تغرق اعمال الفنان “طلال معلا “( Talal Moualla) بالتراجيديا المشحونة بالمأساة الموازية لاحداث غمرت الانسانية بالالوان المقاومة لاجساد يشحذها بصريا، لتكون القوة المواجهة لحروب يشنها على لوحاته، وهي بمثابة رسالات تتوضح من خلالها معالم البشرية والسعي التشكيلي لتحقيق السلام، ومحو الصراعات بدلالات يتخذها ” طلال معلا” كرموز لاوجاع الانسانية وعذاباتها، وتشوهاتها الناتجة عن الحروب القائمة منذ الازل، والتي ستؤدي الى تشويه حتى التاريخ الانساني ومأساته المشبعة بالازمات المؤثرة على وسائل العيش في مجتمعات تمتلك كنوزا اثرية.
نقش “طلال معلا “رموزها على مساحات مدها بالخطوط الموحية لتراث عربي غني بالميثولوجيات التي تعيد الى الاثر الانساني مجده الحياتي، وان بلغة التصوير التعبيري الذي يميل الى القصص التراجيدية والملحمية في بعض منها ، فهل يحتفظ الفنان “طلال معلا” بالمجد الفني للشرق عبر رسومات تؤرشف لاحداث انسانية في الشكل والمضمون انطلاقا من التناقض بين الاشكال الى التوافق الخاضع على النظرة الانسانية .
تساعد لوحات “طلال معلا “في فهم المراحل الانسانية التي تمر بعقبات هي اشبه بملحمة موشحة بالتعليل الفني، والبراعة في استخدام الرموز بجمالية ذات خصائص صالحة لتتخطى الهموم الانسانية بالجمال والفن ، وان ضمن التباعد بين لوحة ولوحة تبعا للحدث الذي يرسمه بملامح تشكيلية ضرورية لمد الجذور التي تؤصل اعمال الشر والخير المتوارثة عبر السنين ، لتبدو على شخوصه كأنها من مشاهد متعددة فرضها على لوحته ببراعة رسام يلحد الهموم الانسانية في لوحة تنفي الاحداث، وتتركها ضمن الاطر الفنية وكأنه يتمنى محوها عبر الفن التشكيلي. لتشفى المجتمعات من العلل وتكون ضمن لوحات هي بعيدة بتاريخها عن الحدث الموجع الذي تحمله اللوحة. فهل يمكن للحدث عن يفرض على الفنان التشكيلي الحس اللوني المتوالف مع التجربة الانسانية في الفن ؟.
جوانب متعددة في اللوحة الواحدة، المحملة بثقافات الشعوب العربية خاصة. فالمناخات الفنية اغترابية تميل الى التعلق بالانسان وانفصاله عن القضايا الجزئية التي تمثل في ابعادها الموضوعات التشكيلية التي يتناولها على مستوى مجنمعي تنويري في بعض منه ليضع الاصبع على الجرح العربي من حيث مفاتيح الشخصيات التي يرسمها وفق اساليب مغطاة بالعفوية، وهي مدروسة المقاييس والتعابير والرموز المغمسة بشتى اشكال التعابير الانسانية الخارجة من قوقعة الذات او من الجزء الى الكل. وصولا الى الاساطير وقيامتها الفاعلة في نجسيد بقايا الامم برسم وجوه او اجساد او مشهد فني يحظى باحترافية ريشة ترصد جزئيات المساحة. لتعيد ترتيب الفكرة بخصوصية ذات جذور محلية يحملها نحو العالمية، وفق تطلعاته كرسام وكناقد فني يؤكد على قيمة الفن في مواجهة صعوبات البقاء في الحرب والسلم، وبخيالات ذهنية يستعرض من خلالها الافكار الجمالية.
جوهر انساني يتمسك به الفنان “طلال معلا” بتحولات الالوان وتدرجاتها الباردة والحارة، وبمواقف انسانية حوارية في رؤيتها الدقيقة للخوف والفرح والموت والولادة والرعب والاطمئنان، بازدواجية لا تكتمل غالبا. لتبقى عالقة في التخيلات التي يتركها بين التفاصيل الايحائية ، لترسيخ الوعي الفني بتفرد اسلوبي ومضموني، وبالتدفق التشكيلي في لوحات تنادي بالانسانية لمواجهة المصاعب الجمة بالثقافة الفنية المحاكية للعالم، وعبر عدة اجيال تشكيلية يبثها حتى اوجاعه التاريخية وفق المفهوم الدرامي، وعمق الحركة في اللوحة والتنامي اللوني الحميم، والمحمل بطموحات ريشة ذات معايير فنية مدروسة تؤسس الى تجاوزات تشكل نقلة نوعية في تشكيل تفاعلي مؤسس لاحداث صدمة بصرية تثير دهشة المتلقي. وتتركه في حالة عصف ذهني يسترجع من خلاله ماضي الانسانية باكملها، كإبراز للهوة الحياتية بين المجتمعات والتداعي والتقهقهر والحروب، والهويات والصراعات والمستويات الانسانية البارزة في تفاصيل الوجوه والفراغات، والمساحات المحيطة بالمعنى والتي تترك الاسلوب في اشكال متعددة من تناقضات رياضية لها اصولها وغناها الفكري والفني .
يذكر ان الفنان “طلال معلا ” ولد في بانياس سورية ، ودرس في كلية الاداب والعلوم الانسانية قسم اللغة العربية وهو ناقد فني وله منشوراته في الصحافة التي اشتغل بها كمدير لتحرير مجلة الرافد الثقافة. كما درس تاريخ الفن المعاصر في ايطاليا وشارك في الكثير من المعارض الجماعية والفردية .
****
(*) اعمال الفنان “طلال معلا ” Talal Moualla من مجموعة متحف فرحات Farahat Art Museum.