هَا أنا جِئْتُ كي أُعِيْدَ الصَّباحا *من دِيُوجينَ (1)حامِلٌ مِصْباحا
وأنا خمــرةُ الحياةِ تَعَالَوْا ! ** يا نَدَامي ! وَأَتْرِعُوا الأقْدَاحا !
وَاشْرَبُوا قَهْوةَ التَّسَامُحِ عندي * وَامْلَأُوا الكَوْنَ كُلَّهُ أفْرَاحا
واتركُوا الّلطْم (2) واهْجُرُوا الَّلدْمَ (3) هَجْراً*وافلَحُوا في الحياةِ تَلْقَوْا فَلاحا
إنَّ بَعْضَ الأَنامِ قــومٌ حَزَانـي ***بنفوسٍ تستعذبُ الأَتْـراحا
بين ليلي وبين أمسي ويومي**زَرَعَ الحُـبُّ بي حُقُولاً فِساحا
من خُزَامٍ وبَيْلَسَانٍ وَوَرْدٍ *** وَزُهُوري قد أَزْهَرَتْ أرْوَاحا
إنَّ أيَّارَ مَوْعِدٌ سوف يأتي *** للبراري ! وَنَقْطِفُ اللُّفَّاحا(4)
ولقد قالـَها المسيحُ : تَعَالَوْا! **يا مساكينُ !وَاسمعوا الإصْحَاحَا
آخِذُ النّاسِ بالسُّيُوفِ سَيَلْقَى ****مِنْهُمُ في الوَغَى سُيُوفًا صِفَاحا
فَاقْرَأُوها ! وَدَقّقوا! فَهْيَ تَعْني***** لا تـَمُـرُّوا بِصِدْقِها إلْمَـاحا
فكثيـرٌ يَرَى الصّحيحَ صَحِيحًا**** ثُمَّ يُبْدِى لما يَرَى إقْمَاحا(5)
وَخَلاصُ النُّفُوسِ خيرُ سبيلٍ ****** فاسْلُكُوْهُ مَسَرَّةً وفَلاحا
وَخَلاصُ النّفوسِ حِصْنٌ حصينٌ * إنْ أرَدْتمْ لحالِكُمْ إصْلاحا
وَقليلٌ من السُّلافَةِ يَكْفي ***** يملأُ الصَّدْرَ بَهْجَةً وانشِرَاحا
لستُ أدعو إلى الكرومِ غُرَاباً **** ذا نعيبٍ بلْ بُلْبُلاً صَدَّاحا
كلُّ طَيـْرٍ يُجيدُ شَدْواً صديقي***طولَ عُمْري وقد أَلِفْتُ المِراحا
إنْ أَكُنْ مازِحاً فَمَزْحِيَ جِدٌّ *** مُنذُ أنْ كنتُ ما ألِفْتُ المزاحا
وانا لي من هَوَى المِلاحِ مُلِاحٌ***أينَ ذَنْبي إذا هَوِيْتُ المِلاحا ؟
وأنا لي يا لأُمَّتي! موسيقى ** وَسُكُوتي كم يُظهرُ الإفْصَاحا
وَغُمُوضي فيه وُضوحٌ لِذاتي*******وَرُمُوزي تُرَشِّحُ الإيْضَاحا
وَطَني عالمي،ومرآةُ نفسي،******صورةُ الكونِ إنْ أَتَى أو راحا
قد وَسِعْتُ الوُجُودَ حُبّاً وضَمّاً ******* وَغَدَا عالمي إليَّ مُباحا
فَانْزَعِي الهَمَّ يا شقيقةَ روحي *****وَالْبِسي فرحةَ الزَّمانِ وِشَاحا
أنْتِ للشَّدْوِ طائرٌ وجَناحٌ *********وأنا قد أعَرْتُ طيـري جَناحا
وَغَدَا عاشقو الحياةِ هُواتي *******وهي روحي تَقَسَّمَتْ أرواحا
مثلُ تفجيــــرِ ذَرَّةٍ بتَوالٍ ********فنجــــاحٌ مُوَلِّـــدٌ لــــي نَجـاحا
وأنا الجُزْءُ أَحْتَوي كلَّ شيءٍ*****كانَ مُذْ كنتُ في الوجودِ طِماحا
وَفُؤادي ما أغْلَقَ البابَ يومًا ******مذْ كَسَرْتُ المِزلاجَ والمِفتاحا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـــ ديوجين : هو ديوجين الكلبيّ فيلسوف يونانيّ كان زاهدًا
ويعيش في برميل ، وكان يحمل في رائعة النّهار مصباحا مضاء ،
ويطوف به الأسواق فيعجب النّاس له،
وإذا سألوه أجاب : أفتّش عن إنسان فاضل
2 ــــ اللطم : ضرب صفحة الخد بباطن اليد .
3 ـــ واللدم : ضرب الصدر ..
4 ـــ اللُّفَّاح : (تفّاح المجنّ) نبته برّية لا ساق لها ، ورقها كورق الباذنجان ،
زهرتها بيضاء أو زرقاء ، وثمارها الخضراء مخدّرة ، ويُعتقد أنّ
لأثمارها الصفراء الناضجة قوة سحرية ، وعصيرها “إكسير الحبّ ” ،
وكان ثمنها في العصور الوسطى وزنها ذهباً ، وتدور حولها في
الشّرق والغرب أساطير وحكايات كثيرة مدهشة ، اشتغلّها المفكر
السّياسيّ الإيطالي ميكيافيللي فوضع مسرحيّة قصيرة مدهشة بعنوان:Mandragora أي (مجنّن البقر) وهي لبسط فلسفته : ا
لغاية ثبؤّر الواسطة.
5 ـــ إقماح: رفع الرأس وغضّ النّظر.