فيليب سالم و”سرطان الطائفية”…

philipesalem

نظّمت الحركة الثقافية، انطلياس ورابطة خريجي معهد الرسل، جونية ندوة حول كتاب جان داية “البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية” في دير مار الياس انطلياس، تخللها مداخلات لكل من أنطوان سيف، ناصيف حتى، أنطوان رعد، جان داية، غسان الشامي، ليليان قربان عقل وفيليب سالم.

وتكمن أهمية هذا الحدث أنه يتمحور حول فيليب سالم الباحث في امراض السرطان منذ اكثر من 50 عاما، والذي عرَف عن نفسه وعن رسالة لبنان ومعناه بالقول: ” انا رجل من لبنان. أؤمن بإله واحد وأؤمن بالإنسان، كان من كان هذا الانسان”.

وتابع:”هو اخي اعانقه بكل المحبة واضَمه الى صدري بكلَ الحنان. وأصلي من أجله ليعطيه الله من نوره وليعطيه الأمان. وأصلي كل يوم لقيامة لبنان.

وختم: “هذا وطن وجد ليكون وطن الانسان. وطن جميع الأديان”.

في ما يلي نصوص الكلمات:

د. أنطوان سيف

السيرةُ الذاتية الثرَّةُ الممتدةُ على عقودً متواصلة ومتراكمة يحجبُ عنها صخبُ الحياةِ الخاصةِ المتداخلةِ بحيواتِ الآخرين ومصائرِهم، وضوحَ رؤيتِها العديدَ من آثار أفعالها التي زرعتها في العديد من الأصقاع. ذاك أن البروفسور فيليب سالم، حينما تنبَّهَ الى ضرورة أن يجمع المبعثَر من مواقفه في الاجتماع والسياسة والوطنية والروحية في دوريات شتّى من صحف ومجلات، كان الاعلامُ نفسُه ملبِّياً الحاجةَ الملحّةَ الى لملمةِ المشتَّتِ، فكان هذا الكتابُ، “سرطان الطائفية”، حواراً مستطيلاً مع الإعلامي جان دايه، واستيحاءً بالعنوان من الشاعر الإعلامي عقل العويط، ومقدمةً عارمةً من الإعلامي نصري الصايغ؛ استكمالاً لمواقف سالم العلمية، النظرية والعملية، في مكافحة الداء الأسوأ وقعاً على حياة البشر، وفي آذانهم، الذي جعل لهذا الفارس في معالجته، صيتاً عالمياً… وهكذا تكون سيرتُه الذاتية، بجانبَيها العلمي والوطني، قد توحَّدت في أعين القرَّاء وقادريه الكثُر. ويمكن توصيفُ هذا الكتاب، رغم إشكالية عنوانه، بأنه حاوٍ لفلسفة فيليب سالم بمفاهيمها ومفاصلها الأساسية، تأكيداً لفرضية أنَّ العلم الموضوعي هو واحدٌ في الغاية متعددٌ المناهج، عندما يعالج الجسدَ الإنساني الفردي والجسدَ الإنساني الاجتماعي. فالعلّةُ في الأول: السرطان، والعلةُ في الثاني: الطائفية.

يعرف أهلُ العلم والمعرفة أنَّ العناوين للكتب غالباً ما تكون مختزِلةً للمضمون، منحازةً إلى قسمٍ منه. وبحدِّها الأقصى، يمكن أن توحي بالتباسٍ لما تدَّعي أنها تدلُّ عليه؛ أي باختصار هي ناقصةٌ حكماً. لقد أُشيعت عن الطائفية في لبنان مواقفُ عامّةٌ اتَّخذت على طول الترداد صفةَ الحقائق البديهية التي لا تحتاج الى تحليلٍوالى تعليل للكشف عن ماهيّتها وأفعالها (الشريرة)، ومصدرِها، واقتراحاتِ معالجتها (وبعضُه بات عمرُه أكثرَ من قرن!). وتمّ اتفاقٌ موسّع، وليس بالاجماع، بأنّ أحدَ أدواتها بامتياز هو العلمانية، أي فصل الدين عن السياسة، أو بحسب معادلة المعلّم بطرس البستاني: “فصل الرياسة (الدينية) عن السياسة (المدنية)”. وهذا الرأي لا يوافق عليه فيليب سالم إذ، بالنسبة له، العلمانيةُ وفصلُ الرياسة عن السياسة ليسا شيئاً واحداً! بينما محاوِرُه في الكتاب، جان دايه، يخالفه هذا الرأي. البعضُ، وهو بعضٌ واسع، أوَّلَ فصلَ الرياسة عن السياسة حصراً، بمفهوم “اللاطائفية السياسية”. ودستورُنا الطائفيّ يرى أنَّ الوطنيةَ هي نقيضُ “الطائفية البغيضة” (هذا النعت الملازِمُ لها والشائعُ في الخطابات السياسية والدينية، الذي يتلوه أناسٌ متّهمون أنهم “طائفيون”، هو أيضاً تهمةٌ لم ينجُ منها أحدٌ من أرباب السياسة، والدين طبعاً). ثمة مفهومٌ جديدٌ اليوم عن “طائفة متخيَّلة”، وهو ينطبق بالحقيقة على كلّ الطوائف من غير تمييز وبدون استثناء…

يعتقد سالم أنَّ الدينَ معطى حضاريٌّ هامٌّ لا يجوز الحطُّ من قدره وإهمالُه. وهو يعاتب العلمانيين على ذلك. ويعتقد أن الانسان الكامل هو مَن يطابق أقوالَه بأفعاله (وقد سقط في هذا الامتحان، إمتحانِه، أدباء كبارٌ مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعَيمه. بينما نجح فيه، برأيه، أنطون سعادة الذي استشهدَ من أجل آرائه، وسالمٌ له تقديرٌ كبيرٌ له، ولكنه يخالفُه بموقفه من لبنان، بقوله: لا لذوبان لبنان في سوريا الطبيعية؛ وفي أن العلمانية تحطُّ من شأن الدين (ص 127)، لا بل فيها، برأيه، شيءٌ من الإلحاد!

وسالم يؤمن بالتعدُّد والاختلاف، وبالتالي لدبالحقِّ بهما. ولكنه لا يوضح أنَّهما من القيم الإنسانية الجديدة التي لا يعترفُ بها السلفيّون الدينيّون؛ وهذا الحق أفضى إلى نسبيةٍ في النظر الى الأديان. فلم يَعُد الخلاصُ، في عصرنا، حكراً على دينٍ واحد، أو مذهبٍ واحد، أو معتقدٍ واحد. ونشأ بالتالي، لتفسير ذلك، مفهومٌ جديد هو: الأنثروبولوجيا الدينية.

وسالم يعتقد انَّ أهمَّ حقٍّ انسانيٍّ هو الحقُ بالحياة؛ وأهمَّ ثورةٍ هي التربية، لأنها تجدِّد العقلَ وتؤدّي الى ظهور انسانٍ جديد؛ وأنَّ تجديد الحياة السياسية يبدأ في الجامعات التي توفِّر الحرياتِ الاكاديمية، لا في الأحزاب والسلطة…

ولكنه، مع كل هذه الأفكار التجاوُزيةِ الطابع، لا نعرف كيف نصلُ الى أداوتِ التطبيق الفعَّالة، ولا من أين نبدأ؟ حتى ولو كان طريق المستقبل يبدأ الآن، من أيّ نقطةٍ ممكنة مهما كانت صغيرة. فإلغاء الطائفية لن يتم الأسبوعَ المقبل، أو العامَ المقبل… حسبُنا أن نبدأه بصبرٍ ووعيٍ وشجاعةٍ ومقاومةٍ وصراعٍ ومثابرةٍ دؤوبة… وبفرحٍ وتفاؤلٍ وأمل، الأملِ الحاذقِ الذي يزرعه طبيبُ السرطان في النفوس والأجسام، الفردية والاجتماعية.

وأخيراً، أربع ملاحظات سريعة:

1-  حول مصطلحَي الطائفة (وهو وصفيّ) والطائفية (وهو مصطلح قِيَميّ).

“الطائفة”هي كلمةٌ عربية أصيلة، بمعنى القلَّةِ العدديةِ ضمنَ إطار الكل. “طائفةٌ من الشيء، أي القطعةُ منه”. وأوّلَ مرةٍ وردت في مرجعٍ مكتوب بمعنى جماعةٍ دينيةٍ وسياسية، كانت في محضر الاجتماع الأوَّل “لحكومة متصرفية جبل لبنان” عام 1861. وبعدَها في قاموس “محيط المحيط” للمعلِّم بطرس البستاني عام 1870، أي بعد الأحداث الطائفية في جبل لبنان عام 1860. ولم يكن في اللغات الأوروبية كلمةٌ تدلُّ على ما تعنيه “الطائفة”. فلذلك عرَّبوها بكلمة مولَّدة (أي قديمة ولكن بمعنى جديد) هي  ـconfession.ودخلت بهذا المعنى اللغةَ الفرنسية لأوّل مرة عام 1863.

أمّا كلمة “الطائفيَّة” (هي غير موجودة في معجم البستاني، ولم تنتشر كثيراً إلاّ في القرن العشرين) فعرّبوها عام1984  بكلمة ذات صيغة لغوية جديدة ومعنى جديد هي  confessionnalismeالمشتقة من confessionnelأي طائفي (لا من طائفة)، وهي تُزامِنُ أحداثَ لبنان التي سمّيت “الحرب الأهلية” (من غير أن يكون “للأهل” أيُّ دور في فعلها). وقبلذاك، لم يكن هناك مرادفٌ لها في اللغات الأوروبية!

خلاصة القول، أن لفظتَي طائفة وطائفية، دخلتا، بمقابلهما، في اللغات الأوروبية، على أثر أحداث لبنانية في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر (طائفة)، وفي أواخر القرن العشرين (طائفية)، في اللغة الفرنسية. أما الإنكليزية فليس فيها للساعة لفظةٌ مفردة تعبّر عن “الطائفية”.

2-  لفتني إهداء الكتاب (سرطان الطائفية) إلى المعلِّم بطرس البستاني القائل بوجوب وضع حاجز بين الرياسة والسياسة، وهو بهذا “رائدُ العلمانية في الشرق”. إلاّ أنَّ المؤلِّف (المحاوِر) فاته أن يذكر أنَّ كتابه يصدر على مشارف المئوية الثانية لولادة البستاني (1819-2019). وها نحن، في هذه الندوة هذه العشية عن “سرطان الطائفية”، في اليوم الثالث من هذه المئوية الثانية، وفي “الحركة الثقافية – انطلياس” دير مار الياس الذي شهد عامّية 1840، لقاءً طائفياً، سلمياً وبنائياً.

3-  يوم الجمعة 12 آذار 1999، كرّمت حركتُنا عَلَماً من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي هو البروفسور فيليب سالم.

4-  وها هي حركتنا اليوم، بعد عشرين سنة بالتمام، تحتفي بالمكرَّم بطريقة أخرى، بطريقة جديدة، بمشاركة “رابطة خرّيجي معهد الرسل – جونيه” بشخص رئيسها الشاعر الصديق أنطوان رعد؛ وانا يشرِّفني أن أكون منتمياً إلى هاتين المؤسستين الزاهرتين معاً.

فتحية لهما، ولجميع الخطباء في هذا الحفل، ولمعدّي الكتاب، وللحضور الكريم. والتحية الكبرى لمن جمَعَنا ويقوم بأعمالٍ تشرِّف لبنان والإنسانية البروفسور فيليب سالم.

أنطوان رعد

صديقي الباحث جان دايه في الوطن وفي المهجر، وعلى اختلاف الحالات، ورشة فكرية تقوم باستخراج الكنوز الدفينة في عصر النهضة، وقد وزّع نشاطه على مناجم عدة أهمها المعلم بطرس البستاني، جبران خليل جبران، الدكتور خليل سعاده، عبد الرحم الكواكبي، يوسف الخازن وسعيد تقي الدين. وها هو اليوم يضيف الى هذه المناجم منجم البروفسور فيليب سالم. أما القاسم المشترك بين رجال الفكر هؤلاء فهو أنهم جميعًا أبحروا عكس التيار، فنبذوا التعصب الطائفي، ودعوا الى الألفة والتسامح، وجرّدوا الكلمة الواعية الشريفة سيفًا لمقارعة الظلم ومحاربة الباطل ومواجهة التخلف. ولم يكن اختيار جان داية لهؤلاء المفكرين محض مصادفة، بل هو اختيار عن سابق قصد وتصوّر وتصميم لأن أوطاننا اليوم بأمسّ الحاجة الى أفكارهم النيّرة وآرائهم السديدة.

أيها الكرام،

إن الجديد في كتاب جان داية: البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية، أنه أجرى حوارًا مطوّلاً مع فيليب سالم خلافًا لما درج عليه في كتبه السابقة هو الذي أدمنَ معاشرة المخطوطات وصداقة الوثائق والتزمَ خطًا واضحًا يقوم على التنقيب والتدقيق والمقارنة والتحليل والاستقراء وألزم نفسه أن يشهد للحق أو ما يعتقد أنه الحقّ، ساعيًا بحنكة المحقق اللجوج الى استنطاق الوثائق البكماء ومحاورتها وتوظيفها في خدمة البحث الرصين وتحرّي الحقيقة.

وقد ترك لنا هذا الباحث العصامي في مقدمة الكتاب عرضًا قيّمًا عن “أطباء الأبدان والبلدان” مهّد لحواره مع البروفسور فيليب سالم الذي يحاول بكل ما أوتي من معرفة وإيمان وصبر وأناة أن يعالج الوطن المريض بعدما استشرى الداء واستفحل لأننا أوكلنا أمر علاجه الى أطباء دجّالين مشعوذين همّهم أن يظلّ الوطن مريضًا لكي تبقى جيوبهم في بحبوحة وعافية.

والعلاج في رأي فيليب سالم يبدأ بفصل الدين عن الدولة مكتفيًا بالتعميم دون الدخول في التفاصيل، علمًا أن الشيطان يكمن في التفاصيل. وهو يرفض العلمانية لأنّها تحطّ من شأن الدين الذي يعتبره قيمة حضارية. وهذه الفكرة تتردد كاللازمة في الغناء عبر صفحات الكتاب، ولو لم أكن على معرفة دقيقة بإيمان فيليب سالم العميق واحترامه للأديان السماوية، لتبادر الى ذهني أن الإفراط في تكرار لازمة الدين هو ضرب من الفولكلور، أو على الأقل هو لإبعاد شبهة الكفر والإلحاد من صاحب الدعوة الى فصل الدين عن الدولة.  وتجدر الإشارة الى أن ثمة من تخطّوا فيليب سالم بأشواط في هذا المجال ومنهم على سبيل المثال الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه، بينما اكتفى سالم بوضع رجل في الفلاحة ورجل في البور.

إلا أنه أصاب قدرًا كبيرًا من النجاح عندما دعا الى فصل الدين عن التربية مركّزا على أن مسؤولية المدارس والجامعات لا تقوم على التلقين فحسب، بل تقضي بتدريب العقل على الحوار وتحفيزه للمناقشة والاعتراض سعيًا الى صنع إنسان جديد. وقد شدّد على أن النظام التربوي في لبنان مريض لأنّه أدى الى قيام قبائل ثقافية تتناحر في ما بينها، والى تخريج أجيال من الطلاب يدينون بالولاء للطائفة لا للوطن.

واللافت في هذا الكتاب أن الحوار يتّسم بالغنى والعمق بصورة عامة لجهة السائل وبالجرأة والصدق لجهة المجيب. لكن جان داية اعتبر أن فيليب سالم قد ظلم حزب الله إذ وضعه في سلّة واحدة مع سائر الميليشيات. وكان جواب فيليب سالم قاطعًا: إني أحترم تضحيات حزب الله لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي وانحني إجلالاً أمام شهدائه وأؤكد في الوقت ذاته أني ضد أي قوة سياسية لها إيديولوجية دينية، كما أنني ضد الحزب، كونه يرمز الى امتداد الثورة الخمينية التي تؤمن بأحادية الفكر، ناهيك بأن أهداف الحزب ليست لبنانية فضلا عن أن قرار الحرب والسلم هو في يد حزب مسلّح وليس قرارًا تتخذه الحكومة اللبنانية. وإذ أثني على هذا الموقف الجريء وأتبناه بكل مندرجاته استغرب كيف أن مثقفًا ينتمي الى حزب علماني عريق يؤيد حزبًا يلتزم عقيدة دينية.

وفي فصل آخر من الكتاب يقحم الباحثُ الصديق سماحةَ المفتي بدر الدين حسون ويضعه في مصاف عبد الرحمن الكواكبي وعبدالله العلايلي لأنه حمل على “داعش” وعلى سائر المنظمات التكفيرية، مع أنه مجرّد موظف في خدمة النظام السوري الذي يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة ناهيك بالأسلحة الكيماوية دون أن يرشقه صاحب السماحة بحصاة.

وليس بوسعي أن أغفل ما ورد حرفيًا على لسان فيليب سالم في الصفحة 101 من الكتاب: “مرة قلت عن المتنبي إنه “أخوآدمية”، بمعنى إذا رشاه أحدهم يمدحه، وإذا لم يرشه يذمّه. وبالطبع لم “أنفِ شاعريته المبدعة”. ولئن صحّ بعض ما جاء في هذا القول ولا سيّما في ما خص المديح مع أنه امتنع رغم الإغراءات المالية عن مدح عدد كبير من الوزراء والولاة، فإنه لا يصح إطلاقًا في ما خص الهجاء حتى انه امتنع عن هجاء مجموعة من شعراء بغداد أقذعوا في هجائه مكتفيًا بالقول:

أفي كل يوم تحت أبطي شويعر

ضعيف يقاويني قصير يطاول

ولعل البروفسور الحبيب كان يعني ابن الرومي وليس المتنبي.

أيها الكرام،

يمكنني القول إن علاج السرطان أيسر من علاج سرطان الطائفية في بلادنا، لأننا مجموعة من القبائل تضمر عكس ما تظهر، وتمارس الغش المشترك والنفاق المتبادل، ومأساتنا تكمن في أننا نريد زواجًا بالإكراه ونرفض طلاقًا هو نتيجة حتمية لذلك الزواج القسري وما زاد المأساة تفاقمًا هو أننا شعب ثرثار يؤمن فجأة بفضيلة الصمت حين يكون الصمت مرادفًا لشهادة الزور، أو مسدّسًا كاتمًا للصوت نغتال به حاضرنا ومستقبلنا على حد سواء.

وفي ختام كلمتي أودّ أن أوجّه تحية الى كل من السائل والمجيب لأن هذا الكتاب – الحوار بطاقة دعوة الى العبور من دولة الطوائف، الى دولة المواطنة، ومن المزرعة الى الدولة المدنية وهي دولة لا فضل فيها للبناني على آخر إلا بمقدار كفاءته وولائه للبنان وإسهامه في نهضته وازدهاره. ولئن كان فيليب سالم على قدر وافٍ من الديبلوماسية في دعوته الى فصل الدين عن الدولة فإنه في ما يتعلق بالولاء للوطن لا يقبل التسويات وأنصاف الحلول تمامًا كما أن الفتاة لا يمكن أن تكون نصف امرأة ونصف عذراء.

وهو يلتقي مع ما قاله أحد الشعراء:

لبنان في محنة أبناؤه انقسموا

فبعضهم يحسب الصحراء جنَّته

ولاؤهم للسوى قد أشركوا كفروا

الدين لله أيًّا كان دينكمُ

توزّعوا فِرَقًا شتّى وقطعانا

وبعضهم يحسب الفردوس إيرانا

بما به الوطن المعبود أوصانا

أما الولاء فلي وحدي للبنانا

غسان شامي

ربما كان السرطان امتحاناً للجسد البشري وللروح أيضاً ، امتحان يضع الكائن أمام قتامة الموت ويحد من لمعات الحياة، وربما كان في هذا السياق تجسيداً للشر الذي يحتاج إلى استئصال شأفته من الأجساد التي تشكل في مجموعها حيوات ومجتمعات ..ربما..لكن أن تنغرز الطائفية كسرطان في بنية مجتمع فتنهكه ، لا بل أن يستمرئه البعض ويهلل له ويقدم على مذبح أمراضه البخور، فهذا غريب ودليل على عمق استكانة الإنسان لما اعتاد عليه حتى ولو نخر جسده.

تجيء مصارعة العقول المتقدمة لهيمنة البنى الدينية والميتافيزيقية من زمان بعيد، فلقد لفتني ما استطاع الوصول إليه مجتمع إيبلا، المملكة الضاربة حضارة في الألف الثالث قبل الميلاد في فصل السلطة الزمنية ومراقبتها عن السلطة الدينية ومنع الثانية من التدخل في الأولى، عبر ملك ومجلس شيوخ يراقب ويصحح وآلهة متنوعة في معابدها سومرية أو كنعانية ..ما هم..لكن كهانها لا يتدخلون في شؤون الحكم..والفرق الزمني بيننا وبينهم أربعة آلاف وخمسئة عام ونيّف، لذلك فإن السؤال الممض والشرعي ، هل يمشي الزمن خليفاني في هذا اللبنان المشرقي، وخلال إيابه القهقرى يحيل ما تبقى من واحات إلى قاع صفصف؟ولماذا وكيف ومتى يستدير وجهه نحو الأمام الذي قال عنه الإمام النفرّي ذات تجلّ تصوفي إنه لا يلتفت.

من هنا أريد تناول الحوار الذي تجلّى كتاباً بين الزميل الصديق جان دايه والبروفسور المتقدم في محاربة السرطان فيليب سالم وفي إسقاط علم الطب على علم الاجتماع والانسان والدين.. وأعتقد أن دفتي الكتاب فوّارة بالأجوبة.

في مقدمة العزيز نصري الصايغ تأكيد تأبيد مرض الطائفية في لبنان، لا بل يراها علّة وجوده وسبب علله كافة..ونعرف أنه إذا عرف السبب بطل العجب، وإذا عرف سبب المرض سهل التشخيص والشفاء، لكن هذا اللبنان وبسبب العلة الأولى معجون ومجبول بمرضه الذي لا يريد الكثيرون من أبنائه الشفاء منه ، لكن الأستاذ جان في تجواله المنتقى وانطلاقته من بين النهضويين الذين أمسكوا بأذني العلة اللبنانية منذ خواتيم القرن التاسع عشر واعتبار نتاجهم منصة حوار مع البروفسور سالم، أمسك أيضاً بدفتي الكتاب وجعل حجر الرحى يدور في محوره، ولا أظن أن الأستاذ جان في أي حوار يتنكبه يغفل النهضويين الذين سفح عمراً يكشح الغبار عن مؤلفاتهم، وقد وفّق في استلال اللمعات من الكواكبي وجبران وخليل سعادة وهو أيضا طبيب أبدان وأوطان معاً مثل البروفسور سالم، إضافة إلى الريحاني والشميّل وسعيد تقي الدين وأنطون سعادة ويوسف الخازن والمعلّم البستاني.

منذ الشهقة الأولى للحوار يتبدى النسق الإيماني للمحاوَر رغم أنه رجل علم وسيع، وهي نقطة فيصل في اكتناه فكره ، لأنه في الوقتعينه يتبنى الإيمان المبني على المعرفة وتحرير الدين من السياسة وصولاً إلى تبني الثورة التربوية وتحرير العقل.

هنا نتساءل هل هذه الأفكار شخصية خاصة، بالطبع كلاّ بل هي نتاج تراكم تجاربي متكىء على تجارب وأفكار نهضوية سابقة، وليس مستغرباً التقاء من يعتمدون العقل شرعاً هادياً طلاّعاً ، أما في الجزء الثاني ، أي فصل الدين عن الدولة، فهو يتبنى هذا الأمر، لكنه يقف في منتصف الطريق عند الشرع الاسلامي معتبرا تعدد الزوجات أمراَ شخصيا، بيد أنه في المفهوم الحقوقي وحقوق الإنسان لا يتماشى مع التنمية والتربية والدولة الحديثة، وهو في الواقع يعتبر العلمانية خطوة متقدمة بأشواط عن الفصل بين الدين والدولة مع أن الفلسفة العلمانية وفصل الدين عن الدولة ارتبطا بحبل سرّة واحد  في حياة الدول التي طبقتهما، معتبراً أن العلمانية فلسفة تؤمن بما هو مرتبط بالعقل والأمور المادية المحسوسة ، متبنياً فكرة ملفتة هي فصل الدين عن التربية، وقد كان المعلّم بطرس البستاني طبقها في مدرسته الوطنية عام 1863، فيما لبنان، وفي القرن الواحد والعشرين يغلب عليه المدارس والجامعات الطائفية..وهذا من دواعي انحدار الانتماء والمعرفة معاً. وفي الموقع نفسه يرى أن العلمانية تنتقص من قيمة الدين لأنها ترفض ما لا يقبله العقل، وهذا نوع من التجني على العلمانية المؤمنة التي تسعى لتنزيه الدين وهنا مآل ارتباط العلمنة بفصل الدين عن السياسة.

إن تمسك البروفسور سالم بالدولة المدنية أمر بالغ الأهمية في بلاد تحتال على القانون المدني عبر تداخل القوانين المذهبية به ..ويبلغ به العلم حد التفاؤل بإمكانية إنقاذ البلد من سرطان الطائفية كما تمكن العلم من إنقاذ المريض من السرطان…

لست في وارد مناقشة آراء البروفسور سالم في حزب الله والجبهة اللبنانية والحركة الوطنية وغيرها في هذه العجالة، لأن هذا يقود إلى نوع من النقاش السياسي، لكن آراءه في رجال دنيا رحلوا أو رحّلوا قسراً، كأنطون سعادة وجبران والصبّاح وغسان تويني وكمال جنبلاط ونجيب عازوري والكواكبي وكلوفيس مقصود تلفت النظر في اقترابه من سعادة بموضوع فصل الدين عن الدولة، وأنه يختلف عنه في التشديد على عظمة الدين رغم محاولات الزميل دايه توضيح فكر سعادة الذي يعتبر الدين إرثاً ثقافياً كبيراً، كما تلفت مقاربته لاختلاف جبران ونعيمة كإنسانين عن إبداعهما ، وهذه إشكالية تاريخية لدى الكثير من المبدعين جسّدها مثل قديم هو ” أن تسمع بالخلعي خير من أن تراه”.وكذلك نفيه لعلمانية شارل مالك وتأكيده في الوقت عينه أنه لولاه لما أبصرت شرعة حقوق الانسان النور.

لا أعرف لماذا اختار الزميل جان البطريرك الراعي والمفتي حسون كرجال دين ليسأل المحاوَر عنهما، وهما لم يردا في الجزء الخامس إلاّ لماما، لكن الأخير يفصح عن رأيه في تواضع البابا فرنسيس وغطرسة رجال الدين المسيحيين الشرقيين وتفرق الكنيسة الأرثوذكسية وأن رجال الدين المسلمين ذوي المواقف الواضحة هم أفراد وقليلون.

في الجزء السادس يختلط الفكري بالسياسي المياوم حيال تركيا وعلمانيتها والأردوغانية ومسارها الانكفائي عن الأتاتوركية والانغماس في التطرف، وحيال دبي وتجربتها وأندونيسيا ولبنان وإسرائيل وأمريكا، حيث يعتبر أن الغرب ليس بريئاً، وهل من محتل أو مستعمر بريء؟ لكن المسؤولية الكبرى تقع على شعبنا كما يرى.

لا أعرف إن اكتمل الحوار، بسبب انفتاح العلّة على المجهول وتقيّح الجروح وكثرة الندوب؟، لكن أن يأتي طبيب عالم مشغول بعمله في القرن الواحد والعشرين مفصحاً عن أفكار لبناء بلد مشلّع الهوية مثقوب بالطوائفيات ومعتلّ بساسة لم يقرأوا حتى سيرتي عنترة والزير، مصاب بالديمقراطية التناسلية، مع الاعتذار من كلمة ديمقراطية، وتتجلى فيه أعلى نسبة من التمعيز السياسي ، فهذا أمر بهي حتى وإن اختلفت مع الطبيب في بعض أفكاره، لكن أخشى ما أخشاه أن يكون هذا البلد الجميل قد أمعن في سرطانه حتى باتت عملية الاستئصال الجراحي تعني..وفاته.

آمل أن لا…

 جان داية

حلم ليلة شتاء بالحزب العلماني اللبناني

ليس أصعب على المؤلّف، الذي تتمحور الندوة على كتابه، من تدبيج كلمة لا يكون الشكر محورها وأحيانًا كل شيء فيها، خصوصًا إذا كان مقتنعًا بأن النِعَم لا تدوم بالشكر وحده. لذلك، مزّقتُ مرتين كلمتي التي يجب أن لا تكون تكرارًا لبعض ما ورد في الكتاب. فهل كانت الثالثة ثابتة، حيث كتبتُ هذه الكلمة على وقع حلم طويل غير مرعب في ليلة شتاء عاصفة! وبالمناسبة، فبعض الأحلام المرعبة، تحصل في ليالي الصيف الهادئة الهانئة!

في الصفحة 91 من كتابي “البروفسور فيليب سالم وسرطان الطائفية”، قال طبيب الأبدان والأوطان، بُعيد تقييمه الإيجابي للزعيم الشويري العلماني أنطون سعاده، بعد أن أكّد على اتفاقه معه حول مبدأ فصل الدين عن الدولة، واختلف معه حول مبدأ عدم فصل لبنان عن سورية الطبيعية: “أنا مثلا، إذا أردت أن أؤسّس حزبًا، قد أسمّيه الحزب اللبناني القومي الاجتماعي”. وباعتبار أن سعادة أكّد أكثر من مرة، بأن أهم إنجازاته بعد رسم مبادئ عقيدته القومية والعلمانية، هو تأسيسه لحزبه الذي يتولى نقل فكره من بطون كتبه الى عقول مريديه ومواطنيه… فقد حان وقت انتقال سالم من الفكر الى الفعل ومن الكتاب الذي صدر، الى الحزب الذي ينتظر “الصدور” ولكن ليس قبل جولة سريعة على الأحزاب العلمانية في لبنان. فمن أصل عشرات الأحزاب، يوجد حزبان علمانيان في لبنان هما: الحزب الشيوعي والحزب القومي الاجتماعي. وهناك حزب ثالث شبه علماني هو حزب البعث العربي الاشتراكي. والأحزاب الثلاثة عابرون ليس فقط للطوائف والمذاهب، بل للجغرافيا اللبنانية. الشيوعي: أممي. والقومي: سوري بمعنى سورية الطبيعية وليس الجمهورية السورية. والثالث عربي يتمحور على توحيد العالم العربي من محيطه الى خليجه. أما بقية الاحزاب فكلّها طائفية أو مذهبية، وإن نصّت دساتيرها على القومية اللبنانية أو التقدمية الاشتراكية. صحيح أن أحدها، وهو (الحزب الديموقراطي) الذي أسّسه المحامي العلماني النهضوي جوزيف مغيزل والصحافي المحامي باسم الجسر والوزير الطبيب أميل البيطار، عام 1969، كان علمانيا بالفكر والفعل، ولكنه مات بموت رئيسه مغيزل الذي دشّن حياته الحزبية عضوًا ومسؤولاً في الكتائب اللبنانية. ولأن النهج الفكري لطبيب الأورام السرطانية التي تطال الأفراد، براكسيسي عمليّ.. فبإمكانه أن يشرب حليب السباع ويشرع بمعالجة الورم السرطاني الأخطر وهو الطائفية، لأنه يطال المجتمع اللبناني باكمله، ويكاد يقضي عليه، بدليل عجز تأليف الحكومة بعد مضي أشهر طويلة على التكليف، لأسباب أوجهها المحاصصة المذهبية. ويمكن تأسيس الحزب العتيد الجديد قبل أن تُستكمل تفاصيل مبادئ عقيدته القومية والاجتماعية التي يحتضنها هذا الكتاب. ذلك أن هذه المبادئ تتكامل وتتبلور خلال دوران دواليب الحزب ووسط الورشات العملية في حقول السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع. وإذا أتّبع هذا النهج، تغدو المبادئ علاجًا ناجعًا لمعضلات اللبنانيين الخطيرة وفي طليعتها سرطان الطائفية.

هنا أقدّم ثلاثة اقتراحات على راسم عقيدة الحزب أولهما أن يخصص مبدأ مستقلاً للأخلاق، ليتصدر المبادئ الأساسية التي منها مبدأ التربية والتعليم الذي يعتبره الأهمّ في علاج السرطان المجتمعي لأنه ينطوي على الوقاية منه، لأن علم العلمانية في الصغر كالنقش في الحجر، ذلك أن أفضل الدساتير فشلت في تحقيق الأهداف النهضوية، لأن الذين تولّوا تجسيدها لم يكونوا مناقبيين في أدائهم، مقابل نجاح أضعف الدساتير التي تولاّها قادة وكوادر لا يسألون ماذا أعطتهم أوطانهم، بل ماذا بذلوا هم في سبيل استقلالها ونهوضها.

والاقتراح الثاني، يقضي بتخصيص مبدأ أساسي آخر لمعالجة النزعة الفردية التي لا تقلّ خطورتها عن السرطانين الجسدي والمجتمعي، لانها تجعل مرضاها في القيادات الحزبية يتصارعون من أجل الوصول الى قمة السلطة في حزبهم وبأساليب تناقض منهج الغيرية، بدلاً من أن يصارعوا من أجل الوصول الى السلطة في أمّتهم ودولتهم.

أما الاقتراح الثالث والأخير، فهو حصر الحزب العتيد في ورشة كبيرة تستهدف محق سرطان الطائفية وإرساء قواعد العلمانية والمواطنية اللتين توفران الوحدة والصحة والنهضة للمتحد اللبناني المشلّع المتخلف. تمامًا كما حصر مؤسّس الحزب العتيد جهوده وتشخيصاته وعلاجاته في ورشة كبيرة واحدة وهي معالجة المرض الخطير الذي يصيب الأفراد، ويخاف اللبنانيون من تهجئة اسمه الحقيقي فيقولون عن مريض السرطان: “بعيد من هون معو من هالمرض البشع”. كأن الأمراض الأخرى التقليدية والسكّرية أجمل من جورجينا رزق. وبالطبع، لن يقلل ذلك من أهمية الحزب وخطورة دوره، لأن علاج سرطان الطائفية في لبنان، يُعتبر مفتاحًا سحريًا لمعالجة سائر السرطانات اللبنانية وما أكثرها وأخطرها في هذه الأيام. وإذا أُخذ بهذا الاقتراح فيمكن اختصار اسم الحزب ليصبح “الحزب اللبناني العلماني”.

الآن، إذا افترضنا أن حلم الليلة الشتوية الكبير الخطير قد تحقّق أسوة ببعض المشاريع التي بدأت حلمًا في المنام أو اليقظة وأصبح “الحزب اللبناني العلماني” رقمًا صعبًا في الحياة السياسية اللبنانية التي تعجّ بالأرقام الهيّنة فثمة اقتراح رابع وأخير اختصره في هذه العُجالة وهو ضرورة تجنّب الابتعاد عن موضة الفخفخة اللبنانية المتمثلة بالنمرة الزرقاء التي تفوق بشاعتها في الوزارات التوافقية التحاصصية المذهبية التي تعمل على ازدهار الفساد بدلاً من استئصال جذوره، بشاعة موضة اللحية الداعشية التي تفوح منها رائحة المذهبية التكفيرية وقد احتلت وجوه معظم الذين ينتقدون بشدة أبا بكر البغدادي. ومن أول الطريق، يجب أن لا يقترف الحزب العتيد الخطيئة الأصلية المميتة التي اقترفتها الأحزاب العلمانية وفي طليعتها الحزب القومي، وبعض السياسيين العلمانيين، وهو التهافت على الاشتراك بالحكومة غير المهضومة. فكما كان العلمانيان الاصلاحيان النظيفا الكف، الدكتور أميل البيطار، وزير الصحة في حكومة صائب سلام وشربل نحاس الوزير السابق في حكومة الحريري، سيكون أي لبناني – أو لبنانية – اصلاحي نظيف الكف، مرشّح لمنصب وزير في الحكومة العتيدة التي هي نسخة طبق الأصل عن حكومة تصريف أعمال النهب، وعلى عينك يا مواطنين من أمثال: غسّان كسروان الخازن وجمال نجاح واكيم وسماح ادريس وحياة الحويك عطية ونصري الصايغ وحسن حماده وزياد الرحباني وجواد عدره… كان وسيكون، على حد تعبير جبران، “زنبقة في جمجمة”.

وبعد… أسمع بالأذن الثالثة جرس ساعة بيغ بن منذرًا بقُرب نهاية الدقيقة العاشرة من عمر المداخلة، لذلك أختم بهذه العبارة المختصرة والمؤمل أن تكون مفيدة: نحن في مستهل العام الجديد 2019، وفي مسرح الفنانين العلمانيين الأخوين رحباني اللذين حققا إنجازا فنيًا خلاقًا وعملاقًا… ونشارك في ندوة عن كتاب حواري شارك في تأليفه صاحب أضخم وأهمّ ورشة طبية في العالم العربي والغربي هو البروفسور فيليب سالم… لذلك، أختم بمعايدة كل واحد منكم، ليس بترداد العبارة التقليدية “عقبال المية” لأنه يرغب بتخطيها ما بعد الميتين حتى لو لم تعد الحياة لابقة له. وانما بالتمنى في المساهمة بإنجاز مشروع نهضوي كبير وهو القضاء على سرطان الطائفية في لبنان، لأن العمر كما أحسب مجموعة إنجازات لا روزنامات.

وشكرًا

ليليان قربان

يدخُل الباحث جان الداية عتبةَ كتابِه “البروفسور فيليب سالم سرطان الطائفيّة” بالاشارةِ إلى أبرزِ أطباءِ بلادنا الذين حملوا رايةَ “طب الأوطان” من البيروتي أسعد يعقوب الخياط في ثلاثِينيات القرن التاسع عشر إلى شبلي شميل بعدَهُ بأربعينَ عامًا إلى خليل سعادة، ثم حسن الأسير وخالد الخطيب في عشرينات القرن الماضي وصولاً في الأربعينيّات إلى عبد الله سعادة وجميعُهُم كانوا “أطباء أوطان” ناشدوا بالعلمانيّة كسبيلٍ لنهضةِ المجتمعات ورُقيِّها في مجتمعٍ غارقٍ بالتناقضاتِ والتشظياتِ الدائمة…

عُجالة حطَّتْ رِحالها في بطرام في الكورة  لتحكي عن طبيب السرطان الشهير في العالم البروفيسور فيليب سالم، الذي دفعتْهُ شهرتُه إلى تحسّسِ أمراض لبنان السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة وأبرزُها “سرطان الطائفيّة” كما يظهِرُهُ عنوان الكتاب موضوع هذا اللقاء.

حملَ الدكتور سالم قضايَاهُ الوطنيّة في ورشةٍ اصلاحيّةٍ فكريّة شَمَلت لبنان وبلاد الاغتراب والانتشار، تمحورت معظمُ أفكارِه وآرآءِه محاضراتُهُ ومداخلاتُهُ ومقابلاتُهُ حولَ تشخيصِ (مرض السرطان) لأنَّهُ يساعدُ في تحديدِ العلاجِ وبالتالي إلى شفاءِ المريضِ ومِنْهُ غالبًا ما تطرَّقَ إلى داءِ السرطانِ المجتمعي والدواءِ المعهودِ المختصرِ بالكلماتِ الأربع “فصلُ الدين عن الدولة”… هذه هي عمقيات الكاتب وفِكْر البروفسور فيليب سالم…

إنّها حوارات تطوّرات إلى لقاءاتٍ امتزجَتْ فيها شخصيّةُ الاستاذ جان الداية وأسلوبُهُ، الصحافي بفكرِ الباحث، لتُثمر كتابًا مميّزًا بعُمقِهِ وفَرادتِهِ.

هذا الكتاب – الحوار الذي جرى على مرحلتين خلالِ ثلاث سنوات ركّزَ على أسئلةٍ مرحليّةٍ لكنَّها محوريَّة بارتداداتِها وتأثيراتِها…

وإن كانَ البروفسور سالم في أجوبتِهِ أيّدَ ما سبقَ وأجمَعَ عليهِ زملاؤُهُ “أطباء الأوطان” بأنَّ العلمانيّة هي الحلّ إلا أنَّهُ ركّزَ على أهميَّةَ التربية ودورُ المدارسِ والجامعاتِ باعتمادِ مناهجَ علميّة وطنيّة تحفزُ العقلَ والمعرفةَ، يقول الدكتور سالم “أهم شيء لبناءِ وطنٍ يقوم على التربيةِ وتحريرِ العقلِ وصنعِ انسانٍ جديد” العقلُ هو أهم عنصر في الانسان وعلينا مخاطبتُه وتحفيزُهُ. في الشرقِ يعدم العقلُ والمعرفة… ونحنُ معه اليوم نسألُ “أينَ هي (التربية الوطنيّة) في مناهجِ التعليمِ بكلِّ مداخلها؟ بل أيُّ مستقبلٍ لشبابٍ لم يقرأوا في كتابِ تاريخٍ واحد؟

هذا الكتاب – الحوار أجابَ على معظمِ الاشكاليّات التي تعترض نشوء لبنان التعدّدي اللاطائفي ضمنَ مشروعِ فصل الدينِ عن الدولةِ من حيثُ الأحوالِ الشخصيّةِ وتعدّدِ الزوجاتِ إلى دينِ الدولة، قانون النسبيّة، الأعياد الدينيّة، التربية الوطنيّة، الزواج المدني الاختياري، فصلُ الدينِ عن السياسة… وغيرُها من الأمور.

من خلالِ هذا الحوار الطويل الذي شخّصَ فيه الدكتور سالم مرضَ الطائفيّة كالسرطان هو مرضٌ خطير لكنَّهُ قابل للعلاج والشفاءُ منهُ ممكن. فأكثر ما تعلّمُهُ مهنةَ الطب التي يُمارسها أنّ الانسان واحد ولم يرَ أن مرضَ السرطان يتصرّفُ مع الدرزي بشكلٍ مختلفٍ عن المسيحي أو المسلم. الانسانُ هو واحد.

كذلكَ علّمَهُ الطبُ أمرًا مهمًّا جدًّا أنّهُ من دونِ الاصرارِ والمثابرةِ والقوّةِ لا يمكنُ أن نصلَ إلى أيِّ شيءٍ، كذلكَ لا يُشفى المرضُ إن لم نصرَّ على فصلِ الدينِ عن الدولةِ ولو تَطَلَبَ ذلِكَ وقتًا طويلاً، يقولُ الدكتور سالم “أنا أفضّل أن نبتدئ بالكلامِ اليوم حتى نصلْ لكن ليس لنقول أنّ هذا غيرُ ممكن أن يحصل ولا نقوم بأي عمل، إنّ العمل مسؤوليّة”.

إنّه حوارٌ ممتعٌ بينَ الأستاذ جان الداية والبروفيسور فيليب سالم تنقلَ بخفةٍ بينَ محاورَ وجوديّةٍ وطنيّةٍ غايتُها علاجُ الانسانِ لعلاجِ الوطن وبالاذنِ من الاستاذ جان هل يمكنني أن أسأل البروفيسور سالم كيف يمكنه أن يعالجَ انسانًا لا يعترفُ أصلاً أنّهُ مريض ولا يطلبُ علاجًا؟ بعدَ ان أصبحت الطائفيّة مكوّنًا أساسيًّا في التركيبة اللبنانيّة إلى أي حدٍّ يمكنُ أن نستأصلَها كالسرطان دونَ أن نستأصلَ معها وطنًا؟

من منّا لا يعرفُ أنّ الطائفيّةَ هي علّةُ لبنان ومشكلتَهُ الأساسيّة ومن منّا لم يحضر محاضرات ولم يسمع تصاريح مندّدة بها، ومن منّا لم يقع فريسةَ تلك “الطائفيّة” غصبًا عَنْهُ.

بل كيفَ يمكنني، أنا ابنةُ بيئةٍ تربّت على اللاطائفيّةِ والمواطنةِ أن أتصرّفَ في ادارةٍ رسميّةٍ لبنانيّة اقدّمُ نفسي فيها، ك “ليليان” والبعضُ لا يرى فييَّ إلاّ ال “قربان”؟

بروفيسور فيليب سالم، أيُّها العالِمُ والعَلَمُ، الذي شَخَصَ هذا المرض وصنَّفهُ سرطانًا لكنَّهُ متقدّمَ المراحل ومتغلغلاً في جسمِ الدولةِ اللبنانيّةِ حتى أصبحَ جزءًا لا يتجزء منها…

نسألُ معكَ ونتساءلُ كيفَ يمكننا أن نعالجَ هذهِ الطائفيّةِ الخطيرة والتي تزدادُ خطورتُها في الممارساتِ كلّ الممارساتِ؟ لقد تفشى المرضُ واسعًا وعميقًا يا دكتور… أين مبضَعُكَ؟

حضرة البروفسور سالم تتحدثونَ عن أنَّ العلاجَ هو بمنهجٍ تربويٍّ علماني لا طائفي هذا صحيح لكن عمليًّا كيف يمكن أن تغييرْ المناهج التربويّة فيما القيمونَ عليها طائفيون؟ وأي سياسةٍ تربويّةٍ نعتمدُها في مناهجِنا في زمنِ التحولاتِ المفخخة؟

الفكرُ رائع لكن المشكلةَ هي في التطبيقِ، ثمةَ خللاً معرفي بينَ الفكرِ والممارسة، ينبغي العمل على ردمِ تلك الهوةِ بينَهما قبلَ أنْ يفقدَ الفكرُ حركتَهُ وبالتالي يفقدُ مبررات وجوده…

هذا الكتاب “سرطان الطائفيّة “هو نموذج عميق، حوار صحفي حول سرطان الطائفيّة يضيءُ على مشكلات لبنان من رجل علمٍ. إنّه كتابُ وطن بل كتابٌ من أجلِ وطن.ينم هذا الكتاب عن لذةِ اكتشاف العلاقات الشخصيّةِ، والسياسيّة والانسانيّة مع رجالات لبنان من أنطون سعادة إلى شارل مالك وغسان التويني وغيرهم.

كتاب سرطان الطائفيّة المولود الجديد للأستاذ جان الداية انتاجٌ فكريٌّ غنيٌّ بمادتِه وبمحاورِه، نصّعهُ جان الداية ﺒ “لمعات ثلاث” استهدف منها تعبئةَ الفراغاتِ والصفحاتِ البيضاءَ بالمختصراتِ المفيدةِ، كما يقول، حيثُ أنَّه نشرَ “لمعات” لعدد من كبارِ العلمانيين مثال المعلّم بطرس البستاني… كي يدعمَ حوارَ الكتاب الدائر حول سرطان الطائفيّة والعلاج العلماني الخالي من المراجع.

خاتمة الكلام، تحيّةٌ إلى كلّ فكرٍ نهضويٍّ يضيءُ شمعةَ أملٍ في عتمةِ هذا الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يهدِّدُ مجتمعنا ومستقبلَ الأجيال.وتحيّة إلى كلّ قلمٍ يقومُ برغدِ الأدب بقيمِ الحق والخير والجمال.

د. ناصيف حتي

كتب البروفسور فيليب سالم عن سرطان الطائفية، السرطان الذي ينخر في جسد البلد، وهو الأستاذ الأخصائي الألمعي في سرطان الجسد، فهذا مثير للإهتمام العلمي والسياسي ليس من العالم فحسب بل من رجل الثقافة والأدب أيضًا.

يطرح فيليب سالم في هذا الحوار المستفزّ للتفكير والشيق بأسلوبه “ثلاثية” التشخيص والتقييم ومن ثم العلاج. العلاج الواقعي بأسلوبه التدرجي والشامل بالطبع بأهدافه بعيدًا عن العلاج النظري أو علاج الوصفات الجاهزة المنفصلة عن الواقع الصعب والمقيد والمعيق لهدف الإصلاح.

فيليب سالم يميّز، فيما هو عند الكثيرين صعب التمييز، بين الدولة المدنية والعلمانية. وللتذكير فالعلمانية لا تعني بالطبع موقفًا معاديًا للدين باستثناء الغلو العلماني عند البعض الذي قد يلامس مغالاة في الإبتعاد عن الدين أحيانًا.

التحدي الأساسي يكمن في كيفية النجاح في تحقيق فصل الدين عن الدولة. ولا بد في هذا السياق من التذكير بإشكالية أساسيّة شهدها ويشهدها العالم العربي. ولبنان في قلب هذا العالم العربي ويتأثر بشكل كبير بالديناميات العقائدية والسياسية والثقافية وغيرها القائمة في العالم العربي: إشكالية غير قائمة في لبنان على مستوى الدولة بسبب تركيبته المختلفة ولكنها تؤثر بتداعياتها عليه، وهي ما أسميه بجدلية العلاقة بين السياسي والديني في العالم العربي.

بعض السلطات العربية لجأت إلى تسييس الدين أو توظيف المؤسسة الدينية الرسمية خدمة لأهدافها من خلال الإستنجاد بهذه المؤسسة لإضفاء شرعية على سياسات أو مواقف أو خيارات معينة وفي المقابل لجأت التيارات الدينية الأصولية إلى تديين السياسة (la sacralisation du politique) فكل موقف سياسي تتخذه أو تنادي به تضفي عليه طابعًا دينيًا كليًا بحيث يصبح الخلاف مع هذا الموقف بمثابة كفر. ثقافة توتاليتارية حملتها هذه الأصوليات الدينية وحاولت وتحاول فرضها على المجتمعات العربية. وللتذكير في هذا السياق، عندما يتحدث البعض عن صدام الحضارات فهذا مناف للدقة العلمية.  فالصدام يجري بين أصوليات مختلفة دينية ودنيوية تدّعي وتصادر التكلم باسم حضارة معينة.  كما أودّ أن أذكّر دائمًا أنه “صدام أصوليات” و”صدام جهالات”، كما قال أكثر من كاتب مختص في هذا المجال.  المطلوب ليس حوارًا بين الحضارات لمعالجة هذه الإشكالية الخطيرة، ولكن الحوار ضمن الفضاء الحضاري ذاته لتغليب أو تعزيز منطق الإنفتاح والعيش المشترك والمساواة مع الآخر على حساب منطق إخضاع أو إلغاء أو تهميش أو أبلسة ذلك للآخر.

 

في لبنان هنالك الكثير من الحرية ولكن القليل من الثقافة والممارسة الديمقراطية والتي تقوم على مأسسة السلطة وليس على شخصنتها وعلى المساواة وعلى مفهوم المواطنة. احترام التعددية شرط قيام الديمقراطية. فالتعددية هي نموذج المستقبل كما يقول الصديق الدكتور فيليب سالم، والتعددية سواء الدينية أو المذهبية أو الأثنية أو الجهويّة مصدر غنى ثقافي وحضاري للبلد إذا ما احترمت وأحسن إدارتها. فالتنوع مصدر غنى وأنا مع الإندماج الذي يحفظ التنوع وليس الإنصهار أو الإستيعاب (assimilation) الذي يعني التسطيح والقضاء على التنوع، فالإختلاف لا يعني بالضرورة الخلاف. الهوية اليوم صارت مفهومًا مركبًا من المحلي إلى العالمي، أساس هذا المفهوم دون شك الهوية الوطنية.

دولة المواطنة أساس الديمقراطية الحقيقية. إنها الدولة التي تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات. مأساتنا في لبنان تكمن في غياب دولة المؤسسات، ليس المقصود على الورق أو في التشريع، بل في الممارسة والواقع المعاش، غياب جاءَ به واقع تطييف السلطة وشخصنتها.

نموذج الديمقراطية التوافقية (Consensual democracy) حسب عالم السياسة Arendt Liphartيقوم على التشاركية الكاملة لكافة المكونات الإجتماعية في الوطن. إنه مصدر طمأنة في المساواة وفي إحترام حقوق الجميع وهو الضروري في هذه المجتمعات التعددية نحو دولة المواطنة التي تقوم على احترام التنوع، ولكن الممارسة في لبنان خطفت الدولة الوطنية التي يفترض بناؤها وتعزيز بنيانها، نحو إقامة فدرالية طائفيات سياسية أيًا كان الغطاء الشفاف جدًا التي تحاول كل طائفية سياسية التغطي به: فدرالية طوائفية بالممارسة اليومية وإدارة الأمور الوطنية وليس في الدستور بالطبع.

للوصول إلى بر الأمان وإنقاذ لبنان يجب أن نبني “طائفة المواطنة” اللبنانية التي ننتمي إليها جميعًا وبشكل متساو. الطوائف الدينية مصدر غنى وتنوع وحوار مُعاش، وليس نقيضًا لطائفة المواطنة لا بل سياج لها. ولكن الطائفية السياسية تصادر الطوائف الدينية وتدعى التحدث باسمها لتمنع بناء طائفة المواطنة، طائفة جميع اللبنانيين.

نموذج الديمقراطية التوافقية طبق في سويسرا وفي بلجيكا وفي دول عديدة ويطرح اليوم لسوريا والعراق وربما في اليمن وليبيا. نموذج يقوم على طمأنة الجميع من خلال الإعتراف بالتنوع وهو في حالات المجتمعات التعددية مدخل ضروري للولوج لدولة المواطنة وليس سجنًا يستغله الطائفيون من خلال مصادرتهم للطائفة الدينية التي ينتمون إليها.

فدرالية الطائفية السياسية في لبنان جعلت من أي موقف داخلي، خلافًا أو تحالفًا، بمثابة إنعكاس لمواقف الأقطاب الخارجية الأقليمية التي ينتمي إليها هذا الطرف الطائفي أو المذهبي أو ذاك، ينتمي إليها باسم الإيديولوجيا الهوياتية أو الأخرى أو باسم الإستراتيجيا أو باسم السياسة. بالطبع من حق كل طرف سياسي لبناني أن يلتقي أو يتحالف مع من يريد ولكن لا يجوز أن يكون التحالف على حساب المشترك الوطني. حروبنا كانت دائمًا باسم هذه الهويات المتقاتلة والقاتلة في تعريفها للهوية الوطنية المشتركة.

نريد من الديمقراطية التوافقية التي يفترض أنها مطمأنة للجميع أن تكون ممر عبور نحو دولة المواطنة. الدولة المدنية التي لا تبنى بالطبع بشحطة قلم بل بمسار تدرجي إصلاحي شامل وجريء وواضح يتناول الشأن التعليمي والثقافي والإجتماعي والسياسي.

نقطتان أخيرتان تعليقًا على كتاب الصديق العزيز فيليب سالم.

أولا، بشأن العلاقة بين الدولة الوطنية والعالم العربي والتي كانت تطرح في الماضي وترسباتها ما زالت قائمة كعلاقة بين نقيضين. أنا أرى أن الدولة الوطنية هي “الأساس وهي الكل” والهوية العربية المشتركة يجب أن تكون حاضنة وداعمة للهوية الوطنية. بذلك يكون لنا عالم عربي قائم على احترام التعددية والتنوع والإختلاف.

ثانيًا: حول العلاقة مع الإنتشار اللبناني، دعوت وأدعو دائمًا لتخطي الروابط العاطفية، والتي تبقى أساسية بغية البناء عليها، عبر إقامة حالة من التشبيك (networking) في العلاقات بين الإنتشار والوطن. تشبيك قطاعي (في مجالات اختصاص واهتمام مشترك) وآخر اقليمي عبر جغرافيا الإنتشار اللبناني عالميًا، بحيث يستطيع الإنتشار بخبرته وقدراته والتزامه تجاه الوطن الأم أن يكون بمثابة قاطرة أساسية، في مختلف قطاعاته، في التنمية الإنسانية الشاملة في لبنان.

philipesalem

اترك رد

%d