جاء الحامِلُ السَّيْفَ ، نقولُها تَحبُّبًا في أَوْبَةِ عَيّاضَ من المرعى مزدهيًا ، مع قطيعِ ضَأْنِهِ، متنكِّبًا عصاهُ الّتي تَنَسَّبَ لها جِرابٌ دُسَّ فيه زادُ يومٍ طويلٍ ، قلّما انقطعتْ وسائلُهُ عن مشارِبِه.
إنّ الثوبَ مَخِيطٌ بيَدِ مُصمِّمٍ بَريع !
حتّى إذا أَغرَقْتَ وأَمعَنْتَ في البحثِ والتّنقيبِ والتّنقيرِ ، بَلَوْتَ سِرَّ ما استُبهِمَتْ عليه الوَفْضَةُ(1) وعلَّلَتْكَ باللّذائِذِ من أطيابِ الرِّيفِ ولُزوميّاتِه :
- رأسُ بندورةٍ تَشَقَّقَ عافيةً ، ماسِكُ رَحِمٍ في الأَعمامِ والخُؤولةِ إلى أَشتالِ حديقةِ أَبي سامِر.
- بعضُ حُبّانِ الزيتونِ الخِلاسيّةِ اللَّونِ ، الهجينةِ القشرةِ ، تنِزُّ الزّيتَ من نُعْمائِها ، فكأنّما قد فاضَ النُّورُ من أيقونَةِ قِدِّيسٍ مَدَّ للأريحيّةِ باعا .
- بَصَلَةٌ بيضاءُ تعتزي في قِنَّارِها(2) إلى مَسْكَبَةِ(3) أُمِّ خليلٍ ، لا تُخالِطُها شُبهةٌ ، ولا تَعتَريها لُبسَةٌ في رَساخةٍ محتِدٍ ، ومَكرُمَةِ أُحدوثَةٍ ، ومأثورِ محامِد . تَزْعَمُ أمُّ خليلٍ تَعَزُّزًا وتَشَرُّفًا أَنّها تأثّلَتْ من أَكّارٍ مَغربيٍّ عَهْدَ الازدِراعاتِ الصُغرى في لأْلاءِ قُرانا ، على سُنّةِ “البيْتِ الـمَكْفي سلطان مَخفي”. راياتٌ مُمَنَّعَةٌ ، مَيِّهَةٌ تَتَهيّأُ من أَيادِيْهِنَّ المباركةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، مطالِعَ ضِياءِ وشالاتِ حَرير !
- ثلاثُ بُيوضٍ مسلوقةٍ من دجاجتِهِ الرَصاصيّةِ ، الّتي في قَدِّها مَشْقٌ تُكَوْكِبُهُ غريزةٌ حشيمةٌ ، وخَفارةُ عُرْفٍ أَحْيا من كَعابٍ تَزْوَرُّ خَجَلاً كلّما داعبَ النَسيمُ أرياشَها السبيلةَ ، وروعَةَ المحاسِر. وإنها لَتَعْثُرُ في نُقْلِها إذا خَفَقَتْ ببالِها رياحُ ذلك الديكِ الأحمرِ الماجِنِ بِعُفْرَتِهِ المغايِرَةِ ، وقد تمسَّحَ بها مرّةً وأفْضى إليها بِعَظيْمَةٍ لا يَجوزُ أن تُحكى وتُعْلَنَ بالزِّمارةِ والدُّفُوف .
ومِن مَرْويّاتِ عَيَّاضَ عن دجاجتهِ أنّ ديكَ أُمِّ شاهينٍ ، وهو خِدْنُ هوًى ، وطِلْبُ حِسانٍ اعتَلَقَها وصبا إليها ، فتلبَّسَ حُبُّهُ بدمِها ، وملأ عليها في سِفادِهِ السَّهلَ والجبلَ ، ففرَّجَ مَضايِقَ قلبِها ، ودَخَلتْ معه في الأمَنَةِ بأفسحِ ما فتحَ الوجدُ والحُرقَةُ في الوادي من مُدوَّناتِ النَواقيس .
وما نَسِيَ قطعًا أنّها رجَعَتْ مرّةً من بعضِ المنازِهِ في الجوارِ هَلْكى يترَقْرَقُ الطِّيبُ في ريشِها ، مترنّحةً من فَتْقِ عِشْقٍ ، وأَخلَدَتْ إلى خُمِّها سَكْرى تَغِطُّ في سُباتٍ عميق .
منذئذٍ كَلِفَ عَيّاضُ بالبَيْضِ ، واستَوْجَفَ فؤادَهُ الوَلَهُ بالرّاعيةِ البدويّةِ “خضراءَ” ذاتِ الطَفالةِ والبَضاضَةِ ، والمجَسِّ اللَّدْنِ الرّطيب !
* * *
ويَزْلُقُ القمرُ على روائِحِ السَوْسَنِ والصّعْتَرِ والـمَرْدقوشِ تتطايرُ من عُبِّ خضراءَ ، مُتَطاوِلاً نحْوَكَ بجُمّاعِهِ بِعينَيْنِ ثَنْتَيْنِ زهرةَ بزَهرةٍ ، وتَهضِبُ حولك الشَّمسُ كأنّها الشُّعلَةُ في ضجَّةِ الأفراحِ والتِعاجِ الخواطِرِ ، وثِوارِ البراكين .
فما ظنُّكَ يا صاحِ أين يَطْلُعُ الصُّبحُ على الأُقحُوانِ المفلَّجِ ، وكيف يكونُ الضّريمُ إذا وافى المستهامَ بساطُ الرّيح؟!
* * *
وتبقِيْنَ “يا (خضرائي) أبدًا رنّةَ أقلامي ، وكيمياءَ أحرُفي وجَوايَ في هذا الكونِ العَصيب!
أَنْ تحمِليني على جادَّتِكِ ،
وأتَسوَّمَ بِسيْماكِ ،
فقد وسعَني منكِ في هواجسي
الزّهرُ ثمرُهُ ، والبلبلُ غَرادَتُهُ !
وهاتِ يا ليالي قَمْراءَ ضَوْعَ الياسمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الجراب المزادة
- أصلها
- مشتل صغير