وزير الثقافة محمد داود: نولي اهتمامًا بالغًا بضرورة المحافظة على هذا الإرث المتوارث
أطلق مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت واللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو، ورشة تدريبية حول “تطبيق اتفاقية 2003 لصون التراث غير المادي”، برعاية وزير الثقافة محمد داود داود، في فندق “غراند هيلز” برمانا، بحضور مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد ومسؤولون من مختلف الوزارات وممثلون عن الجامعات وعن منظمات وهيئات ناشطة في مجال حماية التراث غير المادي.
وتأتي الورشة في إطار برنامج اليونسكو لبناء القدرات، بهدف تنفيذ اتفاقية عام 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، ويعنى به التقاليد وأشكال التعبير الحية الموروثة مثل التقاليد الشفهية، والممارسات الاجتماعية، والطقوس، والمناسبات الاحتفالية، والمعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية.
داود
وقال وزير الثقافة: “من المعروف أن مصطلح “التراث الثقافي” تداولته المؤسسات الدولية، انطلاقا من منتصف القرن الماضي، تدليلا على أهمية الآثار عامة، ثم تطور المصطلح -نهاية القرن- ليضم التراث غير الملموس، كالمعارف والمهارات التقليدية والأمثال الشعبية والفولكلور وسائر الموروثات الشعبية، من جيل لآخر”.
أضاف: “في تعريفه بالفولكلور، الذي يستوعب جزءا هاما من موضوع ورشتكم، يقول الباحث والمؤرخ الكبير أنيس فريحة في كتابه: “القرية اللبنانية، حضارة على طريق الزوال”: “… إنها جريمة علينا، نحن الذين عشنا هذا الفولكلور، أن نتقاعس عن جمعه وتدوينه للأجيال الآتية، كجزء من تاريخنا الاجتماعي – الروحي – الفكري. إن الحياة الاجتماعية تتطور بسرعة، وإذا لم نتصد لتدوينه، يخشى عليه من النسيان…”.
وتابع: “أتطلع باهتمام كبير إلى نتائج هذا اللقاء. كونه يسلط الضوء على قضية تعنى بانتمائنا وهويتنا اللبنانية، عبر حماية هذه الموروثات، حول المعارف البدائية والعادات والمعتقدات والأساطير والأمثال والشعر العامي والألعاب والأعياد الشعبية والدينية وفي مواسم الزراعة والطقوس، التي أطلق عليها العالم الاجتماعي الإنكليزي ويليام دون تومس مصطلح “الفولكلور” في العام 1846″.
وقال: “نعرف جميعا أن الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لليونسكو سنة 2003، للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، تعتبر أول وثيقة دولية ملزمة. على غرار اتفاقية العام 1972 للتراث العالمي الثقافي والطبيعي، والتي وقعها حوالي 160 دولة، دخلت حيز التنفيذ في لبنان العام 2006. كثيرة وفاعلة أهداف تطبيق هذه الاتفاقية. فهذا التراث العريق المهدد بالزوال والنسيان، يشكل بوتقة للتنوع الثقافي، ويعبر عن إرادة عالمية في تقارب شعوب الأرض والتفاهم، واحترام الخصائص والفرادات البشرية عبر التعاون الدولي. كما تحث هذه الاتفاقية، على ضرورة التوعية في الدول والمؤسسات والمجتمعات الأهلية والأفراد، على الحاجة الماسة لصون هذا الإرث البشري وإحيائه في يوميات حياة المجتمعات”.
أضاف: “إذا كان نمط الحياة الصاخب، المتسارع، والتحديات من أنماط الحياة وتكنولوجيا التواصل الاجتماعي وبعض مساوىء العولمة، تنسينا فرادتنا وتغيب عن ممارساتنا اليومية خصوصيات مجتمعنا اللبناني في ضيعنا ومناطقنا وبيوتنا، وهي غنية متنوعة، هذه التحديات تدفعنا بالضرورة، الى السعي الحثيث لإعادة اكتشاف جذورنا وثقافاتنا الشعبية”.
وتابع: “إن إبرام لبنان اتفاقية اليونسكو بموجب القانون رقم 720 تاريخ 15/5/2006، والذي دخل حيز التنفيذ في نيسان 2007، سمح لليونيسكو بإدراج الزجل اللبناني على لائحة “تراث البشرية غير المادي” في كانون الأول 2014، وذلك بعد إدراج بعلبك وعنجر وجبيل وصور ووادي قاديشا في العام 1984 على لائحة التراث العالمي الثقافي الطبيعي”.
وأردف: “ان وزارة الثقافة تولي اهتماما بالغا بضرورة المحافظة وصون هذا الإرث الجميل المتوارث من أجيال بعيدة، وإننا مدعوون كوزارات معنية ومؤسسات رسمية وأهلية للتعاون الوثيق، لتفعيل هذه الوثيقة، حماية لإرثنا واستحداث مؤسسات شعبية في المناطق اللبنانية، تنشط السياحة الثقافية – التراثية وتخلق فرص عمل جديدة، وتشكل عامل جذب إضافيا لتعريف أهلنا والسياح الأجانب بفرادتنا اللبنانية”.
وختم: “دعونا نتشبث بجمالات وطننا وبقيم وعطاءات إنساننا اللبناني بالرغم من التحديات والصعوبات، وبالإرادة ننجح. قال يوما المؤرخ الكبير أرنولد توينبي “لا تقتل الأمم بل تنتحر”. إننا محكومون بالأمل وببهاء الحياة”.
الهمامي
من جهته، أشار مدير مكتب اليونسكو في بيروت الدكتور حمد الهمامي الى أن “الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي اعتمدته اليونسكو في عام 2001 وضع التنوع الثقافي في مصاف “التراث المشترك للانسانية” باعتباره “ضروريا للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للطبيعة”. وأكد الإعلان أيضا أن الدفاع عن التنوع الثقافي هو “واجب أخلاقي ملزم، لا ينفصل عن كرامة الإنسان”. وكان اعتماد اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2003 خطوة حاسمة أخرى في الجهود التي طالما بذلتها اليونسكو من أجل التنوع الثقافي ردا على ما يتعرض له التراث الحي غير المادي من تهديدات ناجمة عن عمليات العولمة المعاصرة والتحولات الاجتماعية التي لم يسبق لها مثيل”.
أضاف: “رغم أن مصطلح “التراث الثقافي غير المادي” مصطلح جديد نسبيا، فإن المفهوم قديم قدم الإنسانية، فالتراث الثقافي غير المادي يشمل طائفة عريضة من أشكال التعبير بدءا بالتقليدي وانتهاء بالمعاصر وانطلاقا من الريفي حتى الحضري. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها”.
وختم: “إن تعزيز الدور المحوري للثقافة، وبصورة أخص وعلى وجه التحديد التراث الحي، في العمليات الرامية إلى تحديد التنمية المستدامة، مسألة تدافع عنها اليونسكو بحماس، ولا سيما في إطار أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية. وإنني على اقتناع راسخ بأن الحفاظ على التراث غير المادي ليس ضربا من ضروب الترف بل هو ضروري من أجل الاستجابة الفعالة للتحديات المعاصرة. ذلك أن نظم المعارف التقليدية والحكم القديمة قدم الزمن تحمل في طياتها الكثير من الدروس القيمة التي يمكن أن نستخلصها في مجالات محددة مثل الأمن الغذائي والصحة وإدارة الموارد الطبيعية، والتي يمكن أن تسهم على نطاق أوسع في الحفاظ على التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يستغل التعليم النظامي التراث الثقافي غير المادي لجعل التعليم المدرسي أوثق صلة بالطلاب، فيعزز في الوقت ذاته الهوية والتفاهم واحترام التنوع الثقافي”.
زين
بدورها، قالت الأمينة العامة للجنة الوطنية لليونسكو الدكتورة تالا زين: “بين التراث والانتماء والهوية ثالوث نبني به مداميك الوطن. كيف لنا أن نرسخ انتماءنا دون جذور التراث وثمار الهوية. في مواجهة الحداثة المفرطة، ليس لنا إلا المحافظة على تراثنا الثقافي حامي هويتنا، وضامن تنوعنا، وخطابنا مع الآخر المختلف. كان هذا توجه منظمة اليونسكو التي وضعت اتفاقية “صون التراث غير المادي” في العام 2003، وكرست مفهوما موسعا “للتراث الثقافي” الذي لم يعد يشمل فقط المعالم التاريخية، ومجموعات القطع الفنية والأثرية، وإنما يشمل أيضا التقاليد، أو أشكال التعبير الحية الموروثة عن أسلافنا، والتي ستنقل إلى أحفادنا”.
أضافت: “تكمن أهمية التراث الثقافي غير المادي في المعارف والمهارات الغنية التي تنقل عبره من جيل إلى آخر. والقيمة الاجتماعية والاقتصادية التي ينطوي عليها نقل هذه المعارف، تهم الأقليات مثلما تهم الكتل الاجتماعية الكبيرة، وتهم البلدان النامية مثلما تهم البلدان المتقدمة. وعليه، يضمن التراث غير المادي الإحساس بالهوية، والاستمرارية ويشكل حلقة وصل بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا”.
وتابعت: “بعد أن وقع لبنان على “اتفاقية صون التراث غير المادي”، نجح بضم الزجل إلى قائمة التراث البشري غير المادي لمنظمة اليونسكو. وفي إطار تفعيل مضمون هذه الاتفاقية، نفذت اللجنة اللبنانية لليونسكو، بدعم من المكتب اليونسكو الاقليمي في بيروت، وبالتعاون مع خبراء مختصين، عدة مشاريع لصون التراث غير الثقافي، ومنها إدخال شعر الزجل في المناهج المدرسية، وإعداد سياسة ثقافية لصون التراث الثقافي غير المادي، ونشر الوعي حول أهمية التراث غير المادي بين فئات المجتمع اللبناني، وبخاصة الأساتذة والتلاميذ، وذلك في كافة المناطق اللبنانية على حد سواء. ومشروعنا اليوم يصب في الإطار عينه، ويهدف إلى التدريب على تطبيق هذه الاتفاقية من قبل الجهات المعنية والمختصة، من وزارات، ومؤسسات، وجمعيات، وذلك لدعم تطبيقها على مستوى وطني لإعادة إحياء نبض تراثنا وهويتنا، وبالتالي انتمائنا للوطن الذي يشكل حجر الأساس لتحقيق التنمية المستدامة”.
كريدي
وأشار مسؤول برامج قطاع الثقافة في مكتب اليونسكو في بيروت المهندس جوزيف كريدي الى أن “التراث الثقافي غير المادي يشكل بالرغم من طابعه الهش، عاملا مهما في الحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة العولمة المتزايدة. ففهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر”.
أضاف: “إن أهمية التراث الثقافي غير المادي لا تكمن في تمظهره الثقافي بحد ذاته وإنما في المعارف والمهارات الغنية التي تنقل عبره من جيل إلى جيل آخر. والقيمة الاجتماعية والاقتصادية التي ينطوي عليها هذا النقل للمعارف، تهم الأقليات مثلما تهم الكتل الاجتماعية الكبيرة، وتهم البلدان النامية مثلما تهم البلدان المتقدمة”.
وتابع: “إن التراث غير المادي، شانه شأن الثقافة عموما، في تغير وتطور مستمرين ويزداد ثراء مع كل جيل جديد. إن الكثير من أشكال التعبير ومظاهر التراث الثقافي غير المادي باتت مهددة ومعرضة للخطر جراء العولمة ونقص الدعم والتقدير. وإذا لم تتوفر للتراث الثقافي غير المادي الرعاية المناسبة، فقد يتعرض لخطر الضياع إلى الأبد أو يصبح من أوابد الماضي. ولا شك أن الحفاظ على هذا التراث ونقله إلى الأجيال القادمة أمر يقويه ويبقيه على قيد الحياة ويسمح له في الوقت ذاته بالتغير والتكيف”.
وأمل أن “تسهم ورشة العمل بشكل فاعل في عملية تعزيز القدرات لممثلي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية من أجل التطبيق الكامل لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي على الصعيد الوطني”.
وتخلل الجلسة عرض للفنان ناصر مخول الذي عزف على آلات تراثية موسيقية صنعها من شجر مناطق لبنانية مختلفة.