كتاب مفتوح إلى الرئيس الحريري

مقاربة لما هو مطلوب 

من الحكومة العتيدة القيام به

         

  دولة الرئيس

يوم توليت الحكم في لبنان استبشر اللبنانيون خيراً يأتيهم على يد رئيس للوزراء يعيش الحداثة مطلع على التطورات الاجتماعية والاقتصادية في العالم ، يعمل من اجل مستقبل واعد للأجيال الطالعة على مدى عقود من السنين آتية .

واليوم وانت مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة تواجه بمطالب كثيرة من مختلف الاحزاب والتكتلات السياسية من اجل تمثيلها في الوزارة العتيدة.

رئيس الحكومة سعد الحريري

من حق كل حزب او فئة ان يطلب اشراكه في الحكم ، وهذا من طبيعة العمل السياسي .

لكن من حقك عليهم ، ومن حق اللبنانيين عليك ، ان تطلب اليهم ان يقدموا لك الاكفأ والانزه والاشرف .

لذا ،

لا بأس ان يكون للاحزاب حصص في التشكيلة الوزراية انما يبقى ان يكون ممثلو الاحزاب من ذوي الكفاءة واصحاب الضمير الحي والكف النظيف .

وان لم توفق يا دولة الرئيس الى تحقيق ذلك فأني أذكرك بقول الشاعر :

لا ترتجي الاصلاح من فاسد

فالشهد لا يجنى من الحنظل

وبعد ، يبقى وجوب تحقيق اصلاحات لا بد منها :

العنوان الاول الذي يطرح في هذا المجال هو تحقيق الاصلاح ومكافحة الفساد ، وابدأ هنا بسرد مقطع من تقرير تقويمي للامم المتحدة حدد فيه مفهوم الفساد وعناصره جاء فيه :

” الرشوة وقبول الهدايا ومحاباة الاقارب والتهرب الضريبي

” واستغلال السلطة والكسب غير المشروع واعتماد التشريعات

” التي تخدم مصالح من هم في السلطة واختلاس الاموال العامة

” والابتزاز وتجاوز القوانين والتساهل والتمييز والسلوك غير الشفاف

” والتلزيم غير المشروع للعقود ومصادرة الاملاك العامة والتقسيم غير

” المنصف للدوائر الانتخابية”.

ومن هذا النص يتبين ان مكامن الفساد تطال اكثر نواحي حياتنا ، انما تتعلق بشكل اساسي بالحياة السياسية وممارسة السلطة وايضا بتصرف افراد المجتمع .

فالرشوة مثلا ليست وقفا على فرد انما تتم عبر راش ومرتش .

والمحاباة وتجاوز القوانين تبدأ بمواطن يطلب وساطة لتحقيق اغراضه غير المشروعة، وتمر عبر سياسي او مسؤول حكومي او شخص نافذ يستغل صلاته وموقعه للتأثير في القضاء او الادارة وتنتهي بمتلقي الوساطة يستجيب لها فيقرر وخلافا للقانون ما لا يجوز له تقريره .

فمن اين نبدأ ؟

من البديهي والمنطقي ان تكون البداية من رأس الهرم في الحكم ، وهذا يستوجب ويستلزم حكما نظيفا عادلا ، لا تشوب مسيرته شائبة ، يعمل على تطبيق القانون واعتماد سياسة عقاب وثواب، لا ظلم فيها ولا محاباة .

لا شك ان القانون عامل مساعد في اجراء الاصلاح ومكافحة الفساد .

الا ان بعض القوانين لا تطبق لعجز عند متولي الامر او لخوف عند البعض الآخر.

وبعضها لا يطبق لعدم استكمال اجراءات التطبيق ، مثال ذلك صدور قانون بنص على أمر انما يترك تحديد اجراءات وكيفية تطبيقه حتى صدور مراسيم وقرارات تنظيمية لا تصدر ابدا رغم مرور السنين فيبقى النص القانوني متعذر التطبيق.

والقانون هو الاداة انما لا يصلح امرا ولا يمنع فسادا ما لم تسمك به يد قادرة وتتولاه نفس طاهرة والفساد لا يقضي عليه الا قضاء عادل وقاض مجموع فضائل .

لذا وجب تحصين السلطة القضائية وحمايتها من اهلها ومن الآخرين .

فحصانة القضاء الاولى وجب ان تكون حصانة اخلاقية لدى القاضي تقيه عثرات الطريق والثانية جرأة معنوية تحميه من تدخلات الفاسدين .

أما الثالثة فتتمثل في رفع يد سائر السلطات عن امكانية التدخل في شؤون القضاء وتبقى عناوين اخرى اوردها باختصار انما تقع في باب الاصلاحات المطلوبة ومنها:

تحقيق اللامركزية الادارية الامر الذي يخفف عن كاهل المواطن اعباء كثيرة ويساهم في تحقيق التنمية في كل مناطق لبنان وبصورة خاصة تلك البعيدة عن العاصمة .

اصلاح النظم الادارية وتطويرها وفق المعايير العلمية الحديثة بما يزيل عنها شوائب الروتين المعيق للانتاج ومع ان تنظيم الادارة اصبح علما يدرس في الجامعات وله اصوله ومع ان المكننة اصبحت بتناول الجميع فان الحكومات المتعاقبة عجزت عن انجاز هذا التنظيم .

وقد تكون الطريقة الناجحة للاصلاح الاداري هي تكليف احدى المؤسسات العالمية لتنظيم دوائر الدولة وفق الطريقة التي تنظم بها ادارات الدول المعروفة بالكفاءة والنجاح .

ويبقى الاهم برأينا وهو العنصر البشري ، فان لم يصلح هذا العنصر ، فسد التنظيم الاداري مهما كان متقدما ومتطورا .

فتوجيه وتثقيف الموظف وتأهيله على كيفية التعامل مع المواطنين وانجاز معاملاتهم بسرعة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بحيث يتم التوظيف وتتم الترقيات على أساس الكفاءة لا على أساس المحسوبيات وتفعيل أجهزة الرقابة وتطويرها وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، كل ذلك يصب في خانة مكافحة الفساد .

الا أن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب يفترض ان يتوفر للموظف حقه في الغذاء والدواء وسائر الضمانات التي ينتفي معها مبرر الحاجة للارتشاء.

فالموظف الذي لا تتمكن عجلة الدولة من الدوران من دونه يجب ان تمكنه الدولة من أن يعيش حياة كريمة.

أما بالنسبة لمعالجة الرشوة فاني اقترح ان يصار الى تحديد مهل لانجاز المعاملات على غرار ما هو حاصل في جوازات السفر .

فاذا ما تم تحديد مهل لانجاز المعاملات يصبح باب الارتشاء ضيقا وضيقا جدا !

تحديث التشريع التربوي والنظام التعليمي ليعود لبنان جامعة العالم العربي والمشرقي كما عرفناه ، ومنعا لتفاقم انشاء الجامعات بشكل عشوائي .

ولا بد من الاشارة في هذا الصدد الى كون اصلاح الفساد بواسطة القانون وحده لا يكفي بل يجب ان يواكبه اصلاح تربوي واجتماعي فتحصين المواطن بالاخلاق هو الاساس لكل اصلاح .

واعادة بناء الانسان تتطلب من الدولة :

رعاية شؤون المواطن الاجتماعية والتربوية والثقافية منذ الولادة.

وضع تشريعات تركز على ايجاد مؤسسات توجيهية تعنى بتكوين الانسان منذ طفولته .

مراقبة وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ومنع نشر كل ما يؤذي براءة النشئ الطالع ،

تشجيع نشر وبث المواد الفنية والجمالية والتثقيفية التي لها تأثيرات ايجابية على النشئ بصورة خاصة والمواطن بصورة عامة .

هذا في المدى الطويل، أما في المدى القريب ، فاننا بحاجة الى حكم نزيه مجرد مقرون بعزم وحزم ، شرط هذا الحزم عدالة لا تسيء الى كرامة دون مبرر ، ولا تكون انتقائية ، إذ انها انذاك تستهلك نفسها.

وضع سياسة هادفة الى اشراك المرأة في الحياة العامة وتشجيعها على الانخراط في العمل السياسي وادارة الشأن العام ، الامر الذي يتيح للمجتمع الاستفادة من خبرات وكفاءات نسائية كثيرة ومتعددة .

وضع سياسة هادفة ، تعمل على مراحل ، لتحقيق الانتماء الوطني بديلا عن الانتماء الطائفي ، وصولاً الى مجتمع مدني ناشط وفاعل يدفع بأتجاه اقامة الدولة المدنية حيث القانون الواحد يطبق على جميع اللبنانيين بمساواة ودون اي تفريق.

إصلاح النظام الضريبي

الدولة لا مورد لها غير ما تفرض من ضرائب على المواطنين، فالضرائب واجب وطني انما يجب ان تفرض على من يستطيع تحملها ، وقبل ان تفرض الدولة الضرائب على المواطنين عليها ان تبادر الى تحصيل ديونها من كهرباء وتعديات على الاملاك العمومية البحرية منها والنهرية.

أما القواعد الواجب التزامها في كل تشريع ضريبي فهي التالية :

آ- عدالة الضريبة وذلك بتعيين حد أدنى للأجور هو المقدار من الدخل اللازم والضروري لتأمين تكاليف معيشة المواطن ، يكون معفى من الضريبة ، بحيث يجب رفع الحد الادنى المقرر حاليا للرواتب بما يتناسب مع ارتفاع كلفة المعيشة .

ب- اعتماد قاعدة الضريبة المباشرة كونها اكثر عدالة ذلك ان الضريبة غير المباشرة تطال كل المواطنين بالنسبة ذاتها ايا كان دخلهم وهي تكون عبئا على ذوي الدخل المحدود .

ج- تحديد مقدار الضريبة بوضوح وتحديد زمان جبايتها ففي لبنان ان جداول الضرائب والتكاليف لا تصدر في ميعاد معين بل تصدر عن اكثر من سنة واحدة وفي سنوات لاحقة لزمن التكليف الامر الذي يؤدي الى تراكم الضرائب على المواطنين وعجز الكثر عن تسديدها .

د- عدم فرض ضرائب باهظة الامر الذي يثقل كاهل فئة من المواطنين ويؤدي الى تهربهم من دفعها.

هـ- وجوب وضع ضريبة حيث المنفعة حصرية ، وهذه القاعدة توجب في مثال على تطبيقها استيفاء ضريبة على الارباح من اصحاب الاملاك الزراعية عند انشاء مشروع ري او مشروع تحسين زراعي لا يستفيد منه الا اصحاب تلك الاملاك.

و- الاعفاءات من الضرائب يجب ان تطال من هم بحاجة اليها فقط فالذين يستفيدون من مشاريع الري والتحسين الزراعي يجب ان تطالهم الضرائب على الارباح الناتجة عن مثل هذه القروض والتسهيلات التي تقدمها الحكومة .

ز-  اعادة النظر في النظام الضريبي وتعديل نسب الضريبة التصاعدية بما يحفظ للدولة حقوقها وللنشاط الاقتصادي امكانية النمو .

ط- فرض ضريبة  تصاعدية على الثروة التي تزيد قيمتها عن حد معين .

الموازنة

وضع الموزانة في لبنان ليس افضل من وضع الضرائب

فالموازنات في لبنان في عجز مستمر وتفاقم رزحت بسببه الخزينة اللبنانية تحت عبء ثقيل من الديون .

في لبنان لا سياسة اقتصادية تحدد وتعين الموارد التي يمكن للدولة جباية أموال الموازنة منها فالقرارات ارتجالية والضرائب اعتباطية .

فالاستمرار في سلوك الخطة الخاطئة التي تمشت عليها الحكومات يقود الدولة الى الكارثة .

الاستدانة سياسة فاشلة فهي تحمل الاعباء للاجيال الصاعدة وهي لا تجوز إلا في حالة واحدة متى تصرف في مشروع يرد دخلا كبيرا للدولة .

القضايا البيئية

رفع القضايا البيئية الى مستوى الاهتمام الذي تستحقه انسجاما مع الاهتمام العالمي المتزايد بالبيئة .

يفاخر اللبنانيون دوما بأخذهم العلم عن كبار الاساتذة في أرقى جامعات العالم ،

ترى اليس باستطاعة لبنان ان يأخذ عن العالم افضل السبل لمعالجة ازمة النفايات

ويبقى السؤال دون جواب .

اما عن مشكلة الكهرباء فحدّث ولا حرج .

هذا غيض من فيض من مسائل على الحكومة العتيدة ان تهتم بها وان تعمل على تحقيقها، او أقله ان تبدأ مسيرة تحقيقها ، وان لم تكتمل المسيرة، عندها يتابع الامر من يتولى الحكم بعدها .

الاّ انني أبادر الى القول ان كل هذا مرهون بوجوب تحقيق استقرار سياسي وحفظ امن الوطن والمواطنين وكل مقيم على ارضه .

ارجو ان لا اتهم بأني القي موعظة ، الاّ انني ارى ان السبيل الوحيد للأصلاح وبدايته هو في اعتماد ما قلت .

وآمل ان لا أكون مخطئة ، وان كنت فحسبي انني في ما أقول مخلصة .

وأمل اللبنانيين جميعا ان يتم الاصلاح وبدء مسيرة بناء الدولة القويمة على يدكم .

اترك رد