النفس الإنسانية وإمكانية إعادتها إلى النهج الصحيح من خلال الفن التشكيلي

                   

تحتضن لوحات  ” اندريه ماسون”  (André Masson) الاشكال والالوان،  كالحياة التي تثير طمأنينة نفسه بعد قلق نفسي ينكشف عنه شخصية تبحث عن تطور الخطوط  ومساراتها عبر الالوان، لمحو فلسفة التدمير الذاتي بالفن التكعيبي، ومفهومه المتشابه مع انظمة الحياة التي لا تكتمل بشكل اساسي،  وانما عبر منطق انساني يرمز الى الفوضى والنظام والهيمنة الفردية على اللوحة التي جعلها “اندريه ماسون” ترجمة لمشاعره الانسانية التي يعيدها الى شخصيته بشكل فردي من خلال الرسم او الفن والجمال.  ومعناه النفسي الناتج عن ادراك قيمة النفس الانسانية وجماليتها في الحياة، مبتعداً عن طابع الاستبداد الفني تاركا للريشة حرية الحركة بين الخطوط. لتتشكل المعاني النفسية في لوحاته قبل المعاني النسبية او الجمالية في الالوان وفي التكعيب البعيد عن التعقيد او الية الدمج المطلق الشبيه بالحياة ، فالتوازن الفني في لوحاته ينبع من عمق التجارب النفسيه التي خاضها كضبط فلسفي يميل الى خلق فكرة الانتقال من حياة الى حياة اخرى،  وبالعكس من مرحلة حياتية الى مرحلة اخرى .

بالنظر الى حقيقة الاشكال في لوحات الفنان “اندريه ماسون ”  نجد أنها تميل الى انظمة تشكيلية يتقيد بها، لتفريغ شحنات النفس السلبية من خلال ايجابية الالوان الدافئة في لوحاته،  وبالتالي هو يسعى الى تطوير الفراغات وشحنها بالظل والضوء. لتحاكي المضمون النفسي الذي يضعه كنقطة تحدد الفهم الجمالي في لوحاته خاصة،  وفي الفن التكعيبي عامة . فالنهج المختلف الذي يقدمه تشكيليا يؤدي الى خلق قدرة تحليلية نفسية تعيد جوهر الاشكال الى حقيقتها او بالاحرى الى التهيؤات النفسية التي تبرمج النفس وتعيدها الى الوعي الحياتي الذي يتمسك به “اندريه ماسون”  من خلال الريشة والالوان، وايضا من خلال الخطوط وبراعتها في ايجاد خريطة النفس التواقة الى الجمال والسلام .

وجهات نظر مختلفة في لوحة تثير اهتمام المتلقي لأنظمة الخطوط فيها،  والاليات النفسية التي تقود الفكر الى تحديد سلوك الريشة ضمن النهج التكعيبي،  وتعبيراته ذات الخصوصية او التعقيد الذي يحتاج الى شد الخطوط الى بعضها البعض. لاظهار التضاد والتآلف والانسجام والتنافر.  لابراز قيمة الاشكال الناتجة عن الاضاد والمعاني التي يتقاسمها “اندريه ماسون” مع اللوحة نفسيا واجتماعيا وجماليا وتشكيليا وما الى ذلك.  كأن اللوحة هي التعايش النفسي الذي يبحث عنه في ظل واقع الحياة ومآسيها او حروبها الطاحنة، وصراعاتها المؤثرة على النفس الانسانية التي تبحث عن الزوايا الحياتية بين الخطوط وكثرتها.  او كثافة الالوان وشفافيتها وبين الظل والضوء او بين الحياة والموت، والتقاطع النفسي الذي يصاب به الانسان من خلال كثرة التفاصيل والاحداث التي يعيشها بحزن وفرح، ووجع وعافية وباضاد نفسية من كآبة وقلق وامل وطمأنينة،  وفي كل هذا مرحلة تكوين اللوحة التي يعالج بها اندريه نفسيته او رؤيته للحياة من خلال لوحة فنية تكعبية تجسد الانسان ومراحل حياته التكعيبيه او المتقطعة الى ايحاءات يمكن جمعها في معنى واحد، وهي النفس الانسانية وامكانية اعادتها الى النهج الصحيح من خلال الفن التشكيلي او جمالية الالوان،  والخطوط التي تفكفك اوجاع النفس وتعيدها الى استقرارها والصفاء المجبولة عليه عبر الابداع والخلق الفني .

تبرز الكيمياء اللونية المعقدة في اعمال الفنان “اندريه ماسون”  كمآساة تميل الى خلق الاشكال، لاثارة البهجة البصرية واعادة النفس الى مسارها الصحيح بعد متاهة الخطوط التي تدخل فيها الريشة،  وتترك اثارها على قوة التعبيرات التي يخوضها ماسون بديناميكية هي جزء من لعبة اللوحة التشكيلية التي يجعلها كنوع من ساحة بصرية تشاغب العناصر فيها اركان اللوحة،  كأنه يخوض الحروب على قماش اللوحة. ليترجم الاثار النفسية من خلال الفن وقدرته على ابراز الجمال في النفس لفهم العلاقات المتصلة والمنفصلة، وكيفية بناء المواضيع المشتركة من خلال ذلك،   لادراك قيمة التذوق في الحياة من خلال الفن الاجتماعي او الفن القادر على محو القلق النفسي واعادة جوهر الانسان الى طبيعته. باعتباره الكائن الاجتماعي او الانسان القادر على بناء الذات بعد كل معركة يخوضها في الحياة،  لاثبات وجوده ضمن الجماعة. فهل من اثر للفن التكعيبي في لوحات “اندريه ماسون” لتعبير هو ابراز فسحات من الامل والاستقرار النفسي؟

تمنح لوحات الفنان “اندريه ماسون”  المتلقي امكانيات جديدة في التحليل النفسي ضمن جماليات الخطوط التي تسيطر على الحركة في لوحة هي الملعب البصري الذي يشحنه تعبيريا للكشف عن امكانيات الريشة القادرة على توزيع النقاط،  وجمعها ضمن خطوط هي انعكاسات للمضمون واللاوعي والمشاعر المكبوتة التي تحتوي على رموزمشابهة لاحلام يقظة تعكس قيمة النفس القادرة على الخلق الابداعي او البحث عن الصوت الداخلي لكل لون من خلال تدرجاته،  وتموجاته ومحاكاته للاشكال الناتجة عن الاندماج مع الكل اي اندماج الفرد مع الجماعة او التفرد باستقلالية تشبه الاجزاء في لوحاته المغموسة بأوجاع النفس الباحثة عن التنشيط الحياة من خلال الفن التشكيلي او اعادة بناء الانسان ضمن مساحات الجمال وعلم الخطوط والالوان.   

dohamol@hotmail.com

****

(*) اعمال الفنان” اندريه ماسون”  André Masson من مجموعة متحف فرحات (Farhat Art Museum)

 

 

اترك رد