في “صخب ونساء وكاتب مغمور” يتقن علي بدر نسف الجدران والستائر والاسيجة والطوامير وحواحز السجون واقفال الملفات السرية ويضع الحقيقة عارية كما هي ولم يكتفي بهذا الحد بل يمعن في وصف عوراتها باسهاب وهو يجتذب قارئه بقوة ليدله على هذه الملهاة الترجيدية.
الاوطان اللافظة للانسان تحت طغيان السلطان والهادرة لكرامته تحيله الى بيئة التغالب باخس وسائل الخداع وتصبح. الاحلام والاوهام يد عمياء تقود صاحبها الى محرقة الذات ومدفنة الضمير.
اجساد مبتذلة ونفوس ثعالبية وحياة راكدة متهرئة هي الاطار الذي يشكل فيه علي بدر مشاهد من عراق الوجع وبغداد الالم وهو يقتطع فترة ما يسمى بالحصار بعد احتلال صدام للكويت وما تبعها من قرارات اممية ساهمت بامعان في تجويع العراق حيث صار الهروب بعيدا عن الوطن مطية الخلاص من اسيجة الموت.
على الرغم من ان سعاد ووليد وتمارة وعبود وغيرهم من ابطال بدر لسيوا النموذج العام ولا يحكون تمام حكاية هذا الوطن إلا انه برع في رسم صورة لنموذج غير قليل يصعب الحديث عنه بنفس درجة العري التي مارسها بدر ببراعة.
لا تمثل هذه السطور نقدا فنيا ولا قراءة تحليلية بل هي نافذة تؤسس لامر اخطر مما عرض له النص يتمثل في المسؤولية الاخلاقية والانسانية والقانونية التي يتحملها جيل من الساسة معظمهم لم يذقوا مرارة حياة الحصار وما حدث في العراقيين وفي ذات الوقت تطوق الجميع بسؤال شجاع يمارس نفس العري الذي اختطه بدر يتمثل في : هل تريدون ان تحولوا العراقيين الى سعاد ووليد وتمارة وعباس وهل انتم مدركون ومتحسسون لحجم الالم والامل الذي حمله معظم العراقيون قبل عام 2003؟
وهل يريدون لنموذج بدر ان يكرر جملته الموجعة بعد ان سرقت السجادة وراح محل عباس والاستديو وبانت عيشة وطنجة خدعة :”انا لا املك وطنا انا املك خيالا”.