الصين ترفع منحوتة طولها 14 مترًا

من أعمال الفنان اللبناني نعيم ضومط

حين تَندهُ القلم للكتابة عن كبير في مجالي المعرفة والفنون، تحسّ به يدور على نفسه بين أصابعك، ومرّات يهمد على نبض تدركه المهابة، لا التعثر. والمهابة هنا هي في الاختصار، لا في الوفرة، إذ يحدَّدُ العقل أمامك مجالاً، عليك إتمامه من دون نقصان، ومن دون كثرةٍ هي في المضمون قشوره، إذ لكلّ كتابةٍ ما يُشار إليه بالجوهر، وأما الباقي فصناعة للتزويق وبعض إبهارٍ لفظي.

هذا ما حضر أمامي، وجاور قلمًا أَختصرته دليلاً لي، يرشدني في رحلة جمال بدأت منذ تخطّيت عتبة محترف الفنان – المعلّم نعيم ضومط، مستطلعًا وسائلاً عن جديد لديه، جاءني الخبر عنه من أرضٍ بعيدة، ومن صحافيّ عريق استفاض في الكلام على حدث ثقافي فنّي تجلى في الاحتفال برفع الستارة عن نصب كبير للفنّان ضومط في إحدى أرقى مقاطعات الصين، ذات التراث الحضاري العريق.

دخلت المحترف، مشت لهفتي أمامي مستطلعة: قامات من خشب تستقبل الزائر، ولا تسأله معرفةً عنها، أو عن غيرها من الملاصقات، بعضها ببعض، فقط، تترك للدهشة أن ترسم في عينيه رغبة في محاكاة الجمال المشغول بيدٍ تباركت عروقها النابضة بالحياة، فما عرفت الوهن، ولا ضاقت بها سنوات عمرٍ له فوق البيادر أكوام غلال.

إلى الجمال المنحوت في الخشب، تطلّ بعض أعمالٍ، للحجر الأصمّ حصة فيها، تتحرّك الشفاه: انطق… وينطق الشكل بالمبارك من صياغة لا تأخذ إذنًا بالكلام من ازميل ومطرقة،فتظهر مفاجأة أمام العين المتحوّلة مرآةً في ظلالٍ تشكّل، مجتمعة معرضًا دائمًا، أضيفت إليه بعض أعمال في البرونز والكثير الكثير من الرسوم الملوّنة، أو التي كفاها الحبر الصينيّ لتحقق وجودًا يفوق تصوّر الآتي إليها مع قلبه، فينال حصّة من الحبّ الكثير الموزّع في كلّ عمل وجد في المحترف، أو في صور لأعمال عديدة، وبأحجام متنوّعة، توزّعت بين العالمين الغربي والعربي، كان آخرها المنحوتة الكبيرة 14 مترًا التي وسّعت لها الصين مساحة في مدينة ينشوان التاريخيّة، وضمن حديقة عامّة سُمّيت على اسم: الصداقة العربيّة الصينيّة فانتصبت ودلّ إليها: هي من لبنان ومن عمل رائد معلّم، تُكوّن شهادة حيّة لتفاعل الثقافات والفنون بين شعوب العالم.

لم تأتِ هذه المنتصبة جمالاً وبهاءً أولى في سجل الأعمال العالميّة نعيم ضومط، إذ سبقتها مثيلات إلى عواصم في غرب: فرنسا، الولايات المتحدة الأميركيّة، المانيا، اليونان… وفي ايطاليا بلد الجمالات الخالدة، الموقّعة من كبار في الفنون العالميّة، هم المثال الأوّل لكلّ فن.

… وفي شرق حق له بمثيلات ارتفعت في الجزائر، العراق، الأردن، السعوديّة… بانتظار ما سيلي، ليضيف اعترافًا تامًا بالفن التشكيلي اللبناني مع روّاد، أعدّوا الدّرب للآتين بعدهم، يكملون رسالة من لبنان إلى العالم.

غلال هذا الفنان وفيرة، بدءًا من أوّل ستينات القرن الماضي، مرورًا بدخوله مجال التدريس في الجامعة اللبنانيّة وجامعة الروح القدس – الكسليك، بعد تخرّجه من أكاديميّة الفنون الجميلة في روما، مرورًا بمعارضه العديدة في لبنان والعالمين الشرقي والغربي، وبمشاركات منه أظهرت أناقة مفرطة في نتاج جمع في التعبير عنه مخيلة العقل الواعي، ومشاعر الفنّان أمام تحديات الحياة في وجوهها المختلفة.

نعيم ضومط المعلّم، في هويته المتصفة بخصائصه أضاء قنديلاً، نسعى إليه في حبٍّ هو منه، والحبّ لا يقفل بابًا في وجه طالبه.

****

(*) جريدة الأنوار 15 أغسطس 2018.

اترك رد