محطة وفاء…

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

ليست مصادفة أن تدعو إلى إقامة هذا الاحتفال التكريمي حركة تدعى “حركة لبنان الشباب”، وليست مصادفة أيضًا أن يُقام هذا الاحتفال في فندق يدعى “فندق الصخرة”، فـ “الحركة” و”لبنان” و”الشباب” و”الصخرة”، أربع مترادفات لشخص واحد، بل –قل- أربعًا من دلالات أو صفات شخص واحد، هو رفيق دربنا وابتسامة حياتنا والأخ الذي لم تلده أمنا: أسطا أبو رجيلي..

يقول أنيس فريحه في كتابه القيِّم ” معجم أسماء المدن والقرى اللبنانيّة”، إن أصل اسم بحمدون آرامي، هو “بيت حمدون”، أي بيت الحُسن والجمال، فيما يميل باحثون آخرون إلى اعتباره “بيت اللذة والفرح”، أما نحن، نحن الذين أدمنّا على الاصطياف في ربوعها، في عز أيام العز، فلم ولا ولن نرى فيها إلّا الصفات كلّها مجتمعة في بيت واحد، ألا وهو بيت الفرح والحُسن والجمال…

أسطا أبو رجيلي هو ابن هذا البيت، بل هو البيت نفسه، المتحد بتبر ترابه، كان وسيبقى، منه وفيه، جسدًا وروحًا، حكاية هوى، خلاصتها: هو بحمدون وبحمدون هو…

جمعتني بـ أسطا صداقة قديمة، امتدت من مقاعد الدراسة، إلى أيام الشباب، واستمرت حتى كانون الأول الفائت، وهو الموعد الذي انتقل خلاله من بصرنا إلى بصيرتنا: مارد محبة، شلال جمال، وضحكة مجلجلة ما زال صداها يتردد في عمق أعماق القلب والعقل والبال…

صحيح أنَّ القطار انسلخ عن السكة، وأنَّ المار اليوم في المحطة لا يسمع إلا صفير الانتظار، ولكن الصحيح أيضًا أنَّ الأرض الطيّبة، التي انغرست فيها قمحة أسطا، هي أرض الربيع الدائم، وبُشرى السنابل، المثقلة بحبّات المحبّة، والخير الوفير…

كل تلة في بحمدون، كل واد، كل قنطرة، كل باب، كل قرميد، كل زهرة كل شجرة، كل كرم، كل عنقود، كل كأس، كل رغيف، كل جزء وكل كل فيها، مرآة لوجه واحد لن يغيب، هو وجه أسطا الحبيب…

قبل أكثر من نصف قرن، كتب شحرور الوادي تحت صورة له، وضعها على غلاف مجموعته الشعرية الكاملة، بيتين من الشعر ، جاء فيهما:

يا ناظـــري في حيـــاتي/ بالرسم سلم عليّ

فالذكــــــــر بعد ممـــــاتي/ يرد روحي إليّ

فلنستوح من شعر أسعد الخوري، ونسلّم جميعًا على بحمدون الجميلة، لعلنا “بالنظر إلى رسمها” نذكر أسطا ونرد روحه… إلينا…

****

(*) ألقيت في الاحتفال الذي أقامته “حركة لبنان الشباب” تكريمًا لرئيس بلدية “محطة بحمدون” للراحل أسطا أبو رجيلي، السادسة من مساء الأربعاء 27 شباط 2019، في فندق “الصخرة”، نيابة عن نقيب الصحافة الأستاذ عوني الكعكي، كممثل شخصي له.

اترك رد