عَيْنَاكِ جَمْرٌ وَحَنِين

عينَاكِ جَمرٌ مُتّقدٌ وَحَنِين

وَوَترٌ نَابضٌ غَامضٌ وأنِين

عيناكِ وطنٌ آليتُ ألاّ أبرحَه،

“وألاَّ أرىَ له يدَ الدّهرِ مَالكَا،

وَحبّبَ أوطانَ الرِّجَالِ إليهِمُ ،

مآربٌ قضَّاهَا الشّبابُ هُنَالكَا “

آلَمَنَا التِّرْحَالُ والهِجْرَان

 وأضنَانَا التّجْوَالُ والحِرْمان

وفاتنا أنَّ الذي

يُحبِّبُ  إلينا الأوطانَ

  هي هُنيهَاتٌ ولحَظاتٌ وثوَان

قضّيناهَا فى جَذلٍ

 من العَيشِ الرّغِيد

 فى شرْخِ العُمْرِ البَعيد

 وفى رَيَعَان الشّبَابِ العَنِيد

أبكتْنا مَتاهَاتُ الغُربة والبِعَاد

وهكذا يا صَاحِ أضْحَتْ

تمضي السّنُون

تطوي بنا المَسَافاتِ والأزمانَ

 بطيئةً كئيبةً وئيدةً طوراً..

مُسْرِعةً مُهرْوِلةً حَزينةً أطواراً..

وتنقضي أيّامُنا بِلاَ عوْدَة

وتمضيِ ليالينا بلاَ رِجْعة

وَتُمَزّقُ النّوىَ نِياطَ الأفئدة

و نحنُ  ما بَرِحْنا

” نطير من منفىَ إلى منفىَ

و ننتقلُ من بَابٍ إلى بَاب

ونذويِ كما تذويِ

 الزنابقُ فى التراب “

وَعلىَ حِينَ غِرّة

يدعُونا الحُبُّ والحنين للإيّاب

 والعوْدة إلى ينابيعنا الأولى

إلى جذورنا الضاربة فى عُمق الثرىَ

وَإلى خِلْسَات غفوَات الكرَى

 ” نقِّلْ فؤادَك حيثُ شئتَ من الهوىَ

مَا الحبُّ إلاّ للحَبِيبِ الأوَّلِ،

كَمْ مَنْزِلٍ فى الأرْضِ يألفُه الفتىَ،

وحَنينُه أبداً لأوَّلِ مَنزلِ “

وفى أضغاث أحلامنا

نعودُ إلي حُضْن الوَطن

بعد عَناءٍ وغِيَاب

ومُكابدةٍ وسَرَاب

 ويَبَاب وخرَاب

 واستلابٍ وعَذاب

  بعد أن نَضبَتْ مَيازيبُ  الدّمُوعْ

 وجفّتِ المآقي وخَفتتِ الشّمُوعْ

وفاضَتْ فوّارَاتُ الظمأ الهَلوعْ

وفارَتْ شرايينُ الحَشا والضُّلوعْ

 هوىً وصَبَابةً  وَوُجْداً وخُشُوعْ

وفاتنا حَنَقاً وكمداً أوَانُ الرُّجُوع

فجَالتِ الأعْيُنُ فى سَديم السّمَاء

ترجُوها أمراً فى قرارة الأنفس

وهوَاجسَ نابعةً من الأعماق

تناشدُها عودةَ  الرُّوحِ والحيَاة

فى بَعثٍ  جَديد

وفى ثَوبٍ قشيبٍ

و فى عَيشٍ سعيد

  فإذا مَخَادِعُ القلوبِ تتفتّق

 ونَبَضَاتُ الجَنَان تتدفّق

وخفقاتُ التراقي تتمزّق

ومن أعمق حنايا الرُّوح

 تجيشُ صَادحةً صيْحَاتُ البَّوْح

  فى فرَحٍ ومرَحٍ وغِبْطةٍ ونشوَة

فإذا بقنَادِيلِ اللَّيلِ الطويل

تنيرُ دياجيَ الفَجْرِ العَليل

وتُعَانقُ  ضَوْءَ النّهارِ الجَميل

وتُنَاجي نَسَمَاتِ الصّباح البَلِيل

وَها قد “خَفَّ القطينُ،

فراحُوا منكَ، أوْ بَكَرُوا

وأزْعَجتهمْ نَوىً

في صرفْها غِيَرُ “

 وطابَ المرَام وَصَمَتَ الكلام

وتوارىَ المَلام واخْضَوْضَبَ المآل

وتضمَّختِ العودةُ  والمَآب

وفى آخرِ المَطاف

لم يبق سوى البكاء

فبكيتُ علىَ سِرْبِ القطا

إذ مَرَرْن بي

ومثلي بالبُكَاءِ جَديرُ،

” أسِرْبَ القطا

هَلْ مَنْ يُعيرُ جَنَاحَه،

لعلِّي إلىَ مَنْ

 قد هَوِيتُ أطيرُ “..!؟**

*********

* كاتب وباحث من المغرب ،عضو الأكاديميّة الإسبانيّة – الأمريكيّة للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا.

** شكراً لضُيوف الشّرف الذين ضمّخواهذا النصّ بعطرِهم الفوَّاح من الشّعراء النّوابغ أبو تمّام، وابن الرّومي، والأخطل، والبيّاتي .

جمر

اترك رد