التعليقات الـ”فايسبوكية” على الشعر في ميزانَي النقد والخديعة

نشر أحد الشعراء البارزين قصيدة في حسابه عبر “فايسبوك”. انهالت عليه التعليقات وعلامات القلوب والإعجاب. أكمل سهرته في الردّ عليها وعلى مضمونها المادح. إذ بتعليق غريب، قدّمه صديقه حديث العهد بالعالم الافتراضي، نبّهه فيه إلى خطأ لغوي وخلل في الوزن. شعر الشاعر المنتشي بجرح نرجسي، وعد التعليق تهكماً. أخفي التعليق أولاً، ثم بدأت الأفكار “تجيء وتروح” حتى وجد طريقة سريعة للرد: حذف التعليق، ثم الدخول إلى حساب المنتقد والبحث له عن أخطاء، والرد بتعليق سلبي، تمهيدا لحظره من لائحة الأصدقاء.

حدث يفتح الباب على مصراعيه أمام إشكاليات جمّة: ترى هل يتقبّل الشعراء عادة النقد في التعليقات “الفايسبوكية”؟ وما مضمون التعليقات واتجاهاتها عادة؟ وهل يمكن الركون إليها في عالم النقد؟ ولِمَ ينزعج عدد كبير من الشعراء من النقد الهادف في التعليق، ويترقبون إجمالا الثناء والمديح؟

مع أنّ الإجابات والأحكام هنا تبقى نسبية لا تُعمّم على الجميع، فإنّ متتبّعَ حركة التعليقات أسفل قصائد عدد من الشعراء، يلاحظ غزارة المديح والثناء والإطراء، مع علامات إعجاب وقلوب وورود ورموز مودة أخرى. وقلما تعثر على نقد سلبي، أو تصويب، وإن وجدته أحياناً، فتجده إجمالا مُهملاً من الشاعر بلا رد أو إعجاب. هذا إن أبقاه أساساً في منشوره!

وكأني بالتعليق غدا مؤشراً إلى ردّ الجميل أو المجاملات، ولا ننسى هنا عامل القرابة أو المصلحة، علماً أنّ هناك تعليقات جمة أيضا تنمّ عن حس نقدي وإعجاب حقيقي ومحبة. لكن بالاجمال، فإنّ مضمون التعليقات تغيب عنه هنات اللغة والنحو والإملاء والركاكة.

وفي قراءة نفسية لمن لا يتقبّل النقد الهادف في التعليق، يمكن ربط القضية بالنرجسية، كون النقد يصيب كبرياءه وإعجابه الشديد بالنفس والشعر في الصميم، ولعلّ هذا ما يفسر حذف التعليق السلبي أو التهكم على صاحبه أو الردّ عليه أحيانا بقسوة في قائمة التعليقات، أو ربما نقده لاحقاً في منشورات مستقلّة تلميحاً أو تصريحاً.

ويرى عدد من المراقبين أنّ التعليقات تكثر أحياناً على القصيدة إن كانت صاحبتها أنثى، لا سيما إن ترافقت مع صورتها وهي أنيقة، بصرف النظر عن الأخطاء، بحيث يختلط هنا الحابل بالنابل، إذ لا يميّز المرء بين الثناء على الشعر أو صاحبته.

وهناك شكوى من بعض الأدباء المجيدين من غياب التعليق على قصائدهم، فيحرص بعضهم على التعليق على نصوص لغيرهم، حتى الركيكة، ليرد أصحابها الجميل لهم في تعليقات إيجابية. ولكنّ اللافت، المبالغة عند بعض الشعراء في الإطراء على ما ينشره الأصدقاء حتى لو كان تافهاً، حرصاً على انتظار تعليق بالمقابل. علماً أنّ هناك مَن يعلّق من دون قراءة النص أصلاً.

مجمل القول، إنّ التعليق مؤشر نقدي إن أحسن توظيفه بصدق وموضوعية، لكنه يتحوّل نقمة حين ينبري الأديب إلى التعليق الإيجابي على نصوص تتسم بالركاكة. فمتى نتحصن بالثقافة النقدية الموضوعية والأمانة والصدق في التعليق؟

*****

(*) “النهار” 31 يناير 2019.

frsss

اترك رد