وأعلن عن صدور الجزء السادس من موسوعة “اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي”، والتي “تعد من أهم السجلات الثقافية للنخب الفكرية في لبنان والعالم العربي على مدى الأربعين سنة الأخيرة، عدا كتاب المهرجان والكتاب السنوي وكتيب أعلام الثقافة لهذه الدورة، ونختتم مهرجاننا بأمسية تراثية، موسيقية غنائية تحييها أوركسترا القسم الشرقي وكورال الغناء العربي في المعهد الوطني العالي للموسيقى بقيادة الأستاذ فادي يعقوب”.
راجح
ثم كانت كلمة لرئيس دير مار الياس الأباتي أنطوان راجح، اعتبر فيها ان “الثقافة هي الطريقة الخاصة التي يمارس بها الأفراد والشعوب علاقتهم بالطبيعة وبإخوتهم، وعلاقتهم بذواتهم، ليتوصلوا الى حالة إنسانية كاملة. فما من ثقافة الا من الانسان وبالانسان ولأجل الإنسان. ذلك يشمل كل نشاط الإنسان، وعقله، وعاطفته، وبحثه عن معنى الأشياء، وعاداته، ومعالمه المناقبية. لذا يفخر دير مار الياس- انطلياس بحركته الثقافية التي تواصل عملها والكفاح منذ إحدى واربعين سنة متواصلة، وتتحصن ببعد أخلاقي داخلي، وبتآلف أعضائها وتضامنهم، وعزمهم المثابر على العمل التطوعي المجاني، الذي يندر هذه الأيام، في سبيل الخير العام، واعتبار الثقافة مناقبية أخلاقية. إنها ثقافة محبة الوطن، ومحبة الانسان. وإن كل عمل في سبيل الوطن والانسانية صلاة تحملها الملائكة. من هنا ارتياح الدير لامتداد رسالته الى هذه الأنشطة الحميدة والواجبة”.
وأكد ان “المهرجان عمل أخلاقي، وبادرة حب وشهامة وإنفة، لا يتوقف عند الاتصال بالأشخاص وحسب، بل يهدف الى لقائهم ومخاطبتهم، خصوصا في عالم بات الإنسان يتمركز فيه في عاصمة ال”أونلاين”، حيث تحجر القيم في دوائر الحياة الخاصة. فصحيح أن حركتنا الثقافية تحاول القفز تباعا الى مراحل متجددة، فيها مخاض الجدة وانبهاراتها، فتفك طوق اللحظة، وتلتفت الى ما كان ولن يعود، مستشرفة ما سيكون وليس بعد. وصحيح أنها تثق بما وصفه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في التقنيات المتسارعة التي تحتضر معها المجلدات الورقية، إذ قال: “لا تخافوا من التقنيات الحديثة، فهي واحدة من الآيات”. وقد دعا قداسته الى الافادة من خدماتها، لافتا في الوقت عينه الى أن دور الآية يقضي بأن تشير إلى ما فوقها وما ورائها، إلى المعنى، لا أن تصبح غاية في ذاتها. إنها لخدمة الانسان”.
وقال: “إن حركتنا جادة في استعمار مدوات الإفتراض الرقمية، وتقر بضرورة اعتماد رحلات تسارع الفكر، وتعبر تباعد الأمكنة وتآكل الآنات، ولكنها تبقي على ايمانها بالكتاب الورقي، وتبقي التقنيات في مساءلة أخلاقية، تمنع هيمنة الافتراضي من أن تنسينا القيم الانسانية، ومن أن تغدو آسرة ومعبودة. وهي تمنع الركمجة على شبكة الإنترنت من ثنيها عن الغوص إلى ما تحت المعلومات الجاهزة التي تقدمها محركات البحث، ومن التمسك باللقاءات الانسانية المليئة وحدها بالعبارات الحية”.
أضاف: “في التنشئة الوطنية، وهي إحدى خلفيات المهرجان، هل نتكوم في ممكنات قشفة يصورها تصلب شرايين التفكير والتعبير والارادة عندنا، فنكثر الكلام ونعدم الحوار، مجهضين كل بادرة في مسلخ الحسابات الضيقة والشكوك المبيتة، مكتفين بانتظار تبني الجنين، أو المسخ الذي يلد من رحم الدول الكبرى والاقليمية وتسوياتها؟ هل سنرضى بمقارنة أنفسنا بمجاهل بلاد نفتش معها عن بعض تفوق، إذا وجدنا، بعد أن كنا لا نرضى الا بمقارعة أرقاها؟”.
وتابع: “لن نكتفي بحصر أقصى الطموح في إدراج أسماء منتشرين ضمن لوائح، مع الإشادة بالجهد المبذول للغاية، ولا بالمطالبة الفورية بحلول جذرية جريئة ومتبصرة، لأزمات زحمة السير، والنازحين، والنفايات، ولأزمات المفتقرين الى القوت والسكن، والعلم والطبابة والاستشفاء والراتب التقاعدي أو الاجتماعي، وما أكثرهم. لا، لن نخفض سقف الأمل. لن نتسول الحد الأدنى، ولن نفرط بحق الطموح، فنكتفي بانتظار شح ما تجود به علينا الأيام. لن نرضى باستبدال منطق الارادة والنضج الذي يجيز حكم الذات بالذات، بمنطق الدلع والولع بالاستغلال والنهم وما تسنح به الفرص، ولا أن تستمر فسحة الأمل بالتقلص، حيث لا يعود العيش يتسع لأكثر من المرارة والقنوط”.
وأردف: “مع حركتنا ونظيراتها نتمسك بمبادئ أساسية لناحية الانتماء والفضيلة، ونبقي عقولنا مفتوحة على مصاريعها، لقراءة تاريخية لمفاهيم السيادة والاستقلال، لا تكون مفخخة بالهواجس، ولا مدججة بالانتفاعية الفردانية الأنانية، ولا تقوم على اصطفافات عدائية داخلية، أو على انطوائيات طائفية بغيضة، ولا على نوبات مكابرة وتشنيج وتجييش، أو على ايقاع مزاجية سياسية متقلبة، بل تكون مكللة بالحد الكافي من التضامن والاحترام، ومن التماسك المطلوب في المجتمع الوطني، وبالانتقال من التعايش الحذر، المتربص والمقتنص، الى التعاون الخلاق، وتلقيح منطق الانفتاح برحيق الإبداع”.
وختم راجح: “معكم نواصل الاستثمار في الفكر، في الرجاء والارادة، وننظر الى الغد بثقة وعزم، لنسهم من موقعنا الحضاري، في الخروج بالوطن من دوامات الرهانات والتخلف التي أنتجتها وتنتجها الأزمات المدبرة، المتوالدة والمتتالية، ونهدف الى ضياء الفكر، والقول، والعمل، والثبات على ايماننا بالله، وبهذا الوطن”.
سيف
ثم القى الأمين العام للحركة الثقافية انطوان سيف كلمة شكر في مستهلها لرئيس الجمهورية “رعايته المهرجان للسنة الثالثة على التوالي، ممثلا بمعالي وزير الثقافة الدكتور محمد داوود داوود الذي يزور حركتنا، بهذه الصفة الرسمية، لأول مرة، ونتمنى أن تكون فاتحة لزيارات لاحقة عزيزة ومثمرة، ونغتنم هذه المناسبة لنعبر له وللفريق المساعد له في جهوده الخيرة المرتقبة عن أملنا باستمرار هذا النموذج الناجح في التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتعميمه قدر المستطاع”.
واشار الى ان “الرهان على الكتاب ما يزال قائما ومبررا للقائنا كل سنة، على الرغم من الصعوبات التي تعكر هذه الصورة البهية للآمال المعقودة على استخدامه”.
وقال: “2009، كان عام “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”، فانفتحت المشاريع المتنوعة على دعم قطاع الكتاب بتطوير صناعته والحث على المطالعة الآخذة في الانحسار. وما زالت هذه عناصر أزمة الكتاب كما يتداولها المهتمون، تفاقمت مؤخرا مع إقفال عدد من رموز الصحافة اللبنانية الورقية، العريقة في الثقافة العربية. وكان التسرع في اعتبار السبب الأساسي في هذه الأزمة هو النشر الإلكتروني أو الرقمي الذي أخذ من النشر الورقي أمكنة شاسعة. إلا أن هذا التبسيط في المسألة لا يجدي في الكشف عن مكان الخلل”.
وتابع: “منذ أربعة أيام، في 26 شباط انعقد مؤتمر في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، بعنوان “مستقبل الكتاب الالكتروني- المطبوع- التفاعلي”، ضمن محورين: الكتاب الورقي والكتاب الرقمي الألكتروني. في المحور الأول، أعيد التذكير بتعريف للكتاب وضعته اليونسكو عام 1964 اعتبرته مطبوعا يشتمل على تسع وأربعين صفحة على الأقل؛ إلى جانب تعريفات أخرى موازية بأن الكتاب هو مجموعة من الأوراق المخطوطة التي تشكل وحدة ورقية في مجلد أو أكثر. إلا أن هذه المفاهيم تغيرت خلال الخمسين سنة التي مضت، بحيث بات يترك آثاره على نحو متسارع على فلسفة القراءة ذاتها، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية تسارع في نمو النشر الرقمي. وأشار إلى أن الجدل لم يحسم بعد، بالنظر إلى تباين الاحصائيات العالمية حول نمو سوق الكتاب الرقمي على حساب الورقي، حيث لا مؤشرات قاطعة حول ذلك، كما أن العديد من الدراسات التي تجرى في بلدان غربية لا تزال تمنح الإصدارات المطبوعة الورقية أفضلية لدى بعض الفئات والشرائح، ما يعني أن الأسواق ستبقي على المنشورات الالكترونية والورقية معا حتى زمن غير محدد، أي، بمعنى آخر، لا تعاقب ولا تناقض بين الورقي والإلكتروني، بل تعايش وخضرمة”.
وشدد على أنه “لا بد من تعاون موسع في هذه العملية العلاجية، بين القطاعات العامة والقطاعات الخاصة، كما تفعل حركتنا الثقافية، في حيز نطاقها على مدار السنة، بإقامة ندوات وحوارات ومؤتمرات ومعارض ومنشورات، وتسهيل الحصول على المعلومات الوافية بأسعار معقولة”، معتبرا ان “العنصر الأساس هنا هو التربية، تربية المتعلم، بعناصرها الثلاثة: الأهل، المدرسة، المعلم، وما تمثله من ثقافة خصوصية”، وآملا “إصلاحا جزئيا في تحديث المناهج وتطوير الكتاب المدرسي وورشة اعداد المعلمين الممارسين راهنا: فالرقابة على المدارس الخاصة والاهتمام بالمدارس الرسمية يؤول إلى تحسين التكافؤ في المنافسة بين التعليم الرسمي والخاص”.
وقال: “هذا يقودنا إلى نظرة نقدية إلى واقعنا السياسي العام، أو شأننا الوطني المتأرجح بين أخطار كبرى وآمال كبرى لا تفي بإزالة هذه الأخطار. وعناوينها: الدين العام الذي تفوق فوائده المئوية الناتج المحلي بوجهيه الداخلي والخارجي؛ وهناك منه، والبعض يقول أكثره، ما يمكن وضعه تحت عنوان الفساد في الإدارة العامة وفي السياسة (ومن غير واو العطف)، ما آل إلى انتشار الفاقة والفقر وتراجع العدالة الاجتماعية إلى مستويات مخيفة. فحالة جورج زريق، الفجيعة المأساوية، لم تكن، بدلالاتها الواسعة، ولا يجوز أن تكون، حادثة منعزلة وفردية”.
ولفت سيف الى ان “المجتمع المدني في لبنان أظهر حضورا فاعلا قدم بارقة أمل بالتغيير بالوسائل الديمقراطية، التي توجها بخاصة بتظاهرته الكبرى في وسط العاصمة بيروت في 29 آب 2015، بتركيزه على قضايا حياتية كبرى كالنفايات والكهرباء وغيرها، والتي كشفت كم هي مقصرة الطبقة السياسية الحاكمة والتي يختبئ فيها الفساد وأركانه. وهذه الضغوط الديمقراطية المدنية، في مجالات تأزم الديمقراطية السياسية، تقوم على مسار ثلاثي: المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وتوسيع البحث والنقاش والحوار حولها. فالديمقراطية، ديمقراطيتنا، لن تتعزز إلا بالوسائل الديمقراطية. والتفاؤل بالتغيير الآتي ليس وهما، فطريقه الثقافة الوطنية المستنيرة نبراس الوعي والضغط الديمقراطي المنظم الأكثر فعالية، وهي التي تقود السياسة الرشيدة”.
وعن تسمية المهرجان ب “دورة المعلم بطرس البستاني”، أشار سيف الى أنها الذكرى المئوية الثانية لولادته، وبعدما عدد إنجازاته الفكرية والثقافية والوطنية، اعتبر ان بطرس البستاني “كان من أكثر المفكرين ريادة بين النهضويين في بلاد العرب والمسلمين، فبدا وكأنه رجل سابق لعصره، كما وصفه في عنوان كتاب عنه يوسف قزما خوري”.
داوود
وفي الختام القى داوود كلمة الرعاية، فقال: “باعتزاز وشرف كبير، كلفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتمثيله في افتتاح مهرجانكم السنوي. مأثرة ثقافية وفصل معرفي حضاري، يتتالى بإيمان للسنة الثامنة والثلاثين”.
أضاف: “هذه التظاهرة، فخورون نحن بها على المستوى الرسمي والشعبي، وهي إحدى سمات لبنان، وتشكل استمرارية لدورة النهوض الريادي في العالم العربي منذ مطبعة حروف جبيل ومطبعة قنوبين وثورة الحرف، حتى اليوم”.
واعتبر ان “من فضائل المهرجان اللبناني للكتاب، انه شكل ويشكل منصة انسانية- ثقافية، يتلاقى عليها الكتاب والناشرون وجمهور القراء الطامحين الى نعمة المعرفة. ثم هي مناسبة وفاء لكبار أعطوا الفكر والآداب والفنون، في لبنان والعالم العربي، وهجا حضاريا”.
وقال: “هذه الاحتفالية التي وسمتموها بدورة المعلم بطرس البستاني، هي وردة إكبار وتقدير لأحد آباء النهضة العربية. هو القامة الموسوعية، صاحب “دائرة المعارف” ومعجم “محيط المحيط” ومؤسس صحائف: “نغير سوريا” و”الجنان والجنينة” ومترجم الكتاب المقدس. فضله كبير هذا المعلم”.
وتابع: “ذاكرون انشاءه المدرسة الوطنية في العام 1863 إثر تداعيات رواسب فتنة 1860، بالتعاون مع الشيخ يوسف الأسير ومتنوري تلك الحقبة، والتي جمعت طلابا من كل لبنان وركزت مناهجها على الالفة والاتحاد والولاء للوطن. ولعل اكثر ما يستوقف في فكر هذا الموسوعي، دعوته الى المساواة بين المرأة والرجل في خطابه الشهير 1849: خطاب في تعليم النساء”.
وأردف: “اذ نحتفل اليوم بالكاتب عبر الكتاب، فنحن في صميم ترويج المعرفة، التي بفضل وسائل التواصل صارت عابرة للحدود. إننا في قلب القرية المعولمة. ثم لا ننسى، أن اقتصاد اليوم، تحول من مجتمع زراعي، إلى اقتصاد المعرفة وظهور مصطلح رأس المال المعرفي القائم على الذكاء والمعلومة والبحث العلمي”.
وقال: “لقد لعبت الثقافة دورا راجحا في تكوين نسيج المجتمع اللبناني- عبر العصور- وتحولت مشروعا حضاريا، طمح كتابنا النهضويون واللاحقون في ترجمته إلى دور ورسالة لبنان في محيطه والأبعد. هذا المشروع الثقافي اللبناني، نعتبره نموذجا لمنطقة الشرق العربي والأوسط، من حيث التلاقي الحضاري- الإنساني- المعرفي وقبول الآخر من خلال الحوار والتآخي. هذا المشروع عبرت عنه منظمة اليونسكو، عمليا، من خلال تبني استحداث المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل عام 1970، عبر بيان أممي، اعتبر لبنان بصفته الجيوسياسية- الثقافية، جسر التقاء ثلاثي القارات: آسيا، إفريقيا، أوروبا، لحضارات الشرق بالغرب في مدينة مهد الأبجدية: جبيل”.
أضاف: “يسعدني هذا المساء، أن ندفئ عقولنا بوهج الحرف وهدي المعرفة وانفتاح آفاق الثقافة، خروجا من الشرانق وارتقاء ثريا إلى رحاب الإنسانية”.
وختم داوود: “باسم فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي شرفني بتمثيله هذه العشية، كل التقدير للحركة الثقافية في نشر المعرفة. ونعاهدكم أن يظل لبنان الرسمي حاضن العطاءات الفكرية، والمحفز والداعم الأكيد لكل المبدعين. ويبقى الكتاب أيقونة المعرفة في عقولنا. تحية لأهل الحرف. عاش لبنان”.
بعد ذلك قص داوود شريط الافتتاح، وجال محاطا بالحضور في أقسام المعرض الذي يستمر لغاية 17 الجاري يوميا من العاشرة صباحا حتى التاسعة مساء.