وأنا أتجول بين مروج حديقة الشاعرة ميشلين مبارك سمعت هتافات بل همسات روح شفيفة وكأنها رفيف أجنحة من نور تطير محلقة بعيدا بعيدا نحو السماوات لتمسك بناصية القصيدة وكنت أصغي إلى سمفونية بشهقة كمان ترنو لشوق وحب وحنين ..هي صدى روح تبحر نحو الملكوت الأعلى وتحملنا معها إلى عوالم جميلة ملونة بصدق شعور وصفاء ومحبة بحلل القصائد المطرزة حبا وجمالا ..ومما أبهرني في حديقتها الغنّاء رقة شعرها وبساطة كلماتها متماهية بين (الأنا) الذات الشاعرة وال (هي) القصيدة .
إلى أريج السماء وهمس الربيع في ندى الفجر في صلاة القصيدة أناديكم ..هكذا فتحت الشاعرة ميشلين مبارك أبواب حديقتها المزهرة عاطفة وقد انطلقت من رجع صداها ومهد طفولتها “رشميا” تلك القرية الجميلة الهادئة التي تحفظ أسرارها وذكريات طفولتها الجميلة وقد يرجع لها الفضل في تفتق شاعريتها وهي لا تخفي شغفها بالشعر فهناك ترقد أحلامها ومنها ينبع حنينها لمروج طفولتها وبيادر شبابها ولا ينقذها من لوعة الشوق والحنين غير الشعر كملاذ آمن تأوي إليه تبث فيه حبها وأحلامها وأمانيها ..تقول:
“يا ذاكرة الشعر احمليني حيث ترقد أحلامي وبيادر شبابي ..على وجه الريح حفرت همسات الهوى ..”
وقد سمعت صدى روح الشاعرة ميشلين النورانية التي تتغنى بحب القصيدة :”في قصائدي نما الشجر ..في نبضي ينام القمر “ص :13كما أن القصيدة تبث فيها أحلامها وحبها وأشواقها بل إن الحرف هو الذي يكتبها فتنقاد إليه مذعنة فلا تنام كما أنني لمست نرجسية وصراعا وتنافسا كبيرا بين حبها لمن تحب وحبها للقصيدة معلنة وفاءها لها بل عندها الحب في حد ذاته إلهام يوحي بميلاد قصيدة معلنة تقول في قصيدة : نرجسية ص:48 “ألم تعرف أنني والكبرياء توأمان ؟
خلقتك عاشقا فقط لإلهام وأنا كل ليلة أخون القصيدة وفي عرين أشعاري أخونك ولنفسي فقط أعلن الوفاء ..ثم مشيت بين زهور حديقتها فسمعت عزفا حزينا من شرفتها بلون الماء “قصيدة مطر بيروت”..بيروت التي يحزن فيها المطر باكيا على رحيل أنوارها وشعرائها وأوراقها وفنونها وهي الآن تغرق في بحر التكنولوجيا أشبه بعروس كئيبة ضاع منها العريس وكل المدعوين نيام فلا فرح يبدو وهي ترقص وحدها على إيقاع الغياب تقول في ص: 42:
“حزين مطر بيروت ..يهمي يبكي ..يتألم على مدينة فقدت شعراءها ..ضاعت أوراقها..غرقت كتبها في بحر التكنولوجيا فآسرت الأقلام منازلها ..بكاء جعل مدينتي شابة كئيبة ..تلبس طرحة العرس ..العريس ضائع ..المدعوون نيام ..وحدها ترقص على إيقاع الغياب “.
ثم أنتقل إلى ومضات روح الشاعرة ميشلين فأزداد نشوة وحبورا وتشدني تلك العبارات القصيرة الموجزة في حجمها لكنها عميقة في دلالتها و معانيها ..وقصيدتها الرائعة: “ختاما”
تلخص مهمتها النبيلة كشاعرة وليس لها غير الشعر تنفخ فيه من روحها الشاعرية وهي تمتلك القدرة الفائقة على إحياء الحروف الميتة فتعود إليها الحياة كمي يعيد الربيع للأشجار العارية حلتها الخضراء السندسية لتنبعث من جديد .
إنها روح الشاعرة ميشلين مبارك تضيء بحرفها هذا الظلام وأخالها روحا تحمل إلينا باقات زهور من محبة وأمل وجمال ليعيد للكون ابتسامته وفرحته ورونقه وما أسعد من مر بهذه الزهور وسمع صدى روحها الشفيفة النورانية ..
وخلاصة القول أنني قرأت للكثير من الشعراء لكني لو أنشد أحد ما شيئا من شعرها وأنا مغمض العينين وسمعت أستطيع أن أتبين وأميزها قائلا : إنها قصيدة الشاعرة ميشلين مبارك .