صدر للكاتب اللبناني شربل داغر كتاب شعري جديد، بعنوان: “أنا هو آخر، بصحبة ويتمان، بودلير، رامبو ونيتشه”، في 152 صفحة من القطع الطويل عن منشورات “مومنت للكتب والنشر” في لندن، وهو الكتاب الشعري الثاني عشر له، فضلًا عن أنطولوجيات ومختارات خاصة بشعره في أكثر من لغة.
يمتاز هذا الكتاب بأكثر من أمر. أولها أنه صدر في صيغتين مترافقتين: صيغة إلكترونية في منصات التوزبع والبيع العالمية (أمازون وغيرها)، وبصيغة ورقية لدى الناشر نفسه: “هذا أمر مثير، إذ أتوجه إلى قارئ مجهول، لن ألتقيه في أمسية أو شارع. كما طلبتُ هذا الأمر رغبة في التناغم مع مواقفي المتجاوبة مع النسق الإلكتروني في مشاريع الكتابة، والآن في مسارات توزيعها وانتشارها”.
أما الأمر الآخر فهو أن داغر قام بتجربة شعرية نادرة في الشعر العربي، حيث تأثر وتحاور أكثر من شاعر عربي حديث مع شاعر غربي أو مع قصيدة شهيرة، أما ما قام به داغر، فهو غير مسبوق لجهة تخصيص كتاب شعري بكامله، لما أسماه أحد النقاد “التصادي” في الشعر وبين الشعراء.
أما الأمر الأهم في الكتاب فهو بناؤه الشعري. فقد قام الكتاب على “صحبة” بين الشاعر اللبناني وأربعة شعراء يعتبرهم “المعلمين الكبار”، الذين أخرجوا الشعر وغيره من “عهد الطاعة”: “أخرجوه من عهد الطاعة والانصياع إلى تقاليد وقواعد مفروضة ومتبعة، إلى عهد يتوكل الشاعر فيه ببناء قصيدته بناء حرًا ومتمايزًا”.
يقول داغر عن كتابه: “ما قمتُ به مثير في تجربة الكتابة نفسها. ذلك أنني انطلقتُ من أربعة شعراء، وصنعتُ لكل واحد منهم كتابًا. قامت الصحبة في الكتاب على التمشي في شعرهم، ومعهم، في ممرات الوجود وفي سطور الشعر. والصحبة تعني التمثل وطلب القربى، لكنها تعني أيضًا الاختلاف والمناوشة وطلب التمايز”. كما يشرح داغر أن الجمع بين هؤلاء الأربعة غير مسبوق في الآداب الغربية، ولا في العربية، مع أنهم عايشوا الحقبة الزمنية عينها: “هذا ما تحققتُ منه بنفسي، إذ راجعتُ أشعارهم بشكل خاص. فقد جمعَ بينهم الخروج على الشعر الموزون، صوب تشكيلات شعرية حرة، وتبني نفسها بنفسها من دون نموذج مسبق، كما كان عليه الشعر قبلهم”. كما يوضح داغر أنه وجد، في الفكر المنشط لحيويتهم الشعرية، تقاطعات جديرة بالاهتمام والملاحظة والتعقب. منها أنهم “اتجهوا إلى “الغيرية”، أي إلى كلام جديد، غير مسبوق، عن أن الآخر قائم في كل ذات، في كل متكلم. وهو ما قام عليه كتابي، إذ جعلتُ جملة رامبو الشهيرة: أنا هو آخر” عنوانًا له”. إلا أن كتاب داغر الجديد كتاب في السيرة أيضًا: السيرة الذاتية، والسيرة الشعرية. فيضم قصائد تتحاور مع كل شاعر في نقاط متقاطعة بينهم، سواء في الحياة نفسها، أو في حياة القصيدة: “ما عايشه رامبو، على سبيل المثال، بعد فشل “كومونة باريس” الثورية، عايشتُه بنفسي بعد اصدام بدايات الحرب اللبنانية بالجدار الطائفي السميك… وما عايشه نيتشه من تقلبات، في كتابه عن زرادشت، بين الفرد والجموع، عايشتُه وأعايشه بدوري”.