بقلم: جورج جحا
صدرت ترجمة عربية لكتاب “السعادة… موجز تاريخي” للباحث الأميركي نيكولاس وايت، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، ضمن سلسلة كتب عالم المعرفة، 231 صفحة متوسطة القطع، أنجز الترجمة سعيد توفيق.
لا يسعى الباحث الأميركي نيكولاس وايت إلى التوصل إلى تحديد جامع ونهائي للسعادة، بل عرض وجهات نظر مختلفة عرفت عبر التاريخ في مجال تقديم مفاهيم السعادة.
يصدّر وايت لكتابه متناولا تاريخ السعادة في الفلسفة الغربية في “محاولة لتضمين الموضوعات التي لطالما كان ثمة اعتقاد في ارتباطها بالسعادة أو تضمين كل الشخصيات التي أطلقت آراء في السعادة لها أهميتها، سوف تجعل من صياغة تاريخ للسعادة مهمة مستحيلة، لاسيما إن كانت مهمة موجزة”.
يضيف: “اهتممت بانتقاء تلك الأفكار التي يمكن تطويرها وتمحيصها وتطبيقها، وبالكيفية التي يمكن من خلالها جعل تلك الإشكالية العويصة مفهومة. وهذا يعني أن تاريخ السعادة، لا سيما حينما يكون موجزاً، ينبغي أن يمثل، إلى حد كبير، التاريخ القديم للسعادة”. والتاريخ القديم كما يبدو عنده يعني الفلسفة اليونانية.
ويعرض وايت الآراء الفلسفية المختلفة في السعادة من دون ترتيب زمني صارم. فهو يراوح في الزمن بين فترة وأخرى وإن كان قد انطلق من الفلسفة اليونانية، فيتحدث عن أرسطو الذي لا يلبث أن يعود اليه وإلى أفلاطون في مجالات عدة. يعتبر ارسطو السعادة هي “الخير البشري وكل امرىء يهدف إليها لمصلحته الخاصة وحده”.
يتابع: “الدور الذي يقوم به هذا المفهوم في حياتنا لم يتغير كثيراً منذ عصر أرسطو وحتي عصر سيغموند فرويد.”
من أين نبدأ؟
وفي الفصل الثاني وتحت عنوان فرعي “من اين نبدأ”، يقول وايت: “كما هي الحال عادة، فقد بدأ أفلاطون الخطوة الأولى، وقد اتخذ هذه البداية في محاورتيه “جورجياس” و”الجمهورية”، من خلال التسليم بأن لدينا رغبات وأهدافاً وبواعث… متعددة ومتضاربة، وعلينا، بشكل ما، أن نتعامل مع هذه الحقيقة. ويصعب القول إنه كان أول من لاحظ حقيقة التعدد والتضارب، لكنه كان أول من تعامل معها بطريقة منهجية.
في القرن الخامس قبل الميلاد، يبدو أن جورجياس – السوفسطائي الذي استخدم أفلاطون اسمه عنواناً لمحاورته، قد تبنى الموقف القائل إن صالح المرء يكمن، بالمعنى الواسع، في “حصوله على أي شيء يريده” أو لنقل إن هذه هي الرؤية التي ينسبها أفلاطون إلى جورجياس.
ما يمكن أن تصل إليه من مجمل هذا، بناء على وجهة نظر جورجياس، هو القدرة على أن تحصل على أي شيء تريده. وأفلاطون يصف هذا بأنه “الخير الأسمى.
ويقدم أفلاطون في ما بعد شخصية كاليكس ليضفي مزيداً من الوضوح على موقف جورجياس، إذ يجعل كاليكس يقول: ” الإنسان الذي يعيش بشكل صحيح ينبغي أن يتيح لشهواته أن تحصل على أكبر قدر ممكن مما تبتغيه وألا يقيدها.”
فسّر أريستوبس السيريني، أحد اليونانيين المعاصرين هذه الفكرة لأفلاطون، وثمة تفسير آخر اقترحه “الإنكليزي توماس هوبز (1588-1679) إذ تحدث عن كلمة “النعيم” التي تعد مع الخير، وكلمات أخرى اقرب إلى التكافؤ مع كلمة السعادة. وقال: ” النجاح المستمر في الحصول على تلك الأشياء التي يرغب فيها الإنسان، من حين إلى آخر، أي النجاح على نحو مستمرّ هو ما يسميه الناس النعيم.”
ويرى أفلاطون أن تضارب الأهداف هي حالة سيئة بالنسبة إلى الشخص الذي يكون فيها، وفي وصفه “الإنسان الخيّر تماماً” يلاحظ أن هذا الشخص “لا يسمح لأي جزء منه بأن يقوم بعمل أي جزء آخر أو يسمح للأجزاء المتنوعة فيه بأن تتداخل في عملب عضها البعض. فهو ينظم ما يتعلق بخيره الخاص ويتحكم في نفسه.”
عكس أفلاطون، يؤكد اريستوبس أنه يمكن لشخص ما أن يكون متحرراً بالفعل من الرغبات الموجهة، وأن الناس من هذا النوع يكونون أكثر سعادة من أولئك الذين يوجهون أهدافهم.
وفي هذا المجال يقول أرسطو في دراسته “الأخلاق الأيوديمية” أننا “يجب أن نحث كل شخص لديه القدرة على أن يعيش وفقاً لاختياره أن ينشىء موضوعا لنفسه… يهدف إليه -قد يكون الشرف أو الشهرة او الثروة أو الثقافة- سوف يقوم بكل افعاله استنادا إليه لأنه حينما لا تكون حياة المرء منظمة وفقاً لهدف ما فإن ذلك هو الحماقة.
ويقول أرسطو إن السعادة البشرية هي “نشاط النفس وفقاً لفضيلتها أو إذا كانت هناك أكثر من فضيلة للنفس فإنه يكون وفقاً لأعظم فضائلها وأكثرها كمالا.”
ويقول نيكولاس وايت إن الفكرة المهمة التي يراها الإنسان في كتابات نيتشه “هي أن تصادم الرغبات يمكن أن يكون أمراً مرغوباً فيه. فالرغبات تكون كذلك حينما تكون مصدراً لنوع معين من الابتهاج… إن تضارب الأهداف يمنع الحياة من ان تستتب في حال من الروتين الممل وأن تقاوم ذلك النوع من “السعادة” الذي يريده أغلب الناس.”
وفي الحديث عن “المتعة ومذهب اللذة ومقياس السعادة” يقول وايت ” الرؤية القائلة بأن السعادة هي المتعة أو مذهب اللذة (هيدونيزم)… هي إحدى أكثر التفسيرات المقبولة على نطاق واسع لمعنى السعادة.
أما أبيقور فيرى أن الخير هو اللذة التي تفسَّر “باعتبارها غياباً واعياً للألم والازعاج، وهو أيضاً يؤكد أن هذا ما تسعى من أجله الموجودات البشرية منذ مرحلة الطفولة فصاعدا.”
كذلك يشرح فكرة اللذة عند عدة مفكرين منهم جيريمي بنتام (1748-1832) وهو مؤصل النظرية المعروفة باسم النفعية ومذهب اللذة الكمي.
كلام الصور
لوحة تمثل أفلاطون (من اليسار) وأرسطو (من اليمين)