لم نفكِّر يوماً بذهابك “الفاتن”. كنّا نعتقد بأنك عصيّ على الموت ولم نكن ندرك بأنك تخطيت عتبة الثمانين من عمر سريع، لتمضي بحلمك وحيداً الى مكان لا تعرفه .
عندما قرأت خبر ضياعك في ليلة وحشيّة، قلت بأنها مسرحيّة جديدة تعدّها وتخرجها، ولكن صوت خفيض من صديق بعيد نهرني ( العوض بسلامتك مات جلال خوري )
لا دليل لرحيله المفاجىء! من أسبوعين رأيته في مسرح “أبو خاطر” بـ “المونو” يصعد الدرج بأسرع من حصان .
كيف يختفي الرفيق “سجعان” الذي كان يرى الوجع الذي ينهبنا كل شيء ويعوي أمام بيوتنا !
من سيروي قصص “جحا” في القرى المطرودة من المكان والأسطورة ؟
من سيحتكم الى “أخوة شاناي” ؟
كيف يموت هذا الرجل الذي لم يأخد دواء في حياته؟
كيف كان يخبىء هذا الموت الواسع في ابتسامته؟
يسهر كثيراً، يشرب قليلاً ، وكان علينا اذ لاح ضوء سيارته “الأنتيكا” من بعيد أن نحبس انفاسنا من حضوره الساطع ينهر بصوته العالي إغواء نار الأحاديث، ونحاول ان نلتقط رسائل “الاستاذ” البعيدة في الشعر والأدب في المسرح والطرب وفي كل شيء .
همس مالح في ظلام صباح “باريسيّ” بعيد، ينصب نهاره بدهاء البرد القارس. من أيّة جهة أنحو وقد دليتني على الساحات والمطارح .
أتذكُر عندما حضرت تسجيل “وعود من العاصفة” في أحد استوديوهات باريس الصغيرة وانت لا تكف عن ابداء ملاحظاتك التي لا تنتهي، الى ان فقدت صبري وصرخت من وراء الميكروفون “خَلَص يا جلالْ” فضحكت ضحكتك المجلجلة وغمرتني بنظرتك الحنونة ثمّ سهرنا حتى الصباح نحلّق كطيور موسميّة على طول المدينة بين الأزرق المنبثق من فتحة الغيم الكثيف. نهبط على باحة “التروكاديرو” الفسيحة ونشرب الشاي في صالون الـ Carette .
كيف احطّ اليوم على هذه الساحة المكتظّة في مثل هذا الصقيع وفي نعاسك الأبديّ اتبع حلمك لأجد الفردوس في محلّه .
جلال خوري شكراً لك.