أبونا هادي العدل والرحمة… بعدك معنا

نظّمت جمعيّة عدل ورحمة والجامعة الأنطونيّة حفلاً تكريمياً للأب هادي العيّا، مؤسس الجمعيّة، بذكرى مرور سنة على غيابه، في حرم الجامعة الأنطونية في بعبدا الحدث، بحضور فعاليّات سياسيّة ودينيّة وهيئات المجتمع المدني وعائلته.

قدّمت الاحتفال الدكتورة سحر حيدر، التي رافقت الأب هادي العيا على مدى سنوات في عمله الدؤوب مع فريق عمل متمرّس، ومما  قالت: 

“لقاؤنا اليوم عربونُ تقدير ووفاء لمن سبقنا إلى بيت الآب، الأب هادي العيّا، الذي عرف جيدًا كيف يستثمر عطية الله ، من خلال السير على خطواته والعمل على نصرة المضطهد ومناصرة المظلوم. فحمل بفرحٍ أوضاع السجناء وهمومهم/  وكانت مخدته وصلاته ” عدلٌ ورحمة” كرّس لها حياتَه، مستميتًا من أجل حقوق السجناء والمتروكين والمهمشين والضعفاء، وبهذا شهد لمحبة المسيح اللامحدودة لكلّ إنسان”.

أبو جودة

وافتتح اللقاء بكلمة لرئيس العام الرهبانية الأنطونية والرئيس الفخري للجمعية، الأباتي مارون أبو جودة، ومما قال:

“يتذكَّرُ الأب هادي صاحبَ النَّخوةِ والحضورِ لفئةٍ لا بأسَ بها من المهمَّشينَ والمتروكينَ والأسرى، فنراه حاضرًا لهم، يُصْغي إلى همومِهِم ويهتَمُّ لألـمِهِم، وألمِ عائلاتِهِم ودائمًا مع بَسْمةٍ تَعتلي وَجْهَهُ. ولم يكن ليهدأَ له بالٌ قبلَ أن يُفَرّجَ كُرْبةَ من يَهتَمُّ به.

ولا يـَخفى على أحدٍ أنَّ السجونَ اللبنانيّةَ “مربضُ خيلِ الأب هادي”، تحتاجُ إلى معالجةٍ كبيرةٍ من نواحٍ كثيرة، والعملُ الاجتماعيُّ فيها ليس سهلاً، هذا الوضعُ استفزَّ الأب هادي ودفعَهُ للانخراطِ في ورشةٍ لإدخالِ البسمةِ الى المسجونينَ وزرعِ الأملِ في قلوبِ اهلِهِم من خلالِ مطالبَتِهِ بإجراءاتِ العدلِ لهم وعيشِ الرحمةِ معهم، فكانت جمعيّةُ “عدل ورحمة” الجهازَ الذي من خلالِهِ حَمَلَ الأب هادي ورفاقَهُ صليبَ المعذَّبينَ”.

الجلخ

كذلك تحدّث الأب ميشال الجلخ، رئيس الجامعة الأنطونية، ومما قال:  

“صحيحٌ أنَّهُ كان مُحتالًا حاذِقًا وداهيةً كما كانَ يُقالُ عنهُ عامَّةً، إلَّا أنَّهُ كرَّسَ هذه الشقاوةَ من أجلِ الإيجابيَّةِ وفِعلِ الخيرِ ومُساعَدَةِ الغيرِ حتَّى ولو تخطَّى في بعضِ الأحيانِ الأمورَ المألوفَةَ وانتَهكَ بعضَ القواعِد. أَوَ لَمْ تُوجَدِ الأمورُ المألوفَةُ والقواعدُ للناسِ العاديِّين؟ أمَّا أمثالُ هادي فهُم جدُّ قلائِلٌ، وكانَ يحقُّ لهُ ما لَم يَكُن يحقُّ للعامَّة.

الآنَ، وقد غابَ عنَّا بالحضور، أسمحُ لنفسي بالتوقُّفِ عندَ ثلاثَةِ محاورَ مِن حياتِه، مِنها ما هو معلومٌ ومنها ما هو غير معلومٍ

أوَّلًا: محورُ حياتِه الشخصيَّة، حيث دخلِ الأب هادي الرهبنةَ بعدَ استشهادِ أخيهِ مباشرةً،

غير أنّه أراد أن يتأكَّدَ ويعيشَ ويختَبِرَ دعوَتَهُ الرهبانيَّةَ هو، وليسَ دعوةَ أخيهِ الشهيد، فقرر البقاءَ خارِجَ حِصنِ الديرِ لمدَّةِ سَنَةٍ. ولأنَّهُ كان نَزيهًا وشَريفًا وصادِقًا اختارَ الحياةَ خارِجَ الديرِ فاستَقَلَّ عَنهُ وتحمَّلَ مسؤوليَّتَهُ كاملةً في العالم، وعاد إليه بعد عام صاحب اندفاع مُتَجدِّد وارتياح نفسيّ وثِقَة بالنفسِ وبدعوَتِهِ أقوى من قبل.

ثانيًا: محورُ الضعيف. لقد رَبَطْنا اسمَ هادي بالسجناءِ لأنَّهُ أسَّسَ “عدل ورحمة” واشتهرَ من خلالِها، إلَّا أنَّ كلَّ مَن عَرَفَ هادي سابقًا عَرَفَهُ شفَّافًا ومُرهَفًا وحسَّاسًا تُجاهَ كلِّ ضعيفٍ أيًّا كان نوعُ ضُعفِه: مريضًا كانَ أَم يتيمًا أم معوَّقًا أم سجينًا أم كبيرَ السنِّ أم فقيرًا أم مظلومًا.

ثالثًا: رغبَتُهُ الدائِمةُ في بناءِ عائِلَةٍ على الرغمِ من قناعَتِهِ بدعوَتِهِ في الحياةِ المكرَّسَة. بالإضافة إلى عائلَتِهِ الطبيعيَّةِ وعائلتِهِ الرهبانيَّةِ فقد وجدَ نَفسَهُ أيضًا في بناءِ عائلةٍ بالصُّدفَةِ حيثُ أحضروا أمامَهُ مرَّةً في مكتَبِهِ في رومية ثلاثةَ أطفالٍ، مع أبٍ في السجنِ وأمٍّ تركتهُم واختَفَت، فما كان منه إلَّا أن اهتمَّ بهم مباشرةً وأسكنَهُم منزلًا، وعلَّمهُم بعدها في المدارسِ والجامعاتِ حتَّى التخرُّجِ والزواج، وكان يفْتَخِرُ بِعَمَلِهِ هذا.”

بعد عرض فيلم وثائقي عن مسيرة الأب هادي النضالية، والاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية التي كان يعشقها الأب هادي، قدّمت بعض الشهادات القصيرة لخبراتهم مع الأب هادي، ومنها:  

عون

كان للرئيسة القاضي غادة عون، مدّعي عام جبل لبنان، شهادةً ألقتها عن الأب هادي العيّا وتجربتها معه، بخاصّةٍ في موضوع عقوبة الإعدام التي ناهض الأب هادي لإلغائها.

“تفاجأت بشهادته بالحقّ وصدقه لمّا طلب منه تقديم شهادة في المحكمة. وإنسانيّة الأب هادي ومحبته جعلت منه عملاق في الإنسانيّة”، مكملّةً أنّه “لمّا كان يأتي أفراد إليّ في المحكمة يطلبون المساعدة من شدّة المصائب وصعوبات التي تواجههم، كنت ألجأ إلى عدل ورحمة لذلك”.

مخيبر

قدمّ النائب السابق غسّان مخيبر شهادةً أخرى أثنى فيها على نشاط وعمله ومشاركته الدائمة في نشاطات المجتمع المدني وتظاهراته احتجاجاً على مطالب إنسانية للمجتمعات المهمّشة.

“فيما كنّا نعمل لمساعدة المساجين بالتقارير والمناصرة، كان الأب هادي يقف أمام باب السجن، أمام كلّ أمّ وأب يأتون لزيارة أولادهم المسجونين… وكان همّه كيف سيتمكّن هذا السجين من إعادة الانخراط في المجتمع”.

عبد الخالق

وتحدّث الشيخ دنيل عبد الخالق، رئيس جمعيّة معاً من أجل الإنسان، متأثراً عن علاقته بالأب هادي كصديقاً ومناضلاً من أجل إلغاء الطائفيّة وإحياء الوطن.

“الأب هادي العيّا هو من كرّمني برفقته وزمالته.. وأكرمني بحرصه وثقته.. فما عرفته فيه لم أعرفه في غيره..  عرفته رجلا من طينة الأولياء، ليّنا يشبه الملائكة الأصفياء.. جبّارا لا كالصناديد، ماردا لا يرى لنفسه وزنا ولا ظلا.. ترجّل حيث لا يجرؤ أصحاب الشنب، وأقدم حيث لا نقترب خوفا من اللهب، شاهرا سلاحا من عدلٍ، ودرعا من رحمة، وفي يده قِنديلٌ من شُهُبْ”.

أعرج

وتحدّث السيد إيلي أعرج، مدير شبكة المنارة، عن نشاط واندفاع الأب هادي الكبير ضدّ الظلم رغم لباسه المتواضع دائماً، بالقميص الأسود والصندل.

“الأب هادي لم يكن يوماً هادي، كانت الحياة تضجّ فيه، وهو يضجّ بالحياة. ومن خلال عمله، مع المساجين والمهمشين عرف إعادة الكنيسة إلى الناس ومثّل اللاهوت الحيّ”.

 الحاج

 شارل الحاج، الذي عرف الأب هادي في رعيّة قرنايل  ألقى قصيدةً تحدّث فيها عن وقع كلماته الفعّال، والتغيير الذي أحدثه في الرعيّة مشجعاً المصالحة بين الدروز والمسيحيين.

من هون البداية، جسر التواصل بنيت، ولعامية جديدة سعيت، وبتوأمة بلدتين: أبناء ميروبا بساحة قرنايل : أهل البيت ، حاملين الصورة الغيّرت ، وباصات دروز ومسيحيي ردوا الزيارة ، مش كرمال حجر صامت انرفع بالساحات إنما كرمالك يا أبونا هادي يا راهب الدير”.

العيّا

واختتم الحفل بكلمة لشقيقة الأب هادي، الأستاذة لينا العيّا، قبل إعلان رئيس جمعيّة عدل ورحمة الأب نجيب بعقليني، عن جائزة الأب هادي لحقوق الإنسان السنويّة.

“لقد كان الأب هادي وجودياً، إنسانيا، مسيحياً، فعرف منذ البداية على مثال معلمه يسوع أن معضلة المعضلات في كل زمان ومكان هي الإنسان الشخص المرمي في هذه الدنيا بين الموت والحياة، القلق على مصيره، التائق إلى الحرية، دائم السقوط والناهض باستمرار، الباحث عن السعادة وعن معنى لوجوده، الناشد الخلاص. فشاهد صورته في السجين المعذب، المهمش، المتروك، المنبوذ من مجتمعه ومن أهله، فأصغى إلى وجعه ومعاناته، وهام بحبه في زمنٍ أصبح كثيرٌ على الإنسان في لبنان والشرق حتى أن يكون إنسانا”.

بعقليني

شكر الأب بعقليني المشاركين والحاضرين وأثنى على جهود الأب هادي الإنسانيّة، مشدداً على متابعة مسيرة جمعيّة عدل ورحمة بنشاط واندفاع وحمل القضيّة الإنسانيّة، كما حملها الأب المؤسس مدافعين مع أفراد الجمعيّة عن حقوق الإنسان… كلّ إنسان.  

وقبل اختتام الحفل، قدّم الأباتي أبو جودة، والأب الجلخ، والأب بعقليني درعاً تقديرياً إلى والدة الإنسانيّة، والدة الأب هادي العيّا، تيريز العيّا، على جهودها وعطاءاتها في تربية إنسان عاش ليخدم أخيه الإنسان حتّى الرمق الأخير.   

 

اترك رد