ليس من تحديد لشوقنا إلى النور يصارع العتمة، فيجعل المعرفة موطنه الدائم، وينطلق إلى غدٍ باطمئنان الواثق في بناء إنسان يدرك حضارةً هي بنت عقل وثقافات، تُشرّع أبوابها على شرق وغرب، تصافح الآداب الإنسانيّة في الأبهى من روائعها، ولا اكتفاء.
صحيح أن دروب المعارف وعرة، لكّنها توصل إلى القمم، ولا معجزات، حين الإرادة تأتي بحبرها إلى الرغبة، وهي أولى في صنع الحضارات، تواكب أبجديّة تصعد بالشخصيّة العامّة إلى الشعاع الذي يوقظ «سحر» الحضور، ويسمح للوعي الكامل والتام إدراك «الدور المطلوب» منه، بدءًا من التعلّم والتعليم، وتعزيز مناخٍ عامٍ يؤسّس لمشاريع رؤيويّة، لا تُلغي ما سبق، وما أصبح واقعًا، بل تأخذ به من دَغَشٍ إلى مشارف زمن يسابق ذاته، في علوم واكتشافات، وثورات صناعيّة، «تطحن» من يمشي في دربها متأخرًا عنها، ولو في حجم ظلّه.
هذه الثورات، وهذه الاكتشافات «يُظنّ» أنها تلغي فنًا، أو أنسنة لفن، وتحجب كلمة جمالٍ تتباهى في ثوب شعر وأحلام، وفي أدب يُشار إليه بالقلب والعقل معًا.
لنختصر، ونقف في «عزّ» الحاضر، متسلّحين بالمعارف، رحابة آفاق: نعزّز الفنون، على اختلاف اتجاهاتها. نضيف إليها ما يصحّ أن نُكوِّن به حاضرًا، لا يلغي الأصول، بل يغنيها لتواكب الوقت الذي خرج من «ميناء» الساعة، إلى ميناء الحياة التي تستقبل في كلّ فجر وفود الآتين إليها بجديد يثري فنرتقي به، ومعه.
… ونسعى إلى تطوير التفكير قبل تطوير البرامج، عندها تصبح مَهمة «نشر الثقافة الإنسانيّة»، في أي إصلاح، تجاور الحرّية وتحترم الحوار.
لم نعد نستطيع الوقوف في ثياب الأمس أمام الشمس. صار لزامًا علينا البحث عن خطط متشعّبة الاتجاهات لتحقيق تعديلات جذريّة (لا إصلاحات) على مناهجنا التربويّة والإداريّة، وطرق ممارستها، وتطبيقها، بعيدًا من غايات في النفوس، تبرّر، وتخلق «الزواريب» في النصوص، التي منذ البدءِ، وضعها المشترع لتكون حاضرة في تقبّل أي تعديل يحمل أكثر من تفسير ومنفعة.
المنفعة هنا، لا تأتي لمجتمع، بل لأفراد، وهذه الحال ما عادت من المحال في مجتمعنا، بل صارت ركيزته، وغاب حامل دفتر المحاسبة، أو غُيّب، لأمور تُعلن ذاتها، ولا خجل.
خارج هذا المشهد، لنفتح شباكًا على مشاهد أخرى. نشاهد العالم (هو الآن ملك السمع والبصر) ونتعلّم، (أشدّد على كلمة: نتعلّم) فنأخذ ما يثري النفوس من عميق المعارف والثقافات… ما يجعلنا في الوقت عينه ننتبه إلى شططٍ يُوقع في شباكِ الرغباتِ من اصطادته، لتأخذه إليها، حين تصاب عين الضمير بالغبش وعين المسؤول بالعمى.
هنا المساءلة ميزان عدل، ويجب أن تكون حادّة، ترجّح كفّة حقٍ وعدلٍ في: التجارة، السياسة، الحكم، وما يتبع في الشأن العام، الواقع (عمومًا) في شِبَاك الشأن الخاص «الممتهن» السياسة حِرفةً، أو مهنة، أو سلطة… ستظلّ جميعها قائمة في غياب حَكَمٍ، يَغضُّ طرفًا، لمنفعة خاصة، فلا يعود يستطيع أن يحكم ويحاكم.
نتطلع إلى سياسة تصون حقوق الشعب، وحقوق الأرض، وما في «مخزون» أهلها من خير، يُوظّف ويُطوّر في «النظم المعلوماتيّة» التي بدأ العالم بأسره يبني عليها واقعه ومستقبله، وخارجها يبقى التطوّر الإنساني ملتصقًا بالتراب، ولو زرع فيه فلن يثمر.
****
(*) جريدة “النهار” العدد الخاص 27- 9- 2018.