لشدّ ما تألمتُ وحزنتُ لمُصابهم..
غير أنّي كتمتُ شجني في صدري..
يمتزج بأمواج حزني وحسرتي المتلاطمة في نفسي..
على كلّ هذه الأرواح الشقيّة التي ما فتئت تتساقط في أرجاء هذا العالم المخيف..
كأوراق الشجر في الخريف..
بنيران الجشع والحقد والظلم والطغيان..
غير أنّي في ديجور حسرتي وحزني وألمي.. فقد اخترتُ سبيلاً غير سبيلكم وسبيل خصومكم..
إنّه سبيل الإنسانية العفيفة المجرّدة من ثوب الذات..
ودنس الأنانية والمصلحة والرغبات..
وهذه الإنسانية، يا وفاء، ليست ثياباً يقتطعها البشر على مقاسهم وحسب أذواقهم وأهوائهم..
خدمة لأغراضهم وحماية لمصالحهم..
الإنسانية، يا صديقتي يا وفاء، رداء وثير يكفي لأن ينعم بدفئه كل البشر..
فلا يعاني أحد من صقيع الظلم والعدوان..
في أي مكان..
وهذه الإنسانية، يا وفاء، لا تفضّل أحداً على الآخر..
ولا تميّز بين البشر لاختلاف الأصل أو العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللسان أو المقام الاجتماعي..
وهي بذلك مثل الأم الحنون التي لا تستطيع أن تميّز بين أبنائها..
فكل واحد منهم قريب إليها..
وجزء من ذاتها..
ولن يدرك هذه الإنسانية إلاَّ من تخلّص من جاذبية هذه الدنيا وأمواج التوجهات المتلاطمة وهيمنة الذات وأهوائها ورغباتها وشهواتها..
والسمو بهذه النفس عاليا إلى دنيا ما وراء الأفق الأزرق الطاهر النبيل..
حيث الأمن والسلام..
والوئام والانسجام..
والأمان والاطمئنان…
*****
(*) نص مقتبس من رواية “مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق” (14 أبريل 2018).